أحمد رباص أخطأ وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينيت عندما اعتقد أن الثرثرة التي يطلقها من وقت لآخر ضد إيران سوف تفلت من العقاب إلى الأبد. قبل أيام قليلة، قال إن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تشتركان في مهمة طرد إيران من سورياوالعراق وأن اغتيال القائد الأعلى الإيراني كان البلدان يأملان في تحقيقه في غضون عام. يبدو أن بينيت لم يدرس البرقيات التي يجب أن يرسلها الجيش الصهيوني دقيقة تلو الأخرى حول ما يحدث في سورياوالعراق وخاصة على الجبهة الجنوبية والشمالية لإسرائيل. حذره المتحدث باسم الدبلوماسية الإيرانية بمفردات واضحة للغاية يوم الأربعاء:الماضي قائلا: “لن تتردد إيران لحظة في الدفاع عن وجودها في سوريا والدفاع عن أمنها القومي ومصالحها الإقليمية. سيكون ردها ساحقا وسيجعلك نادما على أي عدوان أو أي عمل غبي يستهدف المصالح الإيرانية.” قبل ذلك بأيام قليلة، قام الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام الإسلامي الإيراني والقائد السابق لجيش حراس الثورة الإسلامية، محسن رضائي بصياغة هذه الفكرة بشكل مختلف. ففي حديثه لقناة الميادين اللبنانية يوم السبت الأخير، سُئل رضائي عما إذا كانت إيران ستنفذ تهديداتها بالهجوم على إسرائيل في حالة نشوب الحرب مع الولاياتالمتحدة فقال: “يجب ألا يكون لديك أي شك في هذا الموضوع. كنا سنمسح تل أبيب من وجه الأرض. نحن نبحث عن ذريعة لذلك.” هذه الذريعة كاد النظام الإسرائيلي أن يقدمها إلى إيران يوم الجمعة 7 فبراير عندما حاولت قواته الجوية أن تتخذ من طائرة مدنية تربط طهران بدمشق وعلى متنها 172 راكبا بينهم كثير من الإيرانيين. سمح التدخل الروسي بهبوط آمن لطائرة إيرباص 320، لكن الحادث، الذي كان مشابهاً للغاية للحادث الذي أودى بحياة 15 ضابطًا روسيًا في عام 2018 قبالة اللاذقية، أدى إلى إنهاء إسرائيل لاتفاقها الجوي مع موسكو وأعطى للكرملين من الآن فصاعدًا الضوء الأخضر للبطاريات الروسية والسورية المضادة للطائرات لإسقاط الأجهزة الصهيونية . منذ يوم الجمعة السالف الذكر، تقدم الضباط الروس تباعا للمحكمة ليوضحوا أن البيانات المرتبطة برحلات الطائرات المقاتلة الإسرائيلية التي كانت تغامر بانتظام ومنذ عام 2014 في جميع أنحاء المجال الجوي السوري ، منتهكة تارة الأجواء اللبنانية وتارة سماء الجولان أو منطلقة من الأجواء الأردنية أصبحت من الآن متاحة لإيران ومحور المقاومة. وهذا يعني أن الوحدات السورية والروسية المضادة للطائرات التي تتحكم في كل شيء على مستوى الأجواء السورية باستثناء سماء دير الزور وسعت أفقها ليشمل “المكون الإيراني”. بهذا المعنى، يجب على بينيت ونظامه بأكمله فهم “الحادث” الذي وقع خلال ليلة الأربعاء إلى الخميس في الأجواء اللبنانية. ففي لبنان، أفادت مصادر محلية عن عملية مدهشة ضد طائرات بدون طيار تعاملت معها وسائل الإعلام الرئيسية بصمت مريب، حيث أُجبرت عدة طائرات إسرائيلية مسيرة على الفرار من سماء مدينة ميس الجبل، الواقعة في محافظة النبطية جنوبلبنان. تزعم المصادر المحلية أن طلقات نارية استهدفت هذه الطائرات الإسرائيلية قبل إجبارها على مغادرة المجال الجوي للبلاد بسرعة. في عام 2019، أتيحت للنظام الإسرائيلي الفرصة لا ليكتشف وجود صواريخ عالية الدقة فحسب، بل وأيضا ليكتشف وحدات مضادة للطائرات ضمن ترسانة حزب الله، وهو اكتشاف يقابله تحذير شديد من الأمين العام لحزب الله الذي دعاه إلى عدم اختبار الصبر “الجوي” للمقاومة. إن ما حدث مساء يوم الأربعاء 12 فبراير، وتناقلته وسائل الإعلام اللبنانية، يشير في الواقع إلى هذه القدرة التي من الواضح أن تل أبيب تميل إلى نسيانها على حسابها. بالنسبة للباقي، كان رد البطاريات اللبنانية المضادة للطائرات كبيرا بما يكفي لصد “عدة طائرات إسرائيلية مسيرة” انتهكت المجال الجوي اللبناني في النبطية. وأضاف التقرير أن “الجيش اللبناني” فتح النار على الطائرات الإسرائيلية المسيرة بمجرد إقدامها على محاولة التسلل إلى الأجواء اللبنانية. منذ غشت 2019، أرسلت إسرائيل عدة طائرات بدون طيار إلى جنوبلبنان، وغالبا ما تم إسقاطها أو اعتراضها. في 25 غشت، انتهك نظام تل أبيب المجال الجوي لمدينة زاهية بطائرتين مسيرتين قابلتين للانفجار، وهو انتهاك وصفه الرئيس اللبناني ميشال عون بأنه “إعلان حرب”. في ذلك الوقت، كان أمين عام حزب الله حسن نصر الله واضحا جدا: “يمتلك حزب الله بطاريات صواريخ مضادة للطائرات. هذه القوة قادرة على مفاجأة الطائرات الإسرائيلية المقاتلة والمسيرة في المجال الجوي اللبناني.” لكن لا يجب على بينيت وشركاؤه أن يعولوا كثيرا على الأميركيين ليطيروا لمساعدتهم، في حالة وقوع مواجهة مباشرة بين إسرائيل والمقاومة . ففي يوم الأربعاء بينما ركز العالم كله اهتمامه على إدلب، كشفت القوات المسلحة العراقية لأول مرة عن بطاريات صواريخ مضادة للطائرات تابعة للسيادة العراقية في الأنبار التي انطلقت منها للتو عملية عسكرية ضخمة تمتد من الحدود السورية إلى الحدود الأردنية . وإذ نعلم أن العراق يتفاوض على شراء طائرات S-300s و S-400 الروسية نجهل إن كان هناك أي مصدر تحدث عن طبيعة البطاريات العراقية المضادة للطائرات. قد تكون تلك التي صنعتها إيران، ولا سيما بافار 373. وهكذا تكون الحرب “المباشرة” التي يقول بينيت إنه يخوضها مع أمريكا ضد إيران على المستوى “العسكري، الاقتصادي، الاستخباراتي” بعيدة كل البعد عن أن تكون من دواعي السرور…