المديرية العامة للضرائب تحدد سعر صرف العملات الأجنبية    من هو نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان؟    الصين: التجارة الخارجية تسجل رقما قياسيا في 2024    غوارديولا: قائد مانشستر سيتي يقترب من الرحيل    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    الحكم على أيت مهدي رئيس تنسيقية ضحايا الزلزال بثلاثة أشهر نافذة    كيوسك القناة | تأجيل مناقشة مقترحات تعديل مدونة الأسرة بالبرلمان    السنة الأمازيغية 2975.. أخنوش يقوم بزيارة لمعرض الصناعة التقليدية لأكادير إداوتنان    ملاكمة.. اعتزال بطل العالم السابق في الوزن الثقيل تايسون فيوري    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يخوض تجمعا إعداديا بسلا    بايدن: إعادة إعمار لوس أنجلوس ستكلف عشرات مليارات الدولارات    شراكة استراتيجية لتعزيز خدمات الوقاية المدنية بعمالة طنجة أصيلة    تدريس اللغة الأمازيغية.. تكوين أزيد من 3000 أستاذ للتعليم الابتدائي بالتخصص المزدوج    هيئة المحامين بالرباط تثمن الثقافة الأمازيغية في احتفالية "إيض يناير"    محاكمة محمد أبركان: غيابات مثيرة للجدل وشهادات طبية تحت المجهر    جوردان بارديلا: يجب على المفوضية الأوروبية أن تتحرك لردع النظام الحاكم في الجزائر    صور أكراد "قسد" مع البوليساريو.. النظام الجزائري في مرمى الاتهام وتناقضاته تكشف نواياه الحقيقية تجاه أنقرة    تدريس اللغة الأمازيغية.. تكوين أزيد من 3000 أستاذ للتعليم الابتدائي    التوتر السياسي بين فرنسا والجزائر : اتهامات و تصعيد دبلوماسي    حزب ‬الاستقلال ‬يطلق ‬مبادرتين ‬هامتين ‬    قافلة الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللامادي تحل بالحسيمة    الوداد يؤكد التعاقد مع فهد موفي    وزارة الداخلية تقرر توقيف قائد للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    لقجع: الزيادة في ثمن غاز البوتان غير مطروحة على طاولة الحكومة    نمو الاقتصاد الوطني محفوف بمخاطر الجفاف وتراجع معدلات الأمطار التي انخفضت بنسبة 60.6 %    الكتاب الأمازيغي: زخم في الإنتاج ومحدودية في الانتشار نسبة النشر بالأمازيغية لا تتعدى 1 %    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    شادي رياض يتألق في أول ظهور بعد الإصابة    جبريل الرجوب يصلح زلة اللسان بخصوص مغربية الصحراء    أربعة مشاريع مراسيم على طاولة مجلس الحكومة المقبل    وزارة الصحة تبدأ في عملية تلقيح البالغين ضد داء بوحمرون    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    مسؤول يكشف أسباب استهداف وزارة الصحة للبالغين في حملة التلقيح ضد بوحمرون    مراجعة اللوائح الانتخابية العامة : إمكانية التأكد من التسجيل في هذه اللوائح قبل 17 يناير الجاري    وزارة ‬الصحة ‬تتدخل ‬بعد ‬تواصل ‬انتشار ‬‮«‬بوحمرون‮»‬.. ‬    موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    نبيل صانصي يصدر ألبومه الجديد "الكوحل"    رواية "على بياض" لخلود الراشدي.. تجربة فريدة تتناول موضوع الإدمان وتمزج فن الراب بالرواية    أطباء القطاع العام يعلنون إضرابا وطنيا لعشرة أيام احتجاجا على تجاهل مطالبهم    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 16 سنة يخوض تجمعا إعداديا بسلا    أنشيلوتي يعترف : ريال مدريد لم يكن متماسكا وبرشلونة كان الأفضل    شي يشدد على كسب معركة حاسمة ومستمرة وشاملة ضد الفساد    أخنوش: ملتزمون بترسيم الأمازيغية    فن اللغا والسجية.. الظاهرة الغيوانية بنات الغيوان/ احميدة الباهري رحلة نغم/ حلم المنتخب الغيواني (فيديو)    راديو الناس.. هل هناك قانون يؤطر أصحاب القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي (ج1)؟    فيتامين K2 يساهم في تقليل تقلصات الساق الليلية لدى كبار السن    الدولار يرتفع مدعوما بالتقرير القوي عن سوق العمل    أطباء مغاربة يطالبون بالإفراج عن الدكتور أبو صفية المعتقل في إسرائيل    للتعبير عن انخراطهم في حملة "مرانيش راضي".. احتجاجات شعبية في ولاية البويرة الجزائرية (فيديوهات)    النفط يسجل أعلى مستوى في أكثر من 3 أشهر مع تأثر صادرات روسيا بالعقوبات    تحذيرات خطيرة من كاتب سيرة إيلون ماسك    دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في بلد عاش دائما تحت عباءة الاستعمار فعلى أية قيم تمت تنشئة شعب هذا البلد؟
نشر في العرائش أنفو يوم 13 - 01 - 2025


محمد إنفي
هذا السؤال يجد سنده وتبريره، من جهة، في عنتريات الجزائريين، من قبيل نحن الأفضل، نحن الأقوى، نحن "شواكر" أفريقيا، نحن أصحاب النيف، نحن أصحاب تاريخ، نحن دمنا حامي، نحن بلاد ملايين الشهداء، نحن الأحرار، ونحن… ونحن… لكن عندما تحمر العين ويبدأ المعقول، يتحولون إلى قطط وديعة، مسالمة، منبطحة؛ ومن جهة أخرى، يجد هذا السؤال مشروعيته وحتمية طرحه في المحاولات اليائسة والبئيسة التي يقومون بها من أجل صنع تاريخ وإيجاد تراث لا قبل لهم بهما. فالتاريخ والتراث لا يصنعان بأحلام اليقظة وتزوير الحقائق أو سرقة موروثات الغير؛ بل هما تراكم لإنجازات سياسية وديبلوماسية واجتماعية، وكذا فنية وثقافية تعكس مدى حيوية المجتمع صانع هذه الإنجازات.
