حفل لاستلام ست مروحيات قتالية من طراز "أباتشي AH-64E بسلا    المعرض الدولي للسياحة ببرلين.. الوزير الفيدرالي الألماني للشؤون الرقمية والنقل يشيد بكثافة العلاقات المغربية الألمانية    مطار محمد الخامس يلغي التفتيش عند المداخل لتسريع وصول المسافرين    تحذيرات من استخدام المضادات الحيوية في تربية الماشية… خطر على صحة المستهلكين    دياز يتألق ويمنح ريال مدريد الفوز على أتلتيكو    وكيل أعمال لامين يامال يحسم الجدل: اللاعب سيمدّد عقده مع برشلونة    مونديال الأندية.. "فيفا" يخصص جوائز مالية بقيمة مليار دولار    العدالة والتنمية يلتمس تأخير العطلة البينية وإدماجها مع عطلة عيد الفطر    طنجة.. توقيف مواطنين أجنبيين متورطين في تجارة "الفنتانيل"    هذه مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    قصص رمضانية.. قصة بائعة اللبن مع عمر بن الخطاب (فيديو)    وزارة الصحة تسجل انخفاض في حالات الإصابة بفيروس الحصبة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر من الرجال    العثور على أربعيني ميتًا نواحي اقليم الحسيمة يستنفر الدرك الملكي    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    المغرب يؤكد في قمة القاهرة أن غزة جزء من التراب الفلسطيني والشعب الفلسطيني له حق التقرير في مستقبلها    إطلاق كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس بفلسطين    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    النيابة العامة تتابع حسناوي بانتحال صفة والتشهير ونشر ادعاءات كاذبة    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    طنجة تتصدر مدن الجهة في إحداث المقاولات خلال 2024    فعاليات مدنية بالقدس تثمن مبادرات الملك محمد السادس للتخفيف من معاناة الساكنة المقدسية خلال شهر رمضان    تحذير من حساب مزيف باسم رئيس الحكومة على منصة "إكس"    كسر الصيام" بالتمر والحليب… هل هي عادة صحية؟    ضمنها الحسيمة ووجدة.. حموشي يؤشر على تعيينات جديدة بمصالح الأمن الوطني    "التقدم والاشتراكية": حكومة أخنوش "فاشلة" ومطبعة مع الفساد وتسعى لتكميم الأفواه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف مواطنين من جنسية بولونية موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية الأمريكية    اليماني: شركات المحروقات تواصل جمع الأرباح الفاحشة والأسعار لم تتأثر بالانخفاض في السوق الدولية    المغرب واسبانيا نحو تعزيز التعاون القانوني والقضائي لدعم تنظيم كأس العالم 2030    دورة مجلس جهة سوس ماسة.. مستوى رديء وغياب نقاش حقيقي    أبطال أوروبا.. قمة ألمانيا بين البايرن و ليفركوزن واختبار ل"PSG" أمام ليفربول    بورصة البيضاء تفتتح التداول بالأحمر    رئيس مجلس المنافسة يتجاهل "سخرية" أوزين ويرفضُ "المناوشات السياسية"    هذه أبرز تصريحات ترامب في خطابه أمام الكونغرس    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    الصين تعلن عن زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 7,2 بالمائة للعام الثالث على التوالي    ترامب يرفض المقترح العربي لإعادة إعمار قطاع غزة    اجتماع بالحسيمة لمراقبة الأسعار ومعالجة شكايات المستهلكين    المنتخب المغربي يدخل معسكرا إعداديا بدءا من 17 مارس تحضيرا لمواجهة النيجر وتنزانيا    زيلينسكي يقترح هدنة للبدء في محادثات سلام ويقول إنه يريد تصحيح الأمور مع ترامب    بوريطة يوضح بشأن مستقبل قطاع غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    "البام" يطلق "جيل 2030" لدمج الشباب في السياسة قبل "المونديال"    وقفة احتجاجية وسط الرباط ترفض "تنصل إسرائيل" و"مقترح ترامب"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم .. ليل يعود بتعادل ثمين من ميدان دورتموند    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. أرسنال يتفوق بنتيجة عريضة على إيندهوفن (7-1) ويضمن بنسبة كبيرة تأهله إلى الربع    موقف واضح يعكس احترافية الكرة المغربية وتركيزها على الميدان بدل الجدل    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    "شفت أمك بغا طول معنا".. جبرون: التلفزة تمرر عبارات وقيما مثيرة للاشمئزاز ولا تمثل أخلاق المغاربة    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة بلا مسؤولين.. شعب بلا أمل: كيف تصنع الدولة وهم السياسة قبل الانفجار؟
نشر في العرائش أنفو يوم 27 - 02 - 2025


بقلم : عبدالقادر العفسي
إن المتتبع تصريحات وزراء حكومة التلفزة ! يتفاجأ في مدى الجبن السياسي الذي أصاب أعضاءها ليخرجوا فُردا و زُرافات كل من موقعه السياسي ليتبرؤوا من العمل الحكومي و يستنكرونه و يدْعون لها بالهداية ! و هو سلوك في المنطق السياسي يعتبر ليس فقط جبنا بل هو طريقة خسيسة لاستلاب الشعب و إظهار الأمر على وجود حكومات أخرى موازية أو إلقاء المسؤولية على مؤسسات أخرى خارج الحكومة !.
