تحت عنوان "يوم الذاكرة في مليانة التاريخية" كتب محيي الدين عميمور موضوعا حول أهم الأحداث التي شهدتها "دولة الجزائر الفرنسيةّ" في شهر ماي بداية من سنة 1962، حيث ورد في مقاله أن من أبرز الأحداث التي شهدتها الجزائر الفرنسية في هذا الشهر هو حادث القنبلة الذرية التي فجرتها فرنسا في (الصحراء الجزائرية) بعد التفجير الثاني الذي نفذته في اليوم السابق. كما أنه في 20 ماي 1960 تم التصويت في الأمم على لائحة تطالب بتطبيق حق تقرير المصير للشعب الجزائري، على أساس احترام الوحدة الترابية الجزائرية، وهو ما كان صفعة لبعض الطامعين في انتزاع بعض الأراضي الجزائرية. وحول هذه النقطة وقبل أن نعود إلى التفجير النووي الذي قامت به فرنسا في منطقة الركان والهكار، نذكر محيي الدين عميمور أن دولة الجزائر التي يتكلم عنها في هذا التاريخ لم تكن قد قامت بعد حتى تكون لها حدود، وأن حدودها الترابية مع الدول المجاورة لم تكن مرسومة باستثناء الحدود التي رسمها المغرب في عهد السعديين مع الإيالة العثمانية (الجزائر) والتي استمرت لأكثر من ثلاثة قرون، ثم بعد احتلال فرنسا لهذه الإيالة واحترمتها فرنسا حتى بعد معاهدة للا مغنية وحتى ساعة توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 مع كل من فرنسا وإسبانيا، حيث كان عدد من المناطق الترابية الشرقية بما فيها الركان والهكار وتيكوراين وتندوف ومناطق أخرى، مناطق ترابية مغربية، فمن هي يا ترى هذه الدول إذا لم يكن يقصد بها المغرب، هل هي تونس التي كانت حديثة العهد بالاستقلال، أم هي ليبيا (الملك إدريس السنوسي) أم هي مالي أم النيجر أم موريطانيا التي كانت لا تزال محتلة من طرف فرنسا؟ كما نذكر محيي الدين عميمور، أنه إذا كان من فضل يعود لأحد في إدراج قضية "حق تقرير مصير الشعب الجزائري" -أي الاختيار بين الاستقلال أو التبعية لفرنسا- في الأممالمتحدة فإن هذا الفضل يعود إلى تكاثف جهود الدول والعربية والإسلامية، وعلى رأسها المغرب في شخص المغفور له الملك محمد الخامس من على منبر الأممالمتحدة وفي منابر أخرى، الذي رفض أي مساومة سياسية على حساب استقلال الإيالة العثمانية. فمثل هذا اللمز لا يتماشى مع منطق التاريخ الذي يسجل أنه لم تكن هناك دولة لها أطماع توسعية على حساب دولة لم تكن موجودة عبر التاريخ، ولو لم يكن كذلك لما أصبحت تتحدث اليوم عن نفسها من خلال إثارة ملف ذاكرتها التاريخية وتتوجه إلى فرنسا من أجل تشكيل لجنة مشتركة فرنسية وأخرى من بعض مؤرخي منطقة المغرب الأوسط لإعادة كتابة تاريخها، وهو ما يؤكد أنها مازالت تبحث عن جذورها التاريخية والثقافية، في حين أن الموضوع يتطلب منها تكوين لجنة مؤرخين تتكون من أكثر من دولتين، عثمانيين ومغاربة وحتى إسبانيين وليس فرنسيين وجزائريين فحسب، إذ لا يمكن تغييب التأثير السياسي الثقافي المغربي والعثماني والفرنسي في مجموع الجزائر الحالية، والتي أنجبت لمنطقة المغرب الأوسط عددا كبيرا من خيرة رجال الفقه والسياسة وعلم الفلك والرياضيات، الذين عمدت سلطات العسكر الجزائري، إلى طمس أسماء عدد كبير منهم كانوا