مراكش : مصطفى منيغ جوهَرُ العادَة يُحَتِّمُ الإعادَة ، عَكْسَ المُدّعين تعرّضها للإبادَة ، العصور لا تتشابه أحداثها الخَفيِّة منها الواصلة لمن تركَها مُسْوَدَّة ، للاستئناس بها في مواجهة تحديات محَدَّدَة ، منها حدوث كوارث طبيعية تستأصل مواقع عديدة متعدِّدة ، وأيضا ما تختَلُّ خلالها موازين كانت متساوية التدبير مع التعمير لِتَحَمُّل المضاف المفاجئ مُستعدَّة ، التاريخ طالما يقف مشدوهاً لتقصير بعض مؤلفيه عن تسجيل حقائق مؤكدَة ، تساعد الفائمين على استقرائه بفكرٍ طغَى عليه التَّجديد أن يعتريهم مفهوم التَّصديق لتجريد المواقف المُتَّخَذة من ميولات مجحفة لا تخدم الإنصاف ولا تناضل من أجل انتصار الحق على الباطل . هل إسرائيل ظالمة ؟ ، وإن كانت كذلك مَن تركَها لتكون على تلك العادَة ، ألن يكون مثلها إن لم نقل أظلَم منها ؟ ، العقلاء لهم الاجابة وإن طال صمتهم عليها بضغوط تنضاف لسلسلة الظالمين المنتشرين عبر عالم إن قصدنا به بعض المنظمات الظاهر من شعاراتها أنها قمَّة الإنصافِ وبعد إزاحة السِّتار نجدها مِن نادي الظُلاّم الأكبر حجما مِن إسرائيل ومَن يحالفها في ظلمها الظالم إن كانت لوحدها بالفعل ظالمة ؟ ، لنتخلَّص من مفعول الانحياز ونتصرَّف كما شاء الخالق الحيّ القيُّوم ذو الجلال والإكرام كبشر يتمتَّع برخصة الحرية عن إدلاء الرأي الحر أو القيام بواجب الشهادة المفروضة شرعاً للفصل في أمر يتعلَّق بالصَّالح العام مهما كانت العوامل أو الظروف الزَّمانية كالمكانية ، شخصياً لا أكره اليهود لكنني لستُ منهم ديانة وعادات ، قدَّمتُ لهم ما استطعتُ في عمرٍ لا يُنسَى قضيتُ بعضه في مدينتي القصر الكبير وتطوان ، جمعتني وإياهم علاقات طيبة تَلَتها لما هو أفضل هذا التِّرحاب الذي أحظى به من قلب "تل أبيب" مصدره زملاء الأمس وحكَّام اليوم ونحن في أواسط الستينيات ، ومع ذلك لم أفكر ولو لحظة في تأييد إسرائيل عمَّا تفعله فوق الأرض الفلسطينية علانية أو سرا ،ً هناك قرار نهائي يخصُّني بمُفردي ولا يلزم معي أحداً ، سأكون بما أملك بجانب الفلسطينيين ولو بنشر كلمة صغيرة طيبة أتحمل مسؤوليتها أمام ضميري أولا ، لا يهمُّنى في ذلك لا علاقتي الحميمية مع البهلولية وبالحلال أو بغيرها من حسناوات الدنيا الغربية كالشرقية . ليس الماضي ما مضَى منذ رمشة طرف أو من قبل البدء الأوَّل بما تَبِعَتْهُ مِن بدايات لا أحد قادر على إحصائها لكثرتها ، بل حاضر لمستقبل لا يتمّ إلا في الخيال كالعادة ، إذ أساس الحساب ما مَرَّ دون انتقاص المُقبل المضاف ودوماً لما فات ، وهكذا الدوران يولِّد الاستمرار على نفس القاعدة ، دون التمكن من الانسلاخ عن رابط جامع ليوم لن يتكرَّر ، مادام الماضي منعدم فيه كالعَدِّ التنازلي ، متى طرَقَ محيط الصِّفر تبخَّرَ كل دائري الشَّكل بلا اعتبار لمن كان داخله على الإطلاق ، إذ الأمر المُطلق لمن لا أحد بعده ولا قبله ، سبحانه لا شريك له يحاكم الخلائق بماضيهم وليس بالمستقبل ، لذا الأخير رغبة يتصارع مِن أجلها مَن يتصارع مع النفس قبل الغير . سمعنا في المدارس العربية من المحيط إلي الخليج ، "مَنْ لا ماضي له لا مستقبل يضمُّه" ، ولم يتم الشرح ِلما ؟؟؟ ، مكتفين بتعظيم نُظُمِ الحُكمِ وإسناد كل المفاخر لها ، المستقبل المُشرق بفضلها ، والمُظلِم ناتج عن غضبها ّ، فتمَّ التصديق لا عن قناعة أو اختيار ولكن هو التاريخ المُفخَّخ المُرتبط بالأمخاخ ، إن تحرَّكت كما تدعو طبيعتها انفجرَ مباشرة ليجعل من أصحابها بما يتلو من صفحات ، نزلاء سجونٍ القبور أشفق منها بكثير ، أو يتلقَّون رحمة التَّصفية الجسدية المباشرة وينتهي الأمر بلا تعذيب ولا هم يحزنون . … نعود لتلك اللحظة المفاجأَة التي أقبل خلالها "الشيخ" الهُمام مُحَمَّلاً فوق مائدة خشبية سداسية الشكل لينزلوه وسط القاعة مستقبِلاً ضحكات الحاضرين وتصفيقاتهم وكأنه البطل العربي العائد من معركة تحرير القدس ، لتبدأ حفلة المسخرة وليلة حمراء