يبدو ان صناع القرار داخل هذا الوطن الحبيب فقدوا صوابهم بتدشينهم لمرحلة جديدة و خطيرة في الهجوم على الحد الادنى من الحريات و حقوق الانسان و تكريس عدم احترام مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء. ففي سابقة من نوعها و خرق جديد مخالف لكل الشرائع و الاعراف و المواثيق الدولية و القوانين الوطنية ، عمدت السلطات الادارية و الأمنية بوجدة يوم 03 دجنبر 2018 على الساعة الرابعة مساء و بدون سابق انذار او اشعار بإنزال كثيف و ملفت للانتباه لعناصرها و باشرت كسر قفل الباب الخلفي لمنزل المهندس لطفي حساني و ولجته في غيابه و بدون اذن منه و مكثت به لساعات عدة ثم ضربت على ابوابه الثلاث سلاسل حديدية و اقفال وضعت عليها شمعا احمرا كما اقامت على المنزل المغلق حراسة امنية مشددة و منعت كل من يقترب منه، و في اليوم الموالي تسلم صاحب المنزل بقرار اداري تحت عدد 01 مؤرخ في 03 دجنبر 2018 صادر عن والي الجهة الشرقية يقضي بهدم المنزل موضوع الاغلاق (المرجو الرجوع للقرار)، بالرغم من انه قام بجميع ما يلزم من اجراءات قانونية وإدارية وفقا للأنظمة و القوانين الجاري بها العمل في ميدان التعمير و البناء و يتوفر على جميع الوثائق و الرخص الادارية و ادى جميع الرسوم و الضرائب المطلوبة و حصل في الاخير على رخصة السكن النهائية التي تستند لمحضر اشغال لجنة المعاينة التابعة لقسم التعمير بالجماعة الحضرية لوجدة بعدما عاينت هذه الاخيرة ان البناية مشيدة طبقا للتصميم المرخص به و مطابقة للشروط و المتطلبات المعمارية. لقد اصبح الخوض في مسالة انتهاك حرمة المنازل و كسر ابوابها و دخولها دون اذن ثم تشميعها بعد ذلك متجاوزا و محسوما في نظر السلطات التي لا تجد اي حرج في سياسة تشميع البيوت و تشريد ساكنيها والتي دشنتها منذ سنة 2006 و ما زالت لحد الان بيوت مشمعة بدون اي سند قانوني او حكم قضائي (نموذج بيتي الأستاذين محمد عبادي بوجدة ، و لحسن عطواني ببوعرفة المشمعين لمدة فاقت 12 سنة). لذلك سأحاول التركيز فقط على القرار الاداري القاضي بالهدم الذي اقل ما يقال عنه انه قرار باطل هو و العدم سواء و جاء فقط لترسيم سياسة التشميع خارج دائرة القانون و محاولة تغليفها بظهائر و قوانين لا تنطبق على النازلة التي تكذبها رخص و شواهد ادارة التعمير نفسها، و هكذا نجد هذا القرار قد استند من بين ما استند عليه، ظهير 02 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، و القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير : *بالنسبة لظهير 02 اكتوبر 1984: يتبين من الوهلة الاولى أنه هذا الظهير لا ينطبق على البناء المشيد موضوع قرار الهدم و الحائز على رخصة السكن النهائية، وإنما ينطبق على المنشآت المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي التي يرتادها عموم الناس، بدليل أن المشرع عرف تلك المنشآت في الفصل الأول من الظهير حينما نص على أنه: "تعتبر أماكن مخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، المساجد والزوايا وجميع الأماكن الأخرى التي يمارس فيها المسلمون شعائرهم الدينية". فهذا المنزل المشمع ليس "مسجدا" و لا "زاوية" و لا يدخل ضمن "الاماكن الاخرى التي يمارس فيها المسلمون شعائرهم الدينية"؟