وحتى يتمكن المجتمع من الإبداع في مختلف المجالات، فلا بد من توفر شروط تساعد على ذلك؛ ومنها وجود دولة وطنية ذات سيادة وشعب ينعم بالاستقلال والاستقرار. وهنا، يبرز البون الشاسع بين المغرب والجزائر. فهذه الأخيرة لم تتأسس فيها الدولة إلا في مطلع ستينيات القرن الماضي، وبسيادة غير كاملة (الجزائر لا توجد بين الدول المستقلة عن فرنسا في اللائحة الممشورة بالأمم المتحدة). وإذا كانت الجزائر دائما تحت الاستعمار إلى حدود سنة 1962، فإن المغرب ظل، على امتداد قرون (أقلها إثني عشر قرنا)، إمبراطورية ممتدة، إفريقيا، إلى نهر السنغال دون أن ننسى امتداها إلى الأندلس. وحتى خلال فترة الحماية من سنة 1912 إلى سنة 1956، ظلت الدولة المغربية قائمة وظلت المقاومة الشعبية مستمرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يكن، في البداية، سوى احتلالا للإيالة العثمانية، والتي سماها أحد رواد التواصل الاجتماعي المغاربة "جمهورية الداي". لكن فرنسا لم تكن لتقنع باحتلال ما يعرف اليوم بولاية الجزائر (Alger)؛ فطموحها التوسعي كان كبيرا. فبعد أن جعلت من الإيالة العثمانية السابقة مقاطعة فرنسية تنتمي لأقاليم ما وراء البحار، لجأت إلى عملية التوسع على حساب جيران هذه المقاطعة (المغرب، تونس، ليبيا، مالي، النيجر…)، فكانت الأراضي المغربية الضحية الأساسية للتوسع الفرنسي، حيث التهم المستعمر أراض مغربية شاسعة حتى أصبحت الحدود بيننا وبينهم أطول حدود في المنطقة وأصبحت الإيالة العثمانية أو جمهورية الداي أكبر بلد في إفريقيا مساحة.
لن نستعرض الشعوب والدول التي تعاقبت على استعمار الجزائر؛ بل سنكتفي بالحديث عن الاستعمار العثماني والاستعمار الفرنسي، دون أن نستفيض في ذلك، ما دمنا قد قدمنا الأهم في الفقرات السابقة. فالدولة العثمانية استعمرت الجزار زهاء ثلاثة قرون ونصف، والاستعمار الفرنسي ظل فيها مائة واثنين وثلاثين سنة (132) بالتمام والكمال.
وهذا يكفي لدحض كل ما يقال في الجزائر عن الرجولة والنخوة والنيف وغير ذلك من العنتريات الفارغة. فالهواري بومدين لم يكن مُخطِئًا عندما تحدث عن أزمة الرجال في الجزائر؛ لكن هو نفسه لم يكن فيه شيء من خصال الرجولة. فهذه الكلمة التي تحمل كل معاني المروءة والشهامة والشجاعة والكرم ونبل الأخلاق، لم يكن لبوخروبة (سارق اسم بومدين الحقيقي) نصيب منها. فقد أعطى الدليل القاطع على أنه كان نذلا وعديم الأخلاق والمروءة، لما قرر أن يطرد خمسا وأربعين ألف عائلة مغربية من الجزائر يوم عيد الأضحى في دجنبر 1975؛ أي بعد شهر من المسيرة الخضراء. وليس هذا فقط؛ فقد تعامل كلص حقير مع الضحايا، فسلبهم كل ما يملكون من عقار أو منقول أو أموال؛ ومن الضحايا من وُلدوا في الجزائر ونشأوا فيها وبنوا مستقبلهم هناك، لكن الوغد حرمهم من عرق جبنهم وألقى بهم إلى الحدود في ظروف لا إنسانية تعكس مدى تدني أخلاقه ومدى الغل والحقد الذي كان يحمله في قلبه ضد بلد آواه وأطعمه يوم كان في أمس الحاجة إلى ذلك. وقد مزق هذا الحقير بدم بارد كثيرا من الأسر المغربية الجزائرية حيث طرد كل مغربي متزوج بجزائرية وطرد كل مغربية متزوجة بجزائري، فحرم أطفالا إما من أبيهم أو من أمهم حسب الحالة.