وراء صنع الثورة الفكرية الجزائرية، وعلاقتهم بعلماء تونس والمغرب، الذين ناضلوا فكريا وثقافيا في ظل توجه واحد، إذ كان من بين الثوريين في الأقطار الثلاثة الذين وقفوا في وجه الاستعمار الفرنسي من لم يحملوا السلاح، ولكنهم حملوا سلاح الفكر الثوري الجهادي وكانوا هم اللسان المعبر الناطق باسم الذين حملوا البنادق والرشاشات في السهول والجبال، ولولاهم لما كتب لثورة بلدان المغرب الكبير (تونسوالجزائر والمغرب) أن تنتصر على الاستعمار الفرنسي، فهم الذين غرسوا في نفوس الشعوب الثلاث قيم الإخاء والمحبة والتضامن والتلاحم، على عكس ما يفعله لصوص الثورة الذين يزرعون ثقافة العداء بين شعوب المنطقة، لتفرقتهم والوقيعة بينهم، حيث نجحت سلطات العسكر في ما فشلت فيه فرنسا، وهي تحاول اليوم وأد التاريخ وتزييفه وتشويهه، وكتابة تاريخ جديد للمنطقة، بعد أن قامت بتصفية فكر المجاهدين والمقاومين كما فعلت مع القادة الحقيقيين للثورة المسلحة، وهجنت عددا كبيرا من الأقلام الجزائرية ولم تسمح لها بتسليط الضوء على دورهم في تحرير الجزائر، إذا كانت قد تحررت فعلا، باستثناء بعض الجهود الفردية الاستثنائية التي تصدر عن بعض الباحثين الجزائريين الشباب. وبالعودة إلى ذكرى إلقاء القنبلة الذرية والأخرى في "الهكار"، فإننا نذكره إذا كانت له ذاكرة، بأن تاريخ إجراء هاتين التجربتين يتحدد في 16 و18 فبراير من سنة 1960 وليس في ماي 1962، وأن الجنرال ديغول حين فكر في إجراء التجربة قام باقتطاع هاتين المنطقتين من التراب المغربي، لذلك كان رد الفعل المغربي من طرف المغفور له الملك محمد الخامس وحكومته آنذاك، بإلغاء اتفاقية إيكس ليبان باعتبار أن فرنسا خرقت بنودها، وقبل ذلك بعام كان قد وجه رسائل إلى باريس يعترض فيها على ما كانت فرنسا تنوي القيام به، غير أن هذه الرسائل بقيت بدون رد أو جواب، مما دفعه إلى اللجوء إلى الأممالمتحدة في دورتها الرابعة عشرة للجمعية العامة. وبالعودة إلى نقطة أطماع بعض الجهات في التوسع على حساب الجزائر، نحيله على قراءة كتاب، إذا لم يكن قد اطلع عليه، أرخ لهذه التجربة تحت عنوان، "من المستفيد من التجارب النووية في الصحراء؟" لعالم الأنثروبولوجيا شكيب عبد السلام، يتضمن الكثير من الحقائق التي تكتمت عليها جبهة "تحرير الجزائر" التي حولتها فرنسا إلى جبهة تخريب، وهي أن إلحاق الصحراء الشرقية للمملكة بالجزائر جاء في إطار استصدار "موافقة" من طرف الرباط تقضي بقبول إجراء تجارب نووية قاتلة في هذه المنطقة، غير أن المغرب رفضها. يقول مؤلف الكتاب: "وقع اختيار دوغول على الصحراء الكبرى التي تدين بالولاء للمملكة الشريفة لإجراء التجارب النووية عبر اقتطاع مناطق من التراب المغربي وإقامة دولة في منطقتي 'الركان والهكار'، بمشاركة علماء إسرائيليين، وهكذا قامت حوالي الساعة السابعة صباحا و4 دقائق و20 ثانية من يوم 13 فبرير 1960 بإجراء هاته التجربة في هاتين المنطقتين"، ويزيد الكاتب قائلا "أنه رغم قوة الانفجار الذي سمعه العالم، صمت قادته، ووحده السلطان محمد الخامس رفع صوت التحدي وفق معلومات مدعومة