للكتاب المغاربة طقوسهم وطرائقهم في تدبير الزمن خلال الشهر الكريم، فهو وقت إنتاج وإبداع وتفرغ لإنجاز المشاريع المؤجلة، وهو لآخرين فصل راحة وشحن روحي وذهني لأداء استحقاقات الكتابة في وقت لاحق. منهم من يتفرغ للعبادة، ومنهم من يعتبره فرصة سانحة للاستفاضة في القراءة، وبعض آخر يجده مناسبة لتبادل الزيارات العائلية وتلبية دعوات الإفطار والسحور مع بعض الأصدقاء، ومتابعة أعمال فنية أنجزت خصيصا للعرض في رمضان. تعود الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد كتابة أعماله المسرحية في شهر رمضان، ففيه تصفو النفوس ويكون للإنسان فضل في الوقت للإبداع في أجواء هادئة. بالنسبة إليه رمضان هو بامتياز فصل القراءة والكتابة، بعد أداء الفروض الدينية. يتذكر برشيد، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قصته الطويلة مع رمضان على مدى سنوات إقامته في مدينة الخميسات، حيث كان للشهر طعم خاص لكونه ارتبط بتأليف جل أعماله المسرحية، التي كانت تبدأ بمجرد فكرة سرعان ما تتبلور لتصبح عملا مسرحيا، كما أن جلها تنفس عبق التراث على غرار نصوص "ابن الرومي في مدن الصفيح" و"امرؤ القيس في باريس" و"ليالي المتنبي". يعتبر برشيد رمضان شهر للصفاء، والمبدع لا يمكن أن يكتب إلا في لحظة صفاء لأن الكتابة الإبداعية ليست فرجة استهلاكية يشاهدها الإنسان في لحظة معينة ثم ينتهي كل شيء، بل الكتابة بالنسبة إليه "رسالة وخطاب". في رمضان يمارس عشقه للغة العربية والأدب العربي في امتداداته المتعددة فهو بالنسبة إليه الطرفة والحكاية والأسطورة والمعلقات الشعرية والمقامات وأيام العرب. وأشار المسرحي المغربي إلى أنه كان على موعد في رمضان الماضي مع كتابة مسرحية "سقراط قالوا مات"، والتي تتمحور حول هذا الفيلسوف كما عاش وكما تمثله، أما هذه السنة فهو يقوم بإعادة كتابة نص فيه شيء من الرواية وشيء من المسرح والسيرة الذاتية وأدب الرحلة، هي كما يصفها رحلة العمر، من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة إلى الشيخوخة ومن خلالها يطرح مجموعة من الأسئلة والقضايا ومسائل وجودية واجتماعية متعددة. أما الشاعرة وداد بنموسى، فإن أشد ما تنجذب إليه في رمضان شساعة الوقت التي تتيح لها أن تستدرك ما فاتتها من قراءات ومتابعات ومراجعات، فبالنسبة إليها الوقت في رمضان أكثر رحابة، لأجل ذلك تجدها، ما أن يهل هلاله، حتى تشرع في فتح الملفات المؤجلة والتي تحوي في ثناياها، إما مشاريع شعرية أو نثرية لم يسمح لها الوقت بإعادة قراءتها والرجوع إليها كي تشذبها وتنصت إلى مواطن الضعف فيها، أو مشاريع أخرى ذات صلة بكل ما من شأنه أن يفتح لها آفاق أخرى للمعرفة، كالبحث الدقيق والمتأني عن حيوات مجموعة من الأسماء التي ما تزال تشكل لها عالما مدهشا وجديرا بالاهتمام، عوالم وحيوات المتصوفة والمبدعين والفلاسفة والرسامين، تبحث في سيرهم عن المدهش والمختلف. تحب بنموسى في رمضان رائحته في الأجواء، موائد الأحبة ومحبتهم التي تستفيق في الأماسي الدافئة، ودعوة من تستأنس بوجودهم في الجوار، والجلوس إلى حكاياهم وتعاليقهم، حيث يذكرها ذلك بالزمن الفاتن في مدينة القصر الكبير، حين كانت عماتها تجتمعن قبل وبعد الإفطار في طقوس تكاد تكون مقدسة، وتقضين الجزء الأخير من الليل في ترديد بعض المحفوظات من الأذكار والأناشيد الدينية، موضحة أنه من تلك الطفولة جاء الارتباط برمضان، ومنذ تلك الطفولة وهي تستمتع بهذا الزمن القصير بكل ما أوتيت من يقين أنه شهر سرعان ما سينتهي. والآن، وفي محاولة لاسترجاع علاقتها بالكتابة في هذا الشهر تحديدا، تقول الشاعرة وداد بنموسى "تقفز إلى ذاكرتي حقيقة صافية، لا أعرف دوافعها الحقيقية، ولكني أؤكد أنني أكتب في هذا الشهر أكثر من باقي شهور السنة، ربما الصمت والهدوء اللذان يغلفان فضاء البيت في الصباح، أو لعله الاستسلام إلى بذخ الليل في الهزيع الأخير منه، أكتب أكثر في رمضان دون أن أعي تحديدا لماذا ¿ ولعلي لم أطرح هذا السؤال من قبل ... غير أني أصدق أنه شهر له عذوبته وخصوصياته الروحية". هي الروح تزداد ثراء في هذا الشهر، حيث تقرأ وتكتب وترسم أحيانا، وتمارس ساعة أو أكثر من المشي مصحوبة ببعض التمارين الرياضية، وتجتهد في إعداد بعض " الشهيوات" لعائلتها، كما تلتقي الأحبة الذين تكون لجة الحياة قد نأت بهم في البعيد، وتستمتع بما لذ وطاب من جميل اللحظات. عادات تجدد الصلة بالناس وأخرى تخمد. بالنسبة للروائي عبد الكريم جويطي "رمضان يكسر عاداتنا. إنه شهر صيام وتأمل وخلوة خصوصا في مدينة تعرف حرارة مرتفعة كمدينة بني ملال". ويقول جويطي إنه عادة ما يكرس هذا الشهر لقراءة نصوص أساسية في الثقافة الإسلامية، ففي شهر رمضان الماضي أعاد قراءة أجزاء من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج للأصفهاني، في حين يقرأ هذه السنة كتاب الطبري وكتاب "الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيان التوحيدي. يخلص عبد الكريم جويطي إلى إعلان حبه لهذا "الشهر الشاعري الذي ينتصر لليل على النهار ويعيد لحسابه ترتيب وهندسة سلوكاتنا وأهوائنا"، معتبرا أنه "رقيب على شهواتنا ومحرر كبير لطاقاتنا على الصبر والتأمل". تعاليق الصور: -عبد الكريم برشيد الشاعرة وداد بنموسى الروائي عبد الكريم الجويطي