محمد إنفي كلمة غباء ليست بالضرورة سُبة أو تعْييرا؛ فقد تكون مجرد وصف لحالة أو تسجيلا لواقع. والواقع الحالي في الجزائر يؤكد أن الغباء يشكل ظاهرة ملفتة للنظر. وحتى لا نسقط في التعميم، سوف نقصر اهتمامنا على الدولة بمؤسساتها وأبواقها. واعتبارا للواقع الحالي في الجزائر،يمكن أن نؤكد بكل ثقة ويقين أن الغباء سمة عامة في الدولة من أصغر مسؤول فيها وأتفه بوق لها إلى رئيس الجمهورية. ومعلوم أن الغباء درجات، مثله مثل الذكاء؛ فهو يتفاوت من شخص لآخر. لذا، فإن الذكاء معني أيضا بالسؤال أعلاه. شخصيا، لست مؤهلا لإعطاء جواب علمي على هذا السؤالبشقيه (الغباء والذكاء).لكن، يمكن أن نستنجد بأبحاث العلماء في الموضوع؛ إذ أن بعض هذه الأبحاث تؤكد أن نسبة الغباء أو الذكاء مرتبطةبالجينات الموروثة من الأب أو الأم؛ غير أنه يمكن التحكم فيها بالاعتماد على عوامل أخرى كالتعليم والتنشئة الاجتماعية وغيرها؛ مما يعني أن في الذكاء والغباء نسبا مكتسبة بفعل التحكم فيجيناتهما (انظر مقالا بعنوان "هل الغباء وراثي أم مكتسب"؟، موقع "المرسال. كوم" بتاريخ 15 فبراير 2020). وتقدم لنا هذه الفقرة معطى أساسيا لفهم الوضع الحالي في الجزائر.فاعتبار التعليموالتنشئة الاجتماعيةضمن العوامل التي تتحكم في الجينات، يفسح لنا المجال لفهم الوضع الحالي في جارتنا الشرقية.إن استحضار بعض المحطات الحاسمة في تاريخ العلاقة بين البلدين، وبالأخص محطات 1963، 1975 و1994، يجعلنا نفهم أكثر من غيرنا الوضع في الجزائر. لقد اشتغل النظام العسكري،خلال العقود الماضية،على تدجين أجيال من الجزائريين بتنشئتهم على العداء والكراهية للمغرب من خلال "البروباغندا" وغسل الدماغ، معتمدا في ذلك على التعليم والإعلام. فلا غرابة، إذن، أن نجد في دواليب الدولة وفي مراكز السلطة أشخاصا فارغينوتافهين، رغم ما يتوفرون عليه من شهادات عليا.ويزكي هذه الحقيقة حجم الغباء المستشري في الإعلام بكل أنواعه، حيث العُبَّط والمعتوهون، بمن فيهم المحللون أصحاب الشهاداتالجامعية العليا، يقدمون صورة بئيسة عن الإعلام الجزائري؛ وقس على ذلكباقي المجالات. ورغم أنني أمقت التعميم لما فيه من ابتعاد عن معيار الموضوعية والنزاهة الفكرية، فإنني أتفهم موقف بعض "اليوتيوبرز" المغاربة الذين يتحدثون عن الجزائريين بالإطلاق؛ وبالأخص "المُهَبِّطون" منهم،ممنيجعلون من العُبَّط والمعتوهين – الذين يملؤون وسائط التواصل الاجتماعي، وبالأخص اليوتيوب، وكذا منابر الإعلام الرسمي وشيه الرسمي- دليلا ومبرراللحكم على الجزائريين بالغباء، رغم ما قد يكون في هذا الحكم من مبالغةأوإجحاف في حق العديد منهم. لكن ما هو مؤكد، هو أن هذا الواقع البئيس الذي نتحدث عنه، هو من صنع النظام الجزائري، الذي يمكن أن ينطبق عليه المثال المغربي الدارج: "للي كيحسب بوحديه كيشيط ليه". لقد أراد هذا النظام أن يصنع مواطنا جزائريا معاديا للمغرب ب"الفطرة"؛ لكنه وقع في شر أعماله فصنع مواطنا عبيطا حجته واهية وقدراته العقلية مُدجَّنة ورصيده المعرفي ضعيف وحظه من المنطق والحكمة ضئيل. وهذا الواقع، هو الذي أعطانا عبد المجيد تبون وأمثاله، كمال رزيق وأمثاله، عمار بلاني وأمثاله، واللائحة طويلة. ويمكن أن نجزم بأن النظام ساهم بشكل كبير في رفع نسبة الغباء المكتسب في الجزائر؛ وقد وصلت هذه النسبة مداها مع "الجزائرالجديدة" الموسومةب"حظيرة الكبار".