ثمة تغيير طرأ على إستراتيجية جماعة «الإخوان المسلمين» في الفترة الأخيرة، بعدما تمكن الحكم الموقت، على ما يبدو، من تثبيت ركائزه، والمضي قدماً في تنفيذ «خريطة الطريق». ويبدو الآن أن الجماعة باتت تنتهج مساراً يقوم على تأليب الرأي العام على الحكومة وانتزاع الغضب، ما يمكّن «الإخوان» من زيادة الزخم المؤيد لها في الشارع. وظهر ذلك جلياً من خلال الدعوات إلى شل حركة مترو أنفاق القاهرة (على رغم أن هذا التحرك لم ينجح)، وما تبعها من دعوات أخرى إلى الاعتصام أمام محطات الوقود، ناهيك عن إبراز أو اختلاق «سلبيات» يقع فيها الحكم الموقت. لكن مناصري الحكم الجديد يقولون إن «السحر انقلب على الساحر»، فلم تجد تلك التحركات التي دعت إليها جماعة «الإخوان» أي صدى في الشارع المصري، بل إنها لم تؤد سوى إلى زيادة غضب المصريين تجاه ما يوصف ب «ارتعاش يد الحكومة في مواجهة الإخوان المسلمين». بل تم تسجيل تصاعد الدعوات إلى ضرورة «إقصاء» الجماعة عن المشهد السياسي وعدم قبول أي تسوية معها. وكان لافتاً أيضاً اختفاء صور الرئيس المعزول محمد مرسي عن تظاهرات «الإخوان» في الأيام الأخيرة، في مقابل رفع شعار «رابعة» وصور قتلى سقطوا خلال مواجهات مع الأمن، ما يُظهر تفضيل الجماعة لخطاب «المظلومية» للحفاظ على تماسك التنظيم، ومحاولة اجتذاب أنصار، بعدما تأكد «الإخوان» من فشل تحركهم في الشارع في استعادة ما يعتبرونه «الشرعية». لكن هذا الخطاب «الإخواني» لم يلق أيضاً اهتماماً لدى شرائح من المصريين الذين شاهدوا، قبل أسابيع، أعضاء الجماعة يشهرون السلاح في وجوههم ويطلقون النار فيسقط قتلى هنا وهناك. وعدم اهتمام المصريين بتظاهرات الجماعة ظهر جلياً في تحركاتها الأخيرة، إذ بدت التظاهرة الأخيرة أمس باهتة وغير مؤثرة. وهناك من يرى أن جماعة «الإخوان» فقدت ربما للمرة الأولى منذ تأسيسها على يد الشيخ حسن البنا في عام 1928، جزءاً لا بأس به من ظهيرها الشعبي الذي طالما استنجدت به حين كانت تواجه الأنظمة السابقة، إذ لم تعد الجماعة مطاردة من السلطة فقط، بل باتت أيضاً منبوذة من شريحة تبدو كبيرة من الشعب، ما يجعلها مطالبة بمراجعات عميقة. وكان ناشطون من «الإخوان المسلمين» أطلقوا دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتنفيذ عصيان مدني جديد داخل محطات البنزين الحيوية على مستوى الجمهورية. وأوضح الداعون إلى تلك الفعاليات إلى أنهم يسعون إلى تزويد كل سيارة ب 5 ليترات من الوقود، لتعود بعدها للتزود بالوقود مرة ثانية بهدف إحداث نوع من التكدس داخل محطات البنزين والعودة إلى الطوابير من جديد، كما كان الحال في أواخر عهد الرئيس المعزول مرسي. وتزامنت الدعوة مع دعوات أخرى أطلقها «تحالف دعم الشرعية» الذي تقوده جماعة «الإخوان» إلى تنظيم تظاهرات (أمس) في كل ميادين مصر لاستكمال ما سمّاه التحالف «أسبوع الوفاء لدم الشهداء». لكن دعوة ناشطي «الإخوان» ودعوة «التحالف» لم تلقيا أثراً كبيراً في الشارع المصري أمس. وبينما أكد «التحالف»، في بيان، أن «اعتقال الحرائر وإهانتهن وقتل الثوار واعتقالهم لن يخمدا نيران الثورة السلمية بل سيزيدانها اشتعالاً فوق اشتعال»، تعهد مصدر أمني مسؤول تحدث إلى «الحياة» بمواجهة أي خروج عن القانون «بحسم»، مشدداً على أن الحكومة لن تسمح بمحاولات وصفها ب «البائسة» لتقويض أركان الدولة وتعطيل مصالح الناس. وقال وزير البترول المصري المهندس شريف إسماعيل إن قطاع البترول سيتصدى لأي محاولة لتعطيل العمل داخل محطات الوقود، لافتاً إلى تفعيل بعض الإجراءات الموجودة للتعامل مع أي مظاهر غير طبيعية تتم داخل محطات الوقود وتستهدف عرقلة عمل المحطات وتوفيرها المنتجات البترولية للمواطنين. وبينما يرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عماد جاد أن التغيير في إستراتيجية «الإخوان» يأتي على ما يبدو بنتائج عكسية على الجماعة، إذ أن ما تقوم بها يضر بمصالح المواطنين، غير أنه يرهن استمرار عزلة الجماعة وفقدان شعبيتها ب «تحرك سريع من قبل الحكومة لتلبية احتياجات المصريين». ويوضح عماد جاد أن انتهاج «الإخوان المسلمين» لسياسة شل الحركة بقطع الطرق وشل حركة مترو الأنفاق «بلا شك يستفز الناس ويزيد من غضبهم تجاه الجماعة، ما يمنح النقاط لمصلحة الحكم الموقت. لكن الفيصل يكمن في أداء الحكومة». ويقول: «نحن الآن في طريقين الأول يسير فيه الإخوان بهدف تقويض أركان الدولة، والآخر تسير فيه الحكومة بهدف تلبية حاجة الناس وتنفيذ بنود خريطة الطريق... عليها أن تعمل بقوة من أجل بناء حقيقي للدولة المصرية، ومن يسارع خطاه سيصل إلى شعبية الناس». ويتابع: «يجب أن يكون إيقاع حركة الحكومة أسرع من إيقاع الإخوان». ويؤكد جاد أن التغيير في سياسة الإخوان يهدف أيضاً إلى «الحفاظ على تماسك صفوف الجماعة باعتماد خطاب المظلمة».