في خطوة غير متوقعة، أقدم عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص بتوقيع بلاغ يعلن فيه التحاقه بحزب النهضة والفضيلة رفقة مجموعة من رفاقه، ويعتبر أبو حفص من رموز التيار السلفي في المغرب الذي يوصف إعلاميا بالسلفية الجهادية. أبو حفص من مواليد سنة 1974 بالدارالبيضاء من أسرة متدينة، يلقب أبوه بعميد المحاربين القدامى في أفغانستان والذي كان قد التحق بها في بداية الثمانينات للانضمام للمجاهدين ومواجهة الاحتلال السوفياتي. مساره الدراسي تميز بالتنوع فقد حصل على الباكالوريا في العلوم من مدينة الدارالبيضاء والتحق بالجامعة ليدرس الفيزياء غير أنه لم يلبث أن هاجر إلى المملكة العربية السعودية مغيرا مساره الدراسي بشكل كامل عندما تسجل في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حيث حصل على الإجازة في الشريعة الإسلامية قبل أن يعود لاستكمال دراسته العليا في شعبة الدراسات الإسلامية بمدينة فاس حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة، لكنه عاد أيضا داعية وخطيبا مفوها سرعان ما ذاع صيته بمدينة فاس بعدما اشتغل بالوعظ والخطابة في العديد من المساجد وفي بعض دور القرآن. في سنة 2000 وبعدما انطلقت الانتفاضة الثانية بفلسطين، تفاعل أبو حفص مع هذه التطورات وصعّد من خطابه ضد الأنظمة العربية المتواطئة مع الغرب، وزادت حدة خطابه ضد الأنظمة في أعقاب التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسرعان ما تم اعتقاله برفقة حسن الكتاني، واستمر التحقيق معهما إلى أن وقعت تفجيرات الدارالبيضاء ليلة 16 مايو 2003، فاعتبر أبو حفص من بين المنظرين لتيار السلفية الجهادية في المغرب، وحكم عليه ب30 سنة سجنا نافذة، قضى منها تسع سنوات قبل أن يطلق سراحه على إثر عفو ملكي يوم 3فبراير 2012 بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وذلك بمبادرة من مصطفى الرميد وزير العدل والحريات. أما حزب النهضة والفضيلة الذي يقوده محمد خاليدي، فهو حزب يصنف نفسه ضمن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ويعتبر خاليدي من رفاق الدكتور عبد الكريم الخطيب الرئيس المؤسس لحزب العدالة والتنمية وأحد قياداته السابقة، غادر الحزب سنة 2005 وأسس حزب النهضة والفضيلة. الخطوة التي أقدم عليها بعض رموز التيار السلفي بالانضمام إلى حزب النهضة والفضيلة تستحق النقاش، فهي تعكس تطور فكريا وسياسيا هاما داخل الحالة السلفية بالمغرب، تتجاوز الصورة النمطية التي لم تعد صالحة لتوصيف حالة التيارات السلفية بالمغرب.. علينا أن نعي بأن التيارات السلفية المختلفة باتت تستقطب شرائح اجتماعية متنوعة في ظل محدودية التأطير الديني الرسمي، وتراجع القدرات التأطيرية والدعوية للتنظيمات الحركية ومحدودية استيعابها لعدد كبير من الشرائح الاجتماعية في برامج للتأطير الديني قادرة على تلبية احتياجاتها الروحية والفكرية.. ويمكن القول بأن الصورة التي رسمت على المستوى الإعلامي للتيارات السلفية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بنيويورك، وتفجيرات 16 مايو بالدارالبيضاء بدأت في التلاشي..وهكذا يظهر بأن الحالة السلفية تجاوزت مرحلة الخلط الذي كان سائدا من قبل وأصبحت إمكانية الفرز بين عدة تيارات داخلها عملية ممكنة.. الاهتمام بالسياسة ظل منحصرا بالنسبة للتيار السلفي التقليدي في ترسيخ قيم الطاعة والانضباط لأولي الأمر، بينما كان منحصرا في التيار الجهادي في التحريض على فريضة القتال إلى جانب الشعوب الإسلامية المستضعفة، أو التأسيس لبناء خلايا محلية تستهدف بعض مؤسسات الدولة ورموزها، اليوم هناك تطور نوعي في التعاطي مع الشأن السياسي.. نعم، لم تتبلور في المغرب بشكل واضح تنظيمات جهادية أو جماعات تكفيرية بالشكل الذي تميزت به في مصر والجزائر وليبيا، وذلك لعدة أسباب، بعضها يرجع لوجود عمل إسلامي قاده علماء ذوو مصداقية كانوا منذ البداية ضد العنف وضد منهج التكفير، وبعضها يرجع إلى نهج السلطات قبل أحداث 11 سبتمبر والذي ظل على العموم متزنا في التعاطي مع الظاهرة الإسلامية، ساعيا إما إلى احتوائها أو إلى رسم حدود ومجال تحركاتها دون أن يصل إلى التعاطي معها بطريقة استئصالية، كما فعلت بعض الأنظمة العربية مما ولد ردود فعل عنيفة لبعض الجماعات الإسلامية التي يتوفر أفرادها على القابلية الفكرية والنفسية لاستخدام العنف ... لكن أحداث 16 مايو 2003 وقبلها أحداث 11سبتمبر، شكلت منعطفا في طريقة تعاطي السلطات المغربية مع الموضوع، والتي لجأت في إطار انخراطها الكامل في الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب، إلى اعتماد مقاربة أمنية ذهب ضحيتها مئات الشباب الذين اعتقل معظمهم بطريقة عشوائية وتعرضوا لمحاكمات اختل فيها ميزان العدالة وافتقرت إلى شروط المحاكمة العادلة حسب تقارير العديد من المنظمات الحقوقية غير الحكومية. التطورات الأخيرة، لا يمكن فصلها عن الدينامية السياسية التي أطلقتها حركة 20 فبراير في ظل الربيع الديموقراطي، والتي وفرت للتيارات السلفية فضاء مناسبا للتطور الفكري والسياسي ودفعتها لتسجيل مراجعات سريعة، يمكن أن تتعمق أكثر كلما انخرطت الجماعات السلفية في العمل السياسي المباشر واشتبكت مع مستلزماته المؤسساتية والقانونية. من المؤكد أيضا أن بعض النزعات المتشددة داخل هذا التيار مرتبطة بانغلاق المجال السياسي وانسداد فضاءات التعبير عن الرأي وغياب الإحساس بوجود مناخ من الحريات يمكن من ممارسة مواطنة كاملة تعطي للأفراد الحق في ممارسة حقوقهم السياسية الكاملة.. فكلما تقلص منسوب الحريات وضعفت مؤشرات الإدماج الاجتماعي واتسعت دائرة الفوارق الاجتماعية كلما زادت حظوظ انتشار الفكر المتطرف سواء كان دينيا أو غير ديني... ولذلك فإن الإصلاحات الديموقراطية السريعة تمثل جزءا من الحل، والجزء الآخر هو بيد التيارات السلفية نفسها... التحاق أبو حفص وإخوانه بالعمل السياسي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى قدرة عالية من الصبر والنفس الطويل وعدم استعجال النتائج، والأهم من ذلك القدرة على التجديد والاجتهاد والقبول بالآخر، دون قطع الخيوط مع رفاق السجن الذين هم في أمس الحاجة لمن يتحاور معهم ويشاركهم طعم المعاناة المستمرة منذ زمن بعيد.. فرج الله كرب جميع المظلومين..