بوثائق رسمية"، حيث وجه سفير المملكة الشريفة بباريس احتجاجا رسميا للرئيس الفرنسي، فيما لم يصدر عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية أي رد فعل لكون مواقع التجارب النووية (الصحراء الكبرى) غير تابعة لها من جهة ولانشغال قادتها بإكمال اتصالاتهم الأولى مع فرنسا التي انطلقت عام 1956، وتأخرت بسبب سقوط الجمهورية الرابعة قبل أن تستأنف في "ميلون" و"لوغرين"، ثم في "ليس روس"، ليجري توقيع "اتفاقية إيفيان". وأمام الموقف المغربي الصلب، يقول الكاتب فقد وضعت على مكتب شارل ديغول خمس خطط، حيث نصت الخطة الأولى على الاحتفاظ بالصحراء فرنسية سواء بموافقة المغرب أو بدونه، لكن تبين سريعا صعوبة الاستمرار في هذا المسار أمام النضال المغربي المعلن، فتم اللجوء إلى الخطة الثانية، التي كانت ترمي إلى الاتفاق مع محمد الخامس على إقامة تجارب نووية في هذه المناطق، غير أن الرد الفوري الذي جاء من محمد الخامس والذي كان يتوجه إلى اتخاذ تدابير وقائية عملية لسكان الصحراء المغربية الشرقية الذين تتعرض حياتهم للخطر، انطلاقا من مبدأ حماية حياة الأفراد من التهديد جراء الأعمال الإجرامية، أفشلت هذا المشروع. ومع هذا الفشل، لجأت فرنسا إلى محاولة إنشاء دولة صحراوية، مستقلة، لكنها فشلت بعد إعلان القبائل الصحراوية ولاءهم للملك محمد الخامس، حينذاك لم يبق أمام دوغول سوى اللجوء إلى الخطة الأخيرة الموضوعة أمامه، وهي تقديم اقتراح إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية -بعد الضغط النفسي على قادتها- بضم الصحراء الكبرى إلى الجزائر سواء قبل محمد الخامس بذلك أم لا، مقابل السماح لها بإجراء التجارب النووية فوقها وتقاسم الثروات الطبيعية (النفط والغاز والذهب) التي تزخر بها بنسبة 50 في المائة لكل بلد، فتلقت باريس من الجبهة الموافقة المطلوبة، ليدرج هذا الاتفاق في الاتفاقية الموقعة في مارس 1960 والتي مهدت الطريق لاستقلال الجزائر في يوليوز 1962. وهو الاتفاق الذي أحدث صدمة للمغرب، فقد كان ثمن هذه المساومة السرية بين الطرفين هو إلحاق الصحراء بالكيان المستقبلي الذي سيطلق عليه اسم الجمهورية الصحراوية دون علم سكان الصحراء، وتشويه سمعة موقف سلطان المغرب محمد الخامس المناهض للأسلحة النووية. ومن هنا يتبين أن مشروع إقامة دولة صحراوية، لم يكن وشروعا جزائريا، بل فرنسيا، وهو ما يفسر لنا موقف فرنسا اليوم من ملف الصحراء المغربية، وسبب توتر العلاقات المغربية الفرنسية والجزائرية، والمغرب يعي جيدا أن دور الجزائر فيه هو دور وظيفي تنفيذي ما لم تتحرر بعد، وهي لن تتحرر إذا لم تتحرر عقولها، وتحرير العقول أصعب وأشق من تحرير الحقول، وليس غريبا أن تضيع هوية تاريخ هذه المنطقة المغاربية بين احتلال عثماني واستعمار فرنسي استمر لخمسة قرون، أتى بعدها خدام الاستعمار لشرعنة جرائمه في المنطقة وإضفاء الطابع القانوني عليها بما يسمى بالوضع الموروث عن الاستعمار. وصدق عبد الحميد مهري وهو أحد رموز الثورة الجزائرية حين قال واصفا الوضع السياسي والفكري في الجزائر: "إن للرداءة أهلها".