لم تنتعش الصحافة الحزبية في المغرب، إلا حين كانت الأحزاب التي تنطق باسمها في موقع المعارضة. حينها، لم تكن سوق الصحافة الحرة تعرف الرواج الذي تشهده اليوم، إذ بات هذا النوع من الصحافة يقوم بدور المعارضة، مثل تجربتَي «الصحيفة» و»لوجورنال» في عهد حكومة عبدالرحمن اليوسفي، بعدما تراجعت نسبة مبيعات صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» بسبب مشاركة الحزب الذي تنطق باسمه في الحكومة. وقد كانت تصريحات وزير الاتصال السابق نبيل بنعبدالله عام 2005 عن تخصيص الملك محمد السادس خمسة ملايين درهم سنوياً كدعم للصحافة، بمثابة متنفس للصحافة المستقلة وإعلان عن قطيعة مع ما كانت تحظى به الصحف الحزبية من دعم للورق في عهد وزير الداخلية والإعلام آنذاك (الراحل) إدريس البصري. وتراجعت الصحافة الحزبية في المغرب بنسبة 60 في المئة، لتسد الفراغ الصحافة المستقلة. وفي لغة الأرقام، تدنت مبيعات الصحف الحزبية التي كانت تبيع أكثر من مئة ألف نسخة يومياً في زمن معارضتها النظام لتصل إلى عشرة آلاف نسخة اليوم. غير أن الحديث عن نهاية وشيكة للصحافة الحزبية أمر مستعبد في المدى المنظور، فهي لا تعتمد منذ البداية على المبيعات، على رغم أن لغالبيتها مطابع خاصة. ويشير التقرير السنوي (2012) ل»هيئة التحقق من الانتشار» إلى تراجع مبيعات كل الصحف اليومية المغربية، فيما حافظت صحيفة «المساء» المستقلة على المرتبة الأولى بمعدل 104861 نسخة. وجاءت في أولى مراتب الصحف الحزبية صحيفة «العلم» الناطقة باسم حزب «الاستقلال» الخارج من الحكومة والذي توجه إلى صفوف المعارضة أخيراً. وتعد «العلم» من أعرق الصحف المغربية، إذ صدرت عام 1944، ويبلغ توزيعها اليومي 8984 نسخة. وتأتي بعدها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي يصدرها حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، وتصل مبيعاتها 7797 نسخة، وتليها «التجديد» الناطقة باسم الجناح الدعوي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم (2811 نسخة)، ثم صحيفة «الحركة» الناطقة باسم حزب «الحركة الشعبية» المشارك في الحكومة (1110 نسخ)، ثم «المنعطف» الناطقة باسم حزب «جبهة القوى الديموقراطية» اليساري (510 نسخ). ولم يشمل التقرير أرقام مبيعات «بيان اليوم» التي يصدرها حزب «التقدم والاشتراكية» المشارك في الحكومة، و»رسالة الأمة» التي يصدرها حزب «الاتحاد الدستوري» المعارض. أما الصحف الحزبية الصادرة بالفرنسية، فتأتي «لوبينيون» التي يصدرها حزب «الاستقلال» في المرتبة الأولى (13206)، تليها «ليبراسيون» التي يصدرها حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (2308). ويعزو مراقبون تراجع الصحافة الحزبية في المغرب إلى انحسار الإيديولوجيات عموماً وتراجع ما يسمّى ب»صحافة الافتتاحية» لمصلحة صحافة الخبر. ويرى هؤلاء أن غالبية الصحف الحزبية، على غرار بعض المؤسسات الإعلامية المكتوبة، لا تحترم شروط الاتفاق الجماعي الخاص بالتصريح عن أجور الصحافيين والتزاماتهم الاجتماعية، ما يجعلهم بلا مصدر رزق ويعرّضهم وأفراد أسرهم للتشرد، كما هي حال ثلاثة صحافيين في جريدة «بيان اليوم» أخيراً. ويؤكد رئيس «الفيديرالية المغربية لناشري الصحف» نور الدين مفتاح التزام فيديرالية الناشرين بتخصيص نسبة من رقم معاملاتها السنوية وصرفه للصندوق الاجتماعي من أجل ضمان تقاعد منصف ومشرّف للصحافيين المشرفين على التقاعد والعاملين في مؤسسات صحافية حزبية تحول ديونها الاجتماعية دون الوفاء بالتزاماتها إزاء للصناديق الاجتماعية. في المقابل، يوضح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي أن الحجم الإجمالي الكلي المخصص لدعم الصحف الوطنية ارتفع من نحو 46 مليون درهم عام 2005 (تاريخ بداية عقد البرنامج الأول) إلى 65 مليون درهم عام 2012، علماً أن عدد المقاولات (التراخيص) الصحافية ارتفع من 40 مؤسسة عام 2005 إلى 59 ترخيصاً في الشطر الأول من العام 2012. وبحسب وثيقة نشرتها وزارة الاتصال عن لائحة مبالغ الدعم المالي المخصص للصحافة المكتوبة (ومنها الصحافة الحزبية) لعام 2010، حصلت صحيفة «لوبينيون» على دعم من الدولة يبلغ مليوني درهم، تبعتها جريدتا «العلم» و»الاتحاد الاشتراكي» بمليون و180 ألف درهم، فيما حصلت الصحف الحزبية الأخرى على دعم مالي أقل. وكانت أسبوعية «الشروق» الناطقة باسم حزب «التجمع الوطني للأحرار» المعارض توقفت عن الصدور بعد تحولها إلى يومية وتعيين صاحبها وزيراً في حكومة عبد الإله بنكيران. كما لم يفلح بنكيران ورفاقه في إصدار جريدة منتظمة كان آخرها «المصباح» التي حصلت على دعم مالي يقدر ب300 ألف درهم عام 2010 قبل أن تتوقف عن الصدور، لينشئ الحزب بعدها موقعاً الكترونياً بديلاً في زمن الطفرة الرقمية.