وإذا أخذنا في الاعتبار المدة التي ظلت فيها الجزائر مُستعمَرَة، فيمكن أن نستنتج بأن الشعب المعني قد طبَّع مع الذل والهوان ورضي بالخنوع والاستسلام، وتوارثت ذلك الأجيال المتعاقبة. لذلك، فإن الشجاعة المعبر عنها بالنيف، والدم الحامي، والرجولة وغير ذلك من التعابير التي تملأ حاليا منصات التواصل الاجتماعي، ما هي إلا وسيلة لخداع الذات والكذب على النفس قصد التنفيس عليها والتقليل من معاناتها مع أزمة الهوية وعقدة التاريخ؛ ذلك أن عنتريات التواصل الاجتماعي لا تخلق رجالا ولا تصنع أبطالا، وتؤكد فقط حقيقة أزمات المجتمع الجزائري الذي يعاني من كل أنواع العقد؛ مما جعله غير قادر على الافتكاك منها، خصوصا وأن النظام استثمر في هذا الجانب لتضبيع الشعب وبردعته. ورغم المجهودات التي يبذلها بعض المعارضين الجزائريين وكذا نشطاء التواصل الاجتماعي المغاربة، فإن المعركة تبدو طويلة ومع البعض مستحيلة.
وعلاقة بالاستعمار، لا بد من التمييز بين الاستعمار العثماني والاستعمار الفرنسي. فبالنسبة للأول، يجب التذكير بأن المغاربة قاوموا الأتراك ومنعوهم من دخول المغرب. لذلك، لم يعرف هذا الأخير الاستعمار العثماني، في حين حكم باقي بلدان شمال إفريقيا. وبعد الاستعمار العثماني، سوف يحط الرحال الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وسوف يتسرب منها إلى البلدان المجاورة. وقد أشرنا أعلاه إلى الطبيعة التوسعية لهذا الاستعمار على حساب هذه البلدان.
وإذا استحضرنا السياق التاريخي الذي حصلت فيه الجزائر على استقلالها المنقوص، سندرك الفضل الكبير لجيرانها (خصوصا المغرب وتونس) على الصحوة التي حصلت فيها والتي تكللت بالحرب التحريرية التي انطلقت سنة 1954 واستمرت إلى سنة 1962. لقد حصل المغرب وتونس على استقلالهما في نفس السنة (1956) بعد معارك سياسية مع سلطات الحماية ومعارك عسكرية ضد جيوشها. ففي المغرب بدأت المعركة السياسية بوثيقة المطالبة بالاستقلال التي تقدمت بها الحركة الوطنية يوم 11 يناير 1944، لتتلوها عدة خطوات على يد الحركة الوطنية، قبل أن يتطور الأمر إلى حرب تحريرية. ونظرا للتنسيق الذي كان قائما بين القصر الملكي والحركة الوطنية، فقد أقدمت سلطات الحماية على نفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر؛ وذلك سنة 1953. وقد حاولت فرنسا أن تُنصِّب دمية مكان الملك الشرعي، لكن المقاومة أفشلت ذلك (لقد هاجم المقاوم علال بن عبد الله بالسلاح الأبيض، داخل باحة القصر، السيارة المكشوفة التي كانت تحمل بن عرفة، فأفشل بذلك المؤامرة الاستعمارية). يعد ذلك، انطلقت في البلاد ثورة شعبية ببعد سياسي وديبلوماسي وبعد عسكري تحرري.
في هذا السياق المغربي المشحون بالشعور الوطني، انطلقت الحرب التحريرية في الجزائر سنة 1954؛ أي بعد سنة من نفي الملك محمد الخامس واندلاع الحرب التحريرية ضد الحماية الفرنسية. وقد وجدت المقاومة الجزائرية في المغرب الشرقي (وجدة، بركان، جرسيف، الناظور…) قاعدة خلفية للثورة الجزائرية سواء من حيث توفير الإقامة لقادة حرب التحرير أو من حيث الإمداد بالسلاح والأموال. لكن النظام الجزائري سوف يتنكر لكل هذا، ويتنكر للجورة ولكل حقوقها وواجباتها.
خلاصة القول، رحم الله الملك الحسن الثاني الذي ترك لنا هذه المقولة الخالدة: " لاَ نَنْتَظِر من العالم أن يَعترفَ بصحرائنا المغربية.. بل كنا نريد أن يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار".
ورحم الله الشاعر أبا الطيب المتنبي القائل: إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإن أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدا
مكناس في 11 يناير 2025


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.