تعرف المدن العتيقة المغربية عموما (ومنها العرائش)، بجماليتها وعبقها التاريخي وحمولتها الثقافية والحضارية المادية والرمزية، إنها مرآة للهوية المغربية المتفردة والمثيرة للإعجاب والإبهار، غير أن المدينة العتيقة للعرائش تنشز عن بقية أخواتها في المغرب من حيث الرواج التجاري والحركة السياحية وخصوصا وعلى وجه التحديد الصناعة والحرف التقليدية المغربية المتجدرة في عمق التاريخ ووجدان الإنسان المغربي الأصيل، إنها مصدر حضارة وثقافة يعكس تراثًا ضخماً وقيما إنسانية وثقافية بارزة مرتبطة بشكل مفصلي مع تاريخ وعادات الشعب المغربي القائمة أساسا على تمازج متبادل بين الثقافة العربية والأمازيغية، وتتجسد إبداعات الصناعة التقليدية المغربية في مجموعة من الأشكال والمواد المتنوعة كالخشب والجلد والمعادن إلى النسيج والفخار والنحاس، مواد يتم تحويلها لأشكال مثيرة تعتمد على تقنيات تعود لتقاليد ضاربة في التاريخ استطاعت أن تحافظ على استمراريتها، ما يجعلها من بين الصناعات الأكثر حيوية وغنى على مستوى جميع دول القارة الإفريقية. لكن المدينة العتيقة بالعرائش فقدت هذه الهوية و هذا الطابع بفقدانها لهذه الحرف لتفضي إلى نتيجتها الراهنة القريبة إلى السكتة القلبية، سكتة لا تعني أن الجسم مات و إنما يحتاج إلى إنعاش فوري، خاصة وأن الظروف و الإمكانيات و التوجهات الحالية للمؤسسات سواء التابعة للدولة والمجالس المحلية والإقليمية والمجتمع المدني تسير بالفعل في اتجاه تثمين التراث و استغلاله من أجل تنمية مستدامة. من هنا استبشرنا خيرا بمسودة وثيقة التصميم الاستراتيجي للسياحة بالعرائش الذي أعد لكل المتداخلين في القطاع خارطة طريق ترسم الأهداف و الوسائل و الأفكار في إطار تشاركي وبما يناسب من إمكانيات و استعداد للتنزيل، ومن محاسن اللقاءات التشاورية و الأوراش التي سبقت إعداد مسودة الوثيقة ذلك التواصل الإيجابي و الرغبة الحقيقية من أبناء هذه المدينة الغيورين حقا على مصلحتها و مصلحة مستقبل أبنائها، و المبادرات الواقعية الفردية التي طبعتها بين الفينة و الأخرى وكانت آخرها وعد مدير محطة ليكسوس السياحية بفتح أو تبني ثلاث أو أربع محلات للصناعة التقليدية بالمدينة العتيقة و دعمها بكل ما يلزم لتضمن دوام عملها و سيرورتها و جودة منتوجها، وهي خطوة أولى ضمن تصور معد للتنزيل سيعم بإذن الله سائر دروب و أزقة المدينة العتيقة بالعرائش ستتداخل فيه مؤسسات وهيآت مختلفة تحت مضلة واحدة و لأجل هدف واحد هو انبعاث المدينة العتيقة و إعدادها لمنافسة أقطاب السياحة الوطنية.