فالغباء يلاحظ على كل المستويات: في السياسة، في الاقتصاد، في الديبلوماسية، في الإعلام، في الثقافة، في الرياضة (الجمهور على سبيل المثال)، وفي غيرها. ويكفي أن تتابع حوارا متلفزا أو على أمواج الأثير أو تقرأ مقالا صحافيا، لتدرك أن نخب النظام غبية بكل معنى الكلمة، مهما كان مستواها التعليمي وشهاداتها الجامعية. وهذا ليس حكم قيمة؛ بل خلاصة موضوعية للعبط والعته الذي يلاحظه كل مراقب موضوعي ومحايد. ولهذا، قلت مرارا – ولست وحدي من يقول هذا، بل حتى بعض الأصوات الجزائرية تقول ذلك – بأن الجزائر أصبحت أضحوكة العالم في عهد عبد المجيد تبون؛ وحواراته العبيطة شاهدة على ذلك. لقد ارتكب الهواري بومدين (بوخروبة) جريمة في حق الجزائر بإرسائه قواعد النظام العسكري فيها. وها هو الشعب الجزائري يؤدي الثمن بعد أن تمكن العُبَّط من مفاصل الدولة. فالجزائر لم تكن بهذا العبط الذي نلاحظه اليوم؛ بل بالعكس، فقد أنجبت مفكرين ورجال دولة كبار وشخصيات كان لها باع طويل في السياسة. ويحضرني، هنا، على سبيل المثال لا الحصر، اسم الأخضر الإبراهيمي، وزير خارجية الجزائر الأسبق.فلتجربته السياسية وحنكته الدبلوماسية،فقد تم تكليفه من قبل الأممالمتحدةوالجامعة العربية بعدة مهمات.وكانت آخرهامبعوثا مشتركا للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا بهدف إيجاد حل بين المعارضة ونظام الأسد؛ لكنه،بعد عامين من العمل المضني الذي لم يفض إلى نتيجة،استقالمن منصبه معتذرا للشعب السوري عن عدم القدرة على مساعدته. وبهذا الاعتذار، يقدمالرجلمثالا عن حسن الأخلاق وتقدير المسؤولية، ويبرهن عن اتصافه بالحكمة والتواضعوالعقلانية والذكاء والكفاءة النظرية والعملية. وأغبياء النظام لا يستفيدون من أمثال هذا النموذج؛ ذلك أن الأغبياء يتصفون، بصفة عامة،بالعناد والتعاليوقلة الفهم والإدراك. وتجتمع هذه الصفات في "سكان" قصر المرادية، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، عبد المجيد "شيراتون".ولو لم يكن كذلك، لما أطلق كل مرة كلاما عبثيا يجعله موضع سخرية واستهزاء عارمين. فقوله بأن الجزائر مهد الديمقراطيات الأوروبية ومُنْطَلَقللثورات في اليونان والبرتغال وإسبانيا؛ وحديثه عن استعداده للوساطة بين روساوأوكرانيا؛ وقبل ذلك، إطلاقه لتصريح أغبى من الغباء، في استجواب صحافي، بعد مؤتمر القمة العربيةالفاشل، قائلا: "القضية الفلسطينية، أتركوها لي"؛ كل هذا (وما هو إلا غيض من فيض) دليل على الفراغ الفكري والفقرالمعرفي والعبط الذهني الذي يُفقده المراقبة على لسانه وعلى تفكيره. خلاصة القول، الغباء في الجزائر أصبح ماركة مسجلة؛ ومظاهرة باريس تؤكد هذه الحقيقة. فالجزائري، حتى وإن تمكن من مغادرة البلاد، فهو لا يستطيع التخلص من الشحن الذي مارسه عليه نظام بلاده ضد المغرب، فصيَّره عبيطا لا يميز بين الحق والباطل.وهذا الأمر يؤكد أن نسبة الغباء المكتسب تفوقبكثير نسبة الغباء الوراثي. ويعتبر "جيمس واتسون"(عالم الأحياء، 75 عاما، رئيس مختبرات كولد سبرنج هاربر في نيويورك)هذا الصنف من الغباء مرضا وراثيا،"مؤكدًا على ضرورة حث العلماء عل بحث الأسباب وإيجاد حل أو علاج مناسب، لأن الأشخاص الذين يعانون من معدل ذكاء منخفض ولا يعانون من أمراض ذهنية مثل التوحد أو التخلف العقلي لابد من علاجهم"(انظر نفس المرجع المشار إليه في الفقرة الثانية من هذا المقال).