فلا يعقل أن يتم التغني بالمسؤولية و المحاسبة ثم نسمع تصريحات مسؤولة تعلن فشل مجموعة من الإجراءات و المخططات الحكومية بالملايير و كأنه مال سائب، يثخن فيه أصحاب الفهم و الحلب و التبذير ، و هو ما يفتح سؤال عريض عن دور هؤلاء الوزراء المستنكرين داخل الحكومة الرسمية ، و هل لهم من الجرأة ما يدفعهم لترك المفاتيح و تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية ، فبدون مثل هذه المسلكيات نبقى بعيدين جدا عن الفعل السياسي الحقيقي و مسؤولية القرار و إعادة الاعتبار للفاعل السياسي أمام الشعب الذي كفر بالعملية السياسية و الديمقراطية ن و لا يراها إلا مهرجان فلكلوري لا يرقى حتى إلى تنسيق المواويل .
وهنا نطرح معضلة جوهرية تتجاوز مجرد "الجبن السياسي" لوزراء الحكومة المغربية ، إلى أزمة أعمق تتعلق بفقدان الشرعية السياسية للدولة الحديثة، ففي الفلسفة السياسية للدولة الحديثة تقوم على مبدأ المسؤولية والمحاسبة، حيث لا يمكن للحاكم أن يتنصل من قراراته، وإلا فهو يعلن ضمنيًا تفكك الدولة وانهيار مبدأ "السيادة"، عندما يتبرأ الوزراء من قراراتهم، فهم يعلنون ضمنيًا وجود مراكز قوى موازية تحكم فعليًا، مما يؤدي إلى تفريغ العملية الديمقراطية من مضمونها .
من منظور سوسيولوجي، هذا السلوك يعكس دينامية "الدولة العميقة"، حيث يتم تقاسم السلطة بين جهات غير منتخبة وجهات ظاهرية تمثل الحكومة، هذا يخلق تضخمًا بيروقراطيًا يقود إلى وضع كارثي: المسؤولية موزعة بين جهات متعددة، مما يجعل المحاسبة شبه مستحيلة، والنتيجة؟ دولة بلا مسؤولين فعليين، بل موظفون حكوميون يلعبون دور "الكومبارس السياسي " .
هذا النفاق السياسي هو ما سماه الفيلسوف الفرنسي "بيير بورديو" ب "العنف الرمزي"، حيث يتم التحكم في الجماهير عبر خطاب سياسي مضلل يوهمهم بأن الدولة تعمل لصالحهم، بينما هي في الحقيقة تدير شبكة معقدة من المصالح الخاصة، في هذا السياق، يصبح الوزير مجرد موظف علاقات عامة يبرر فشل السلطة، بدل أن يكون صانع قرار .
إن صناعة الغباء السياسي إلى تجهيل الشعب يبرز من خلال تبرؤ الوزراء من قراراتهم التي هي ليس مجرد جبن، بل هو إستراتيجية سلطوية لتبليد الوعي الشعبي، فمن منظور "ميشيل فوكو" السلطة الحديثة لم تعد تعتمد على القمع المباشر فقط، بل على إنتاج خطاب مشوّه يصنع وعياً زائفاً عند الجماهير،إن تصريحات الوزراء التي توحي بأن الحكومة غير قادرة على التحكم في قراراتها، هي في الحقيقة تكريس لخطاب الغموض والفوضى، مما يدفع المواطن إلى العزوف عن السياسة وإدراك أنها مجرد مسرحية عبثية .
