الجهل أكبر عدو للأمم، ومن هنا ندرك الحكمة في كون أول ما أنزل من القرآن الكريم كان ” إقرأ” الدالة على وجوب التعلم وطلب العلم، لمحاربة هذا العدو الذي من شأنه أن يجثت أمما من على جغرافية العالم، مؤكدة أن إنسانية الإنسان لا يمكن أن تتحق إلا من خلال قراءة الكون باسم الله. إننا كلما تأملنا في في محاولة منا لإدراك العلة من كون “إقرأ” كانت أول ما أنزل من كلام الله إلى الأرض، بدل مثلا سورة الإخلاص التي تؤكد على وحدانية الله، رغم أن الهدف والمقصد الرئيس من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كان في بداية الدعوة هو إخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ندرك أن عقيدة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تتأسس إلا من خلال الفعل ” القرائي” المفضي إلى العلم بالله، ولهذا نجد القرآن الكريم يصرح بهذا الأمر في قوله تعالى في سورة محمد الآية 19 بقول الله عز وجل : “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ”، ومن هنا ندرك أهمية هذا الفعل . في تحقيق العلم الذي يوصل إلى معرفة الله عز وجل، وأن دينه الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم لن يستقيم في حالة تفشي الجهل وغياب الوعي داخل الأمة، وأن أي تعبد من الإنسان لله لا يستند على العلم الذي لا يتحقق إلا من خلال القراءة يبقى في أغلب حالاته عادة وليس عبادة. إنه في غياب الفعل القرائي الذي أمرت به الأمة ابتداء، نجد أنفسنا وجها لوجه أمام التطرف بنوعيه؛ تطرف إلى الخرافة والتشدد بعيدا عن النظر الإيماني في هذا الكون الذي أمرنا به والذي يدعونا إلى اعتبار الموجودات وتدبرها بوصفها “آيات” دالة على عظمة خالقها سبحانه، ينبغي استخلاص القوانين التي تحكمها مما يرسخ الإيمان، ويطور العلم ويراكم المعرفة. أو تطرف نحو العقلانية والإباحية والفرداية، بحيث يتم نفي الدين باسم العقلانية، ولا ننتبه في تطرفنا هذا إلى المفاعيل العكسية لهذا الإقصاء والتي يمكن أن تفاجئنا من حيث لا نحتسب، بحيث أننا في نفينا للدين نؤله العقل ونعبده، أو كما يقول عبد الرحمن بدوي” يغدو الكون كله صورة للعقل” ، مما يؤدي إلى أسطرة هذا العقل كما يقول الفيلسوف الفرنسي جون بورديار، وبذلك ينعدم الأمن الوجودي، وتلغى القيم والأخلاق باسم العقل، ويتم إدراج العلاقات الإنسانية في الربح الاقتصادي كما يقول البرفسور ” أحمد داود أغلو”، فالمرأة مثلا تحولت العلاقة معها من علاقة إنسانية تراحمية إلى علاقة إباحية وأداة من أدوات ضح الربح المادي، وبذلك نعلي من شأن النزعة الفردانية على حساب النزعة الجماعية، مما يجعلنا نعيش حالة اللامعنى في هذه الحياة، بعد أن نفقد الغاية والهدف من الوجود. لهذا لا غرابة أن يكون الأمر الإلهي الأول الموجه للإنسان هو ” إقرأ باسم ربك الذي خلق”، إذ بهذه القراءة الموجهة يمكن أن نتلافى جميع أشكال التطرف و جميع أنواعها، والناتجة عن غياب هذه القراءة، كما أنها (أي القراء المسترشدة بالوحي) تجعلنا نستكشف أثناء الغوص فيها أن الجهل وتعطيل العقل لا مكان له في عقيدة هذه الأمة ، وأن الدين الإسلامي لا يقل عقلانية عن العقلانية نفسها.