من ليالي الأنس ، كما شهدت تلك البناية القريبة من ساحة ماركو القديس ، الواقعة كالبندقية الايطالية رهينة مياه هادئة مريحة للأعصاب أحياناً ، وهائجة مزعجة لجديدي عهد عشق طري العود أخرى ، متَّجهاً رأيتُه لتقبيل يدِ والجلوس جنب المفروض أن تكون زوجته ولا أدري بأي شريعة ، لمدة عشرة أيام يدفع أثناءها من محصول حقه من عائدات نفط وغاز بلاده المسلمة ، ما يكفي لانقاد دولة الصومال إن شابتها المجاعة من جديد ، أو تشييد أكثر من مصحَّة فوق أرض فلسطين ، لكنه الهَوَى قاتل التعقُّل في عقل رجل اعتبرتُه تلك الهنيهة بلا عقل ، يعرٍّض نفسه لمثل التشهير من أجل سواد عيون إسرائيل في المقام الأول ، وعابدا بغير صلاة ولا شعائر أي دين لجمال "فلة" اليهودية المصرية ، التي إن أشارت عليه بالارتداد عن عقيدته فعل دون تردُّد ، فمثل النوعية يفقدون الوعي إرضاء إشباع نزواتهم الشيطانية بأي وسيلة وإن كانت لا تُعَوَّضُ خسارتها بأموال الدنيا كلها . الاسبانية تضحك بالدموع في عينيها ، سألتُها فنقشتها حكمة على ذاكرتي حيث قالت : "القرد وإن ألبسوه حريراً نفس القرد يبقى " هكذا يقول المَثل الشائع عندنا في اسبانيا ، طالبة مني في الأخير أن نغادر حتى لا تدركنا الكآبة الدائمة مما سيقع لاحقاً ، وقد وعدتني وعداً صادقاً أن تطلعني على كل جزئية من جزئياته ، إذ سبق وعايشت من الحدث مرات في أكثر من مكان سياحي عبر العالم لليهود عليه نفوذ لا تُقاوم . ركبنا الجُنْدول متجهين لساحة مخصَّصة لتجميع السيارات العائدة بأصحابها عبر طرق معبَّدة للالتحاق بمدن الجنوب أو مواصلة الاتجاه في ذات الشمال الايطالي صوب فرنسا ، لم انتبه لاي اختيار فضَّلته الاسبانية ما دامت السائقة إلى أن توقَّفت في ركن منعزل حيث الريح يقود أغضان الدُّوح السَّامقة لعزف سيمفونية الوحدة الرهيبة المنبِّهة مَن توقَّف في عين المكان أن يغادرَ رأفة بأعصابه وحفاظاً على رتابة خفقان فؤاده ، أوقفت المحرك لتحدثني : لا عليك رفيقي العزيز مصطفى منيغ ، أنت شاب في مقتبل العمر ، أريدك معي وبجانبي بأي صفة أردت وتحت أي عنوان ترتاح إليه ، أعتقد أنك أذكي من الاستفسار عن السبب ودون ذلك قرأت في عينيك عدم الاستقرار حيث حلَّ َّ بك الرحيل في العنوان الخطأ لسبب جد بسيط ملخص في تعلقك الشديد بفلسطين كمبدأ لن تحيد عنه أبدا ، فإن صبرت عليك إسرائيل الدولة فمن أجل الحفاظ على خدمات البهلولية الممتازة في تنفيذ مهامها بكيفية تثير الانتباه الممزوج بالإعجاب الشديد ولا شيء آخر إن فكَّرت فيه ، ما دامت إسرائيل كيان بلا قلب تاركة الأحاسيس الإنسانية وراء ظهرها ما دامت تعيش لرؤية وحدة مصممة على ملامستها مهما طال الأمد الاستيلاء على مجموع الأراضي الفلسطينية ثم تنتقل لأخرى قريبة مكونة الدولة القائدة للشرق الأوسط في جميع المجالات ، مدفوعة بما يلزم ذلك من احتياطات تطال ميداني الجيش والاقتصاد ، وأنت أعلم بمن أعنيها . مكانك معي لنتقاسم الدكان الذي أسست شهرته في تقديم جل أنواع العطور العالمية وتزويد العديد العديد من الزبناء بها ، تلائم لحد بعيد أذواقهم النبيلة ، وأيضا لتكون الركن الثاني في بيت أملكه في مدريد الارستقراطية وأكثر من هذا أو أزيد تتربَّع وسط قلب مرتبط بك منذ السنة الفارطة حيث التقينا صدفة في مدينة سبتة لو كنت تتذكَّر . طرقتُ لحظة ليس لاختيار الأجوبة المُقنعة ، أو لمقارنة مستويات المصلحة الذاتية العائدة عليَّ بالنفع، ولكن هي جُمل مهما كانت قاسية مشحونة بعدم جرح العواطف لإنسانة أحسُّ أنها صادقة مع نفسها لأول مرة في حياتها ، قلت ُلها : احترامي لشخصك تضاعف ونظري عنك ما ضَعفَ وأنت لا تقلِّي جمالاً ورقة عن البهلولية أو "فلة" المصرية ، لكنني في الوقت الحاضر مرتبط بما هو أجمل فلسطين ، مَن أحبها عن حق أحببته ومن نفر منها لن أكون منه وبيننا الأيام ، طبعا البهلولية ما اتخذتها تسلية فمن كان مثلي يحمل الإخلاص والوفاء لقصية مصيرية لا يعرف التسلية أبدا .