تمر اليوم ثلاث وثلاثون سنة على رحيل الفنان الشعبي الكبير دحمان الحراشي، الذي أسهب في تطوير أغنية الشعبي، جاعلا منها تراثا وطنيا استفادت منه أجيال الشباب وخرجت به إلى العالمية. لقد أعطى دحمان الحراشي للأغنية الشعبية الجزائرية رونقا خاصا، حيث غلب على كافة أغانيه طابع الوعظ والحكمة بأسلوب جميل وبسيط يتناول مختلف القضايا الاجتماعية، ومن أروع ما غنى الراحل «يا الرايح» التي انتشرت في كل بقاع العالم وتغنت بها الشعوب في الشرق والغرب، وهي تتناول قضية الهجرة إلى فرنسا، كانت الأغنية موجهة لصديق دحمان الحراشي الذي كان مصرا على الهجرة حينها، ظنا منه أنه سيجد بها الجنة والنعيم، فكانت هذه الكلمات: «يا الرايح وين مسافر تروح تعيا وتولي شحال ندمو العباد الغافلين قبلك وقبلي شحال شفت البلدان العامرين والبر الحالي شحال ضيعت وقات وشحال قصيد مزال تخلي الغايب في بلاد الناس شحال تعيا ماتجري بيك وعد القدرة ولا الزمان وأنت ماتدري». من أشهر أغانيه أيضا؛ «خليوني» التي غناها في فرنسا عام 1956، وأعادت غناءها السيدة لطيفة التونسية عام 2003، وكذا أغنية «ربي بلاني بالطاسة» التي تعالج قصة الإدمان. أغان أخرى منها؛ «مازلني معاك»، «يالحجلة»، «نوصيك يالغافل»، «أشداني»، «والله مادريت»، «جرب وقرب واختار»، «خبي سرك يا الغافل»، «طير القفاص» «ساعفني نساعفك»، «زوج حمامات»، «ياربي تب علي»، «لماهو لبيك»، «صاحبك هذا الزمان»، «آش يصر خاطري» وغيرها من الروائع. عاش الراحل حياة بسيطة، فقد عمل قباضا بمحطة تراموي، ثم إسكافيا، وعانى لسنوات طويلة من عمره في فرنسا من ألم المنفى والهجرة، وظل حنينه منذ الأربعينيات مشدودا للجزائر، وكل ما تمثله من أرض، هوية وأصدقاء، هذه الحياة جعلته يعيش في عمق حياة الجزائريين ويشاركهم همومهم وآلامهم في الحرية، لذلك عكس فنه بصدق الوجدان الجزائري، فنجحت كل أعماله وارتقت لتكون تراثا وطنيا. أدى الراحل الأغنية العاطفية بخصوصية جزائرية راقية، وتفادى في كلماته الابتذال لتردد أغانيه العائلات الجزائرية دون حرج، كما تفادى الراحل استعمال الكلمات الدخيلة والأجنبية في أغانيه، ويعود دائما للكلمة الأصيلة والمعبرة، فمثلا يقول في إحدى أغانيه: «والله مادريت الغدرة في مضرب الأمان»، والمضرب هنا المكان ولم يستعمل مثلا كلمة أجنبية حتى وإن كانت متداولة ك"بلاسة"، احتك الراحل منذ بداياته في الأربعينيات بأسماء فنية جزائرية لامعة، وعمل معها، منها؛ الحاج منور والشيخ الحسناوي، كما عمل لسنوات طويلة في المقاهي الفنية بباريس، إذ كانت تجلب أبناء الجالية من المغتربين الجزائريين المغاربة. رغم الألم، الحنين والصعاب التي تجسدت في أغانيه، إلا أن روح التفاؤل والفرح لم تغب عن جل أعماله، علما أنه يستهل أغلبها باستخبار يكون بمثابة فأل خير، كقوله الدائم؛ «أيامات الخير مازالهم جايين، يعود القلب زاهي بجاه النبي سيد المرسلين نور البدر الباهي». طور الراحل فن الشعبي وأدخل عليه «البونجو» و»الموندول»، وقدم له ألحانا جديدة توزعت على 500 أغنية، وكانت أول أسطوانة سجلها عند «باتي ماركوني» بباريس سنة 1956 بعنوان «بهجة بيضا ماتحول». غنى للجزائر في عز ثورتها العديد من الأغاني منها؛ «كفاش ننسى بلاد الخير» وغيرها، كما شارك في الثورة وكان له حضور فيها. التقى جمهوره الجزائري بشكل رسمي ولأول مرة سنة 1974 بقاعة «الأطلس»، وقدم 3 تسجيلات للتلفزة، إضافة إلى فيلم تلفزيوني بعنوان «صح دحمان»، قدمه قبل وفاته بفترة وجيزة. لاتزال أغاني الراحل مطلوبة عبر شبكات الاتصال، كما ترجمت بعضها إلى عدة لغات. للتذكير، فإن الراحل من مواليد 7 جويلية سنة 1925 بالأبيار، استقر والده بمنطقة الحراش وكان وقتها مؤذنا بالجامع الكبير، كانت عائلته محترمة ومناضلة. توفي الراحل في 31 أوت من سنة 1980، إثر حادث مرور بناحية عين البنيان.