، و حتى لو فرضنا جدلا بان هذا المنزل يعتبر من الاماكن التي تمارس فيها الشعائر الدينية فان منازل المغاربة قاطبة ستدخل في هذا التصنيف و بالتالي ينطبق عليها الظهير المذكور وهذا المنطق غير سليم لا سواء من الناحية الواقعية و لا القانونية و لا يمكن التسليم به بتاتا هذا من جهة. من جهة اخرى فإن الجهة الإدارية مصدرة القرار الإداري حينما استندت في قرارها إلى ظهير 02 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فإنها تكون قد انحرفت عن الإجراءات المسطرية التي ينبغي سلوكها في إطار مقتضيات القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير. *بالنسبة للقانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير: فحتى لو صح جدلا أن المنزل موضوع قرار الهدم قد ارتكبت فيه مخالفات لقانون التعمير، فإنه كان يتعين على الإدارة سلوك الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في هذا القانون و باختصار هي كالتالي: 1 إجراء معاينة للمخالفات المنصوص عليها في المادة 64، من قبل ذوي الصفة المحددين في المادة 65 من قانون التعمير. 2 توجيه نسخة من محضر معاينة المخالفة إلى السيد وكيل الملك، وإلى كل من السلطة الإدارية المحلية ورئيس المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية، وكذا إلى المخالف. 3 استصدار حكم نهائي بهدم البناء عملا بالمادة 80-1 من ذات القانون. و هنا نميز بين حالتين : الحالة الأولى: إذا ما كانت أشغال البناء المكون للمخالفة لازالت في طور الإنجاز، فإن المادة 67 تنص على أن المراقب أو ضابط الشرطة القضائية يصدر أمرا بإيقاف إنجاز أشغال البناء ويبلغه إلى المخالف، وإلى السلطة الإدارية المحلية ورئيس المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية، كما أن المادة 68 من ذات القانون تنص على أن المراقب يصدر أمرا إلى المعني بالأمر بإنهاء المخالفة خلال أجل لا يقل عن عشر أيام ولا يتجاوز شهرا، وإذا لم يمتثل المخالف للأمر تقوم السلطة الإدارية بإصدار أمر بهدم الأشغال والأبنية المخالفة، وتبلغ الأمر بالهدم إلى المخالف. الحالة الثانية: أما إذا كانت أشغال البناء المخالفة التي عاينها المراقب قد انتهت، فما عليه إلا تحرير محضر بالمخالفة وإحالته على السيد وكيل الملك الذي يتابع المخالف ولا يمكن هدم البناء أو الاشغال المخالفة إلا بحكم من المحكمة عملا بمقتضيات المادة 80-1 وليس بقرار إداري. لكن للأسف الشديد نجد بأن الإدارة و لحاجة في نفسها ضربت عرض الحائط كل هذه الاجراءات المسطرية و انحرفت عنها للوصول مباشرة إلى هدم المحل دون سلوك المساطر والإجراءات المنصوص عليها في قانون التعمير التي تحمل ضمانات حمائية لفائدة المخالف، وعلى رأسها أنه لا يمكن هدم المسكن الذي تم تشييده بكيفية مخالفة للقانون إلا بحكم قضائي نهائي، ولذلك اضطرت إلى تغليف الموضوع بقانون آخر لا يتطلب سوى إجراءات بسيطة، والحال ان مالك البناية شيد المسكن الذي يقطن به طبقا للتصميم المرخص به بموجب رخصة البناء عدد 855 المسلمة له بتاريخ 06 ماي 2015 طبقا للمواد من 40 إلى 49 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، وسلمه رئيس جماعة وجدة رخصتي السكن بعد معاينة مطابقة أشغال البناء للتصميم المرخص به من قبل المهندس المعماري ومن قبل اللجنة المختصة بالمعاينة طبقا للمادة 55 من ذات القانون. ختاما فإن استناد القرار القاضي بهدم هذا المسكن إلى ظهير 02 أكتوبر 1984، وعدم سلوكه للمسطرة المنصوص عليها في القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، يجعله مشوبا بعيب مخالفة القانون والشطط في استعمال السلطة، و لا يعد فحسب اعتداء ماديا على حق الملكية المحمي دستوريا بموجب مقتضيات الفصلين 21 و35 من الدستور، وإنما يعتبر عملا تحكميا تطاله مقتضيات الفصل 225 من القانون الجنائي التي وجب على النيابة العامة كسلطة اتهام تفعيلها و فتح تحقيق و متابعة كل من ثبت تورطه في هذا العمل التحكمي الماس بحريات و حقوق مالك المنزل.