هذه الإستراتيجية تعكس ما يسميه "نعوم تشومسكي" ب "صناعة الجهل"، حيث يتم التلاعب بالمواطن عبر جرعات من المعلومات المضللة والمتناقضة، مما يؤدي إلى شلل في الفهم السياسي العام، فبدل أن يسأل المواطن "لماذا يحدث هذا؟ ومن المسؤول؟"، يتم دفعه إلى تبني نظريات المؤامرة أو الخضوع للأمر الواقع، مما يحافظ على استقرار النظام القائم .
ثم إن ربط مستقبل الدولة برهان رياضي غير مضمون، وجعل المالية العامة مرتهنة للمؤسسات المالية الدولية، هو شكل من أشكال "الليبرالية القهرية"، حيث يتم التضحية بالفئات الهشة من أجل صناعة وهم الإنجاز الوطني، فعلم الاجتماع يُعرف هذا النوع من الخطابات ب "السياسة الاستعراضية"، حيث يتم تحويل الاقتصاد إلى أداة لتلميع صورة الدولة بدل أن يكون وسيلة لتحسين حياة المواطنين.
تاريخيًا، الدول التي راهنت على مشاريع ضخمة دون إصلاحات اقتصادية واجتماعية حقيقية، انتهت بأزمات خانقة، مثل الأرجنتين خلال تنظيمها لكأس العالم 1978، والبرازيل في مونديال 2014، حيث تم استنزاف المالية العامة دون أي مكاسب حقيقية، الأخطر من ذلك أن استمرار استنزاف مالية الدولة في ظل الفساد يجعل المونديال قنبلة موقوتة، لأن الشعب عندما يشعر أنه يدفع فاتورة مشاريع لا يستفيد منها، يتحول إحباطه إلى حراك اجتماعي قد يأخذ أشكالاً غير متوقعة .
إنّ الاختناق النفسي والاقتصادي الذي يعاني منه 80% من الشعب تقريبا ، هذا الوضع، في علم الاجتماع السياسي، هو مقدمة لانفجار اجتماعي غير محسوب العواقب ، وهو ما لا نريده لوطننا و لشعبه خاصة في ظل تزايد مكان الخطر بالجوار الإقليمي ! فكما أشار "كارل ماركس" : "عندما يدرك المضطهدون طبيعة اضطهادهم، يتحول وعيهم إلى ثورة " ، بالتالي المعادلة واضحة :
ارتفاع مستوى الإحباط = بحث عن الخلاص بأي وسيلة .
انسداد الأفق السياسي = تآكل شرعية الدولة .
تفاقم الفجوة الاجتماعية = تهديد السلم الاجتماعي .
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة هو انفصال الجماهير عن الخطاب الرسمي، لأن ذلك يعني أن شرعيتها أصبحت مجرد وهم، في هذه الحالة هناك سيناريوهان لا ثالث لهما : أولا : إصلاح حقيقي يوقف النزيف ، و ثانيا : أو انفجار اجتماعي قد يكون عنيفًا وغير متوقع ! في ظل هذه الظروف، لا يمكن اعتبار الأزمة الحالية مجرد أزمة حكومة أو اقتصاد، بل هي أزمة وجودية للدولة نفسها، إما أن تعيد إنتاج شرعيتها عبر محاسبة الفاسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية، أو أنها تسير نحو "النهاية البطيئة" كما حدث في عدة دول شهدت انهيارات داخلية قبل سقوطها المدوي .
الخاتمة: رؤية نحو المستقبل أو نحو الهاوية؟
ما يحدث اليوم ليس مجرد "أزمة حكومة"، بل هو مؤشر على فشل نموذج الحكم برمته ، دولة بلا مساءلة، اقتصاد مرهون، شعب مختنق، وسلطة عاجزة، كلها عوامل تجعل المستقبل مفتوحًا على كل الاحتمالات، والسؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه النظام السياسي على نفسه ليس فقط "كيف نخرج من الأزمة؟"، بل "هل ما زال لدينا الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.