أحمد الطلحي خبير في العمارة والبيئة والتنمية بعد انتهاء مرحلة توفيرالإيواء المؤقت وعمليات تشخيص الأضرار التي خلفها الزلزال الذي ضرب خمسة أقاليم (الحوز، شيشاوة، أزيلال، ورزازات وتارودانت) وعمالة مراكش، ستبدأ مرحلة التخطيط لإعادة الإعمار وتنمية المناطق المتضررة، والتي رصد لها ميزانية بمقدار 120 مليار درهم على خمس سنوات. والمطلوب من "برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز"، -كما تم نعثه في البلاغ الذي صدر عن الديوان الملكي يوم 20 شتنبر 2023-، أن يكون"نموذجا للتنمية الترابية المندمجة والمتوازنة" (نفس المصدر)، بحيث سيتكون البرنامج من أربعة محاور، وهي، كما جاء في البلاغ: " 1- إعادة إيواء السكان المتضررين، إعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية؛ 2- فك العزلة وتأهيل المجالات الترابية؛ 3- تسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال؛ 4- تشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، وكذا تثمين المبادرات المحلية". وهذه المحطة ينبغي أن تكون مناسبة لمراجعة مقاربة التخطيط الترابي، خصوصا ما يتعلق بالمستويات الترابية المستهدفة من التخطيط الترابي، وهي ثلاثة: الجهة والعمالة أو الإقليم ثم الجماعة. فمن خلال التجربة العملية، يظهر بأن هذه المستويات الثلاثة غير كافية للاستجابة لحاجيات السكان وتعميم التنمية المحلية، تلك التنمية الأفقية التي لا ينبغي أن تستثني أي جزء من جغرافيا الوطن ولا أي تجمع بشري قرويا كان أم حضريا، وهذا عكس ما لمسه الرأي العام من مظاهر الكارثة، حيث عرى الزلزال على الواقع المرير الذي كانت تعيش فيه نسبة كبيرة من المناطق المتضررة خصوصا القروية منها. وعليه، أقترح أن يضاف مستوى ترابي آخر في التخطيط الترابي، يهم الوحدة الجغرافية الأصغر في المنظومة الترابية وهي القرية في الوسط القروي، بمسمياتها المحلية المختلفة: الدوار، المدشر، القصر، إغرم… على أن الدوار هو الاسم الذي أصبح متداولا أكثر إعلاميا وفي الدراسات والأبحاث والوثائق الرسمية، والحي في الوسط الحضري المعروف محليا باسم الحومة أو الدرب. ولا أدعي أنني أول من ينادي بذلك، بل هناك العديد ممن يعمل في التنمية المحلية، خصوصا في العالم القروي، يطالب بذلك، بل هناك تجارب لتطبيق الاقتراح. ولعل أول مبادرة في هذا المجال كانت في السنوات الأولى من هذه الألفية، من قبل مؤسسة حكومية وبالشراكة مع هيئات أممية، وتم التطبيق على جماعة أكفاي التابعة لعمالة مراكش، وبحكم عملي آنذاك في هذه المؤسسة الحكومية بمدينة مراكش كنت مكلفا بتتبع ومواكبة هذه الدراسة والتجربة. وحينما انتقلت للعمل بطنجة حاولت أكثر من مرة أن أطبق المقاربة في جهة طنجةتطوانالحسيمة، وكان أول تطبيق لها في مشروع التشخيص الترابي التشاركي لجماعات إقليم الفحص أنجرة سنة 2006 في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ولكن لم يكن على مستوى كل دوار على حدى لكثرة عدد الدواوير التي فاقت 150 دوارا، وإنما عمدنا إلى تجميع الدواوير ضمن 80 مجموعة من الدواوير، وكررت التجربة بعد ذلك، منها الذي نجح ومنها الذي فشل. لماذا الدوار؟ الجواب هو أن الجماعات التي تعتبر أصغر وحدة ترابية رسمية بالمغرب، هي وحدات كبيرة من حيث المساحة ومن حيث السكان، عكس ما نجده في البلدان التي لها تجربة طويلة في الديموقراطية المحلية والعمل الجماعاتي، خصوصا تلك الواقعة في القارة الأوروبية. ومن خلال المقارنة مع دولتين أوروبيتين قريبتين منا جغرافيا وتربطنا معهما علاقات قوية في شتى المجالات، وهما فرنسا وإسبانيا، سيتبين بوضوح أهمية اعتماد الدوار كمستوى ترابي أول للتنمية المحلية. الجدول رقم 1: مقارنة بين جماعات المغرب وفرنسا وإسبانيا المغرب إسبانيا فرنسا البلد (3)1 503 (2)8 112 (1)34 945 عدد الجماعات 710 850 506 030 551 695 المساحة الإجمالية -كلم مربع- 472,95 62,38 15,79 المتوسط الحسابي لمساحة كل جماعة -كلم مربع- (6)36 313 189 (5)48 196 693 (4)68 042 591 عدد السكان الإجمالي -نسمة- 24160,47 5941,41 1947,13 المتوسط الحسابي لعدد سكان كل جماعة -نسمة – 11 3 897 18 582 عدد الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 500 نسمة 0,73 48,04 53,17 نسبة الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 500 نسمة -%- 7 1 032 6 872 عدد الجماعات التي يتراوح عدد سكانها ما بين 500 و1000 نسمة 0,47 12,72 19,67 نسبة الجماعات التي يتراوح عدد سكانها ما بين 500 و1000 نسمة -%- فمن خلال المقارنة يظهر بأن الجماعات في المغرب كبيرة جدا من حيث المساحة، فمتوسط مساحتها أكثر ب30 ضعفا من متوسط مساحة جماعات فرنسا وبحوالي 8 أضعاف متوسط مساحة جماعات إسبانيا. ونفس الشيء من حيث عدد السكان، إذ نجد أن متوسط عدد سكان الجماعات بالمغرب يساوي أكثر من 12 ضعف عما هو في فرنسا وأربعة أضعاف عما هو في إسبانيا. بل أكثر من ذلك فإن الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 500 نسمة لا تتجاوز 11 جماعة بنسبة أقل من 1 بالمائة، مقابل أكثر من نصف عدد الجماعات في فرنسا وحاولي النصف في إسبانيا. والجماعات التي يتراوح عدد سكانها ما بين 500 وألف نسمة فعددها 7 في المغرب بنسبة أقل من 0.5 بالمائة، بينما نجد النسبة تصل إلى حوالي 20بالمائة في فرنسا وحوالي 13 بالمائة في إسبانيا. على أنه يوجد 4 جماعات مغربية عدد سكانها صفر نسمة وهي: الكويرة وأغونيت وزوك في إقليم أوسرد، ومجيك في إقليم وادي الذهب. والعدد يصل في فرنسا إلى 6 جماعات، وهي أساسا الجماعات التي دمرت في الحرب العالمية الثانية، بل تم إحصاء 30 جماعة في سنة 2020 فيها 10 نسمة أو أقل (7). وفي إسبانيا تم إحصاء 1800 قرية في سنة 2023 يعيش فيها شخص واحد فقط (8). التعريف بالدواوير المغربية: حسب المندوبية السامية للتخطيط يوجد في المغرب 32125 دوارا، بمعدل 25.1 دوار لكل جماعة. وإذا قمنا بقسمة عدد السكان القرويين في المغرب على عدد الدواوير سنجد أنمتوسط عدد سكان الدوار هو 452 نسمة وهو عدد كبير يساوي أو يفوق عدد سكان نصف عدد جماعات فرنسا وإسبانيا تقريبا، بمعنى أن حجم الدوار يساوي حجم جماعة في هذين البلدين. وتصنف الدواوير رسميا (التصنيف المعتمد في الإحصاء العام للسكان والسكنى) حسب امتدادها المجالي إلى ثلاثة أصناف: – الدوار المتجمع: وهو الذي تكون أغلب بناياته متجاورة فيما بينها، وبنسبة تفوق الثلثين – الدوار المجزأ: وهو المكون من تجمعين أو أكثر من البنايات، وهذه التجمعات لها أسماء مختلفة وتكون في الغالب متقاربة – الدوار المتفرق: وهو الذي يتكون من سكن متشتت بنسبة تفوق الثلث ومتباعد فيما بينه لأكثر من 100 متر والجدول التالي يبين بنية الدواوير في المغرب: الجدول رقم 2: البنية العددية والديمغرافية لدواوير المغرب (9) نسبةكل صنف من مجموع عدد السكان القرويين نسبة كل صنف من مجموع الدواوير صنف الدواوير 43.7 56.4 الدواوير المتجمعة 41 26.9 الدواوير المجزأة 15.3 16.7 الدواوير المتفرقة %100 %100 المجموع وعليه، وبالنظر لكبر حجم الجماعات في المغرب، سكانا ومساحة، وبالنظر للخصاص الكبير الذي تعرفه نسبة كبيرة منها، ومن أجل تنمية محلية عادلة ومتوازنة، وحتى يمكن إشراك الساكنة المحلية في مختلف مراحل التنمية الترابية (التخطيط والتنفيذ والتقويم)، وجب اعتماد الدوار كوحدة مجالية في التخطيط الترابي. والبداية بالمناطق المتضررة من الزلزال.