استأثرت زيارة الملك محمد السادس إلى دولة مالي، لحضور مراسيم تنصيب رئيس البلاد الجديد إبراهيم بوبكار كايتا، باهتمام عدد من وسائل الإعلام الفرانكفونية والإفريقية التي نوهت كثيرا بالزيارة، واستعرضت أبعادها الإستراتيجية والدبلوماسية والتاريخية. وبهذا الخصوص، كتب موقع "إفريقيا 7" الفرانكفوني، أن المغرب "ظل متشبعا بجذوره الإفريقية" حتى بعد انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، (الاتحاد الإفريقي حاليا)، حيث أنه منذ تولي الملك محمد السادس العرش "ما انفكت علاقات المملكة مع دول القارة السمراء تتعزز على مر السنوات". واعتبر الموقع أن هذا الإطار العام هو ما يفسر "حرص الملك شخصيا على حضور حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد ، بوبكار كايتا، مؤكدا من جديد على التوجه الإفريقي للسياسة الخارجية للمغرب". وأضاف الموقع، أن "التاريخ يعلمنا أن العلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء عمرها قرون، بما أن المملكة الشريفة طبعت ببصمتها الحضور الإسلامي في إفريقيا"، وبالتالي فإن "الزيارة الملكية ما هي في الواقع إلا انعكاس لمتانة الروابط التاريخية والدينية والروحية التي لطالما وجدت بين الشعب المغربي وشعوب إفريقيا جنوب الصحراء وخصوصا مالي". ويرى موقع "أفريك 7" أن للزيارة بعدا استراتيجيا كذلك، ذلك أن الجزائر التي لطالما حاولت الانفراد بالعلاقة مع "مالي "وعملت جاهدة لإقصاء المغرب، وفشلت في ذلك لأن المملكة أظهرت، و"من خلال مساهمتها المميزة في حل الأزمة المالية"، أنها لاعب رئيسي في المعادلة الإفريقية. واستشهد كاتب المقال بما قال إنها آراء خبراء دوليين ومسؤولين في الأممالمتحدة، أكدوا "أن دور المغرب إلى جانب التدخل العسكري الفرنسي الإفريقي كان حاسما في حل تسوية الأزمة السياسية والأمنية التي كادت تهدد بنسف الوحدة الترابية للدولة المالية". والمغرب، يقول كاتب المقال، عمل على العودة بقوة على الساحة الإفريقية منذ تولي الملك محمد السادس العرش في 1999 وقد أكسبته سياسته الإفريقية "قدرا كبيرا من الثقة في أعين شعوب وحكام عدد من الدول، خصوصا بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء"، وهي المنطقة التي تكتسي أهمية كبيرة للمملكة المغربية ومن جهتها وصفت وكالة الأنباء الإفريقية ، الزيارة الملكية بأنها "تاريخية"، واعتبرت أن الترتيبات المصاحبة لها، تحمل مجموعة من المؤشرات على أهميتها الكبيرة بالنسبة للماليين. فالملك محمد السادس، تذكر الوكالة، حل كضيف شرف على البلاد، وسيكون آخر زعيم يلقي خطابه، ليليه مباشرة الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكار كايتا. وعلى خلاف الاستقبال الذي خصص لباقي الزعماء الحاضرين لحفل تنصيب للرئيس المالي الجديد، كان العاهل المغربي هو الوحيد الذي حظي بمرافقة الرئيس كايتا ،من المطار حتى مقر إقامته، كما أن العاهل المغربي على عكس باقي الزعماء سيمكث بالعاصمة "باماكو" أكثر حيث يعتزم أداء صلاة الجمعة هناك. وذكرت وكالة الأنباء السنغالية أن السلطات المالية عازمة على الاحتفاء، كما يليق بالملك محمد السادس، لشكره على إصراره على التنقل شخصيا لحضور مراسيم تنصيب الرئيس كايتا، خصوصا أنها أول زيارة يقوم بها الملك إلى مالي، وأول مرة يحضر فيها مراسيم تنصيب زعيم دولة أجنبي في سابقة من نوعها. وفي مقال تحت عنوان "المغرب يلعب أفضل من الجزائر على رقعة الدبلوماسية الإفريقية" كتب موقع "لوكوريي ستراتيجيك"، أن "التنافس بين الرباطوالجزائر العاصمة من أجل التأثير في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ،يمنح المملكة الشريفة تقدما ملموسا". واعتبر الموقع الفرانكفوني أن المغرب منذ تولي الملك محمد السادس ،سدة الحكم استطاع أن يصنع لنفسه مكانا مهما في الوسط الدبلوماسي الإفريقي على حساب الجزائر المتقوقعة على نفسها منذ الحرب الأهلية، خلال ما بات يعرف باسم "العشرية السوداء". ورغم أن المغرب، يقول المقال، انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي لاحقا) "إلا أن تأثيره الإفريقي ما انفك يتأكد على مر السنين" بفضل توجيهات الملك التي برزت أكثر في الساحة الإفريقية وفي الجانب الاقتصادي، يضيف الموقع الإليكتروني:يبدو أداء المغرب أفضل من باقي جيرانه في الدول المغاربية "حيث يوجه الجزء الأهم من استثماراته المباشرة نحو السوق الإفريقية". و يظهر المسؤولون الأفارقة اليوم "ارتياحا كبيرا لوجود عدد من المقاولات المغربية على أراضيها في مجالات الأبناك والاتصالات والعقار والنقل الجوي". ويشير المقال إلى أنه حتى على المستوى الاجتماعي، وبالرغم من إمكانيات المغرب المحدودة، "فإن المغرب في شخص الملك ،لطالما استجاب لنداءات المساعدة من قبل الإخوة والأصدقاء الأفارقة"، كما هي الحالة في مالي "حيث سبق الزيارة الملكية إرسال مساعدات إنسانية مهمة رافقها إقامة مستشفى عسكري ميداني ، من مختلف التخصصات والذي بدأ في استقبال المرضى".