تنتهي اليوم (الخميس) الزيارة الرسمية غير المسبوقة في مظاهرها البروتوكولية وأبعادها السياسية، والتي قام بها إلى المغرب ملك إسبانيا منذ يوم الاثنين الماضي، استهلها بعشاء ملكي عائلي احتفاء بشخصه من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي لا يحتاج وأغلب الأسرة الملكية لمترجم من اللغة الإسبانية. ومن المتوقع، طبقا للمصادر الإسبانية أن تتوج الزيارة بصدور بيان مشترك اليوم، يستعرض مواقف البلدين من قضايا الساعة، على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية، كما يتعرض البيان لنزاع الصحراء، حيث ذكرت أوساط قريبة من الوفد الإسباني أن مدريد ستجدد موقفها الذي طالما أعربت عنه للمسؤولين المغاربة والجزائريين، على السواء، ومفاده أن حل النزاع لن يكون متيسرا إلا في إطار التفاوض السلمي بين الطرفين طبقا لمقررات الأممالمتحدة ذات الصلة. من جهة أخرى، بدا واضحا من خلال محطات الزيارة أن الملك خوان كارلوس أشرف على بعض تفاصيلها ولحظاتها القوية، إذا حرص أن يكون لقاؤه بالملك محمد السادس، ذا طابع تاريخي حافلا بالدلالات والرموز اللافتة، ليس أقلها الإشادة بالتجربة الإصلاحية التي يقودها العاهل المغربي منذ توليه الحكم، والتي قال الملك خوان كارلوس بصددها إنها أشرعت أبواب المغرب على فضاءات استراتيجية وسياسية جديدة، ولذلك فإنه شدد على دعوة رجال الأعمال في البلدين الحالين لاقتناص مزيد من الفرص من أجل تحقيق ما سماه ملك إسبانيا «الازدهار المتقاسم»، وهو الشعار الكبير الذي اختاره رجال المال والأعمال من الجانبين، ليكون غطاء للقاء الذي جمعهم أول من أمس، في أحد فنادق الرباط. وكان ملك إسبانيا، في التفاتة إنسانية خاصة ومؤثرة قد زار مرقد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، حيث سحب الحذاء من قدميه، احتراما للأموات، ووضع إكليلين من الزهور على قبر الملكين الراحلين، متوقفا بالخصوص عند ضريح الملك محمد الخامس، جد العاهل المغربي، الذي تفاوض مع إسبانيا عام 1956 لمنح الاستقلال لشمال المغرب الذي كانت تحتله في إطار قسمة استعمارية بينها وبين فرنسا. وفهمت إشارة ملك إسبانيا على أنها إشادة بروح التفاوض السلمي التي نهجها جد الملك محمد السادس، مما أبقى على علاقات طيبة مستمرة مع الجار الإسباني، على الرغم من أن استعادة التراب المغربي من الاحتلال الإسباني لم تكن كاملة، وقع استكمال البعض في السنوات اللاحقة في الجنوب المغربي، ضمنها المحافظات الصحراوية. وفي هذا السياق، لم يكتف ملك إسبانيا بالتذكير بعرى الروابط السياسية والدبلوماسية مع المغرب، بل ذهب إلى الأبعد من ذلك، معترفا بالأثر الحضاري للوجود العربي في الأندلس، ولذلك فإنه حمل معه هدية ثمينة، ذات معاني ثقافية، لملك المغرب، هي عبارة عن صور رقمية لعدد من المخطوطات العربية المحفوظة في مكتبة «الإسكوريال» الذائعة الصيت والتي تعد مقصد الباحثين والمحققين لكنوز التراث العربي الإسلامي التي أنتجت وكتبت فوق الربوع الإسبانية في أزهى فترات الحضارة الإسلامية. وتوج اليوم الثاني من مقام الملك خوان كارلوس في ضيافة الملك محمد السادس، بحضور حفل العشاء المقام على شرفه الليلة قبل الماضية، والوفد المرافق له، حضره نحو 600 من المدعوين المغاربة والإسبان، بينهم أربعة وزراء مغاربة يتقدمهم رئيس الحكومة المغربية عبد الإله ابن كيران، الذي جلس هو ووزير الخارجية سعد الدين العثماني، إلى المائدة الملكية، بينما حضر الحفل خمسة وزراء إسبان توزعوا على الموائد الأخرى مع نظرائهم المغاربة باستثناء رئيس الدبلوماسية، مانويل مارغايو، الذي جلس إلى جانب نظيره المغربي. وتصادف أن موعد الإفطار الرمضاني، متأخر نسبيا، يعادل العاشرة إلا ربع بالتوقيت الصيفي في إسبانيا، وهو موعد عشاء الإسبان، لذلك أحس ضيوف المغرب وكأنهم يتناولون عشاءهم في الموعد، حريصين على أن لا يشرعوا في الأكل قبل قصف المدفع إيذانا بأذان المغرب، ليتلذذوا بأطايب رمضان من تمر وحلويات وحساء تقليدي (الحريرة) وهي المكونات التي تزين موائد الإفطار في المغرب، حسب مقدرة كل فئة اجتماعية. ومن جهته، لم يكن وزير الخارجية الإسباني، أقل ثناء وإشادة بالتجربة المغربية وإعجابا بإجراءات الإصلاح التي يباشرها الملك محمد السادس، وقال إن الأنظمة الملكية هي رمز وعلامة الاستقرار السياسي، مثلما هو حال الملكية البرلمانية في إسبانيا، وكذلك نمط الملكية في المغرب؛ وكأن رئيس الدبلوماسية الإسبانية، يرد على منتقدي النظام الملكي في بلاده، أولا وعلى المطالبين القلة بملكية برلمانية في المغرب. وإذا كان الاقتصاد هو سيد الموقف في الزيارات المتبادلة بين البلدان في العصر الحديث، فإنه كان مناسبة لإحياء الحديث عن مشروع الربط القاري، عبر مضيق جبل طارق بين إسبانيا والمغرب على مسافة 38 كيلومترا 27 منها توجد تحت البحر، بواسطة أنفاق مغطاة على غرار «مشروع بحر المانش» بين فرنسا وبريطانيا. وأعادت الوزيرة الأشغال الإسبانية، آنا باستور، إلى الأذهان أنه جرى الحديث بين الملكين خوان كارلوس والحسن الثاني عام 1979 بشأن ذلك، وأنجزت دراسات متقدمة، لكن السياسة ألقت بظلالها على المشروع فتوقف الحديث عنه، فضلا عن تكلفته المالية الباهظة وصعوبة إيجاد مصادر التمويل. ويرى مراقبون أن تجديد الحديث عن المشروع التاريخي والمستقبلي، ليس من قبيل مجاملة المغاربة ودغدغة أحلامهم، بل أصبح الربط بين البلدين يمثل إغراء وتحديا اقتصاديا للإسبان لتيسير عبورهم نحو أفريقيا والعالم العربي.