وردت ضمن الوثائق التي سرّبها موقع ويكليكس أخيرًا وثيقة مثيرة للجدل حول وحدة المغاربة، تتحدث عن وجود تيار في قلب الحركة الأمازيغية، استنجد بواشنطن لمجابهة ما سماه (التطرّف العربي). ويرى نشطاء على علاقة بالحركة الأمازيغية أنّ الإسلاميين أخرجوا الوثيقة عن سياقها لتصفية الحسابات. أيمن بن التهامي من الرباط وبوعلام غبشي من باريس: تعود وثيقة ويكيليكس عن أمازيغ المغرب إلى 18 ديسمبر 2007، وجاء فيها أن مجموعة من الناشطين الأمازيغ "استنجدوا" بواشنطن لمناهضة ما أسموه "بالتطرف العربي الذي يهدد العالم". وتقول الوثيقة إن أحد النشطاء الأمازيغيين يرى أنه "لا يوجد ما يوحّد الأمازيغ والعرب ثقافيًا"، بل يعتقد أنه "تتوافر إمكانية كبيرة للتحالف مع الولاياتالمتحدة"، بتعليل ورد على لسان الشخص نفسه: "نحن أقرب جغرافيًا و فلسفيًا من واشنطن أكثر من الرياض أو طهران، نحن حلفاؤكم الطبيعيون". يجمع هؤلاء النشطاء، بحسب الوثيقة، على أنّ "الثقافة الأمازيغية ليست موجّهة ضد الغرب، كما تلك التي تؤمن بها الحركات القومية العربية والإسلامية، حيث دعا أحدهم "إلى إضعاف العرب"، مؤكدًا "إننا لسنا بعرب، و إنما أُكرهنا أن نكون كذلك". تتحدث الوثيقة على لسان أحد النشطاء الأمازيغ عن "غضب متنام وسط الشباب الأمازيغي نتيجة الإحباط الذي يعيشونه، ويمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف، كما سنة 2007 بين الطلبة الأمازيغ و"القوميين العرب"، لهذا ناشد الولاياتالمتحدة لأن تتدخل على الخط تفاديًا لأي تطرف ممكن". صراع الإسلاميين والأمازيغ الطريقة التي نشرت بها صحيفة الإسلاميين ما جاء في الوثيقة المؤرخّة في 18 ديسمبر 2007، أثارت حفيظة الأمازيغ، الذين لن ينسوا موقف العدالة والتنمية الرافض لدسترة الأمازيغية. هذا ما ذهب إليه، أحمد عصيد، المفكر والباحث في الثقافة الأمازيغية، الذي قال إن "ما ورد في وثائق ويكيليكس هو عبارة عن تقرير لاجتماع بين فاعلين أمازيغيين وأحد السفراء الأميركيين سنة 2007. غير أن الوثيقة تعرضت لقراءة من طرف التيار الإسلامي، الذي نخوض حاليًا صراعًا قويًا ضده بسبب مواقف حزب العدالة والتنمية من دسترة وترسيم اللغة الأمازيغية، حيث اعترض على ذلك، في البداية، وقاوم إلى آخر لحظة، كي لا تكون الأمازيغية رسمية في الدستور، ثم بعد ترسيمها، قام الأمين العام للعدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بإصدار تصريحات تمسّ بكرامة الأمازيغ وبقيمة اللغة الأمازيغية". وأكد أحمد عصيد، في إفادات ل"إيلاف"، أن "التصريحات كان فيها نوع من الاستخفاف بالتراث واللغة الأمازيغية، وفيها أيضًا تهديد بمراجعة بعض المكاسب التي حصل عليها الأمازيغ، مثل الكتابة بحرفهم الأصلي تيفناغ في التعليم، وفي الواجهات العمومية". مشيرًا إلى أنه، على هذا الأساس، "قررنا خوض حملة ضد العدالة والتنمية والاستقلال، باعتبارهما معًا الحزبين المحافظين، الذين سعيا إلى حرمان الأمازيغية من مكاسبها في السنوات العشر الأخيرة". كما إنهما، يشرح المفكر والباحث في الثقافة الأمازيغية، "ناصبا العداء للخطوات التي حققناها في الحركة الأمازيغية، لغة وثقافة، داخل المؤسسات، وقاما بهذا بسبب مرجعيتهما السلفية الماضوية التي تتعارض مع قيم ومبادئ الديمقراطية، والتعددية، والتنوع الثقافي واللغوي". وأضاف أحمد عصيد "ما قامت به صحافة الإسلاميين في ما يتعلق بوثائق ويكيليكس، كان محاولة لنزع المصداقية عن الحركة، بسبب مهاجمة هذه الحركة للحزب، والتيار الإسلامي، ومحاسبته على مواقفه"، مبرزًا أن "الوثيقة تعرضت للتأويل والقراءة السياسية المغرضة، ولم يكن نقل المعطيات أمينًا". وقال المفكر والباحث في الثقافة الأمازيغية إن "ما عبّر عنه هؤلاء ليس بالصيغة التي عرضت به، كالقول مثلاً إنهم ضد التعريب، وإن شمال إفريقيا له خصوصيته عن المشرق، والتحالف مع أميركا ضد التطرف العربي". موضحًا أن "هذا يقصد به أن هؤلاء الفاعلين عبّروا عن مساندتهم لأميركا في حربها ضد الإرهاب. ولكن الصحيفة حاولت أن تحوّر ذلك إلى أن الأمازيغ يستعينون بأميركا ضد العرب". وذكر أحمد عصيد أن "الفاعلين الأمازيغيين ليس لهم أي مواقف ضد العرب، كجنس من البشر، أو كشعوب، أو كثقافات"، مشيرًا إلى أن "الموقف هو موقف ضد الإرهاب". تعليقات على الوثيقة يرد الناشط الأمازيغي محمود بلحاج على مضامين هذه الوثيقة قائلاً "ليس صحيحًا أن الأمازيغ استنجدوا بالولاياتالمتحدة لمناهضة "التطرف العربي". ويضيف: "كل ما أعرفه حول هذا الموضوع، سواء مباشرة من بعض الأشخاص الذين سبق لهم أن شاركوا في اجتماعات عقدت في سفارة أميركا في الرباط أو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، هو أن هذه الاجتماعات تمحورت حول وضعية الأمازيغية". ويؤكد في تصريحات ل"إيلاف" أنّ "الغاية منها كانت هي ممارسة الضغط على النظام المغربي للاعتراف بالمطالب المشروعة للحركة الأمازيغية.. لم يطلب أحد الاستنجاد بالولاياتالمتحدة أو غيرها". وينفي الناشط الأمازيغي محمود بلحاج أن يكون هناك تطرف عربي تجاه الأمازيغ، معتبرًا ذلك حديثًا مبالغًا فيه، بل هناك "أنظمة عربية ديكتاتورية واستبدادية، وصراعنا مع هذه الأنظمة، وليس مع الشعب العربي أو الثقافة العربية أو اللغة العربية"، على حدّ تعبيره. لا يرى محمود بلحاج أن هناك جهات معينة تسعى إلى إثارة المشاكل بين الأمازيغ والعرب في المغرب، فكل ما هنالك أن بعض الجهات السياسية، وخاصة الإسلامية، تحاول استعمال الدين (الإسلام) واللغة العربية من أجل خلق تناقضات في الخطاب الأمازيغي". والغاية من ذلك، يستنتج بلحاج، "تشويه المطالب الديمقراطية للحركة الأمازيغية أمام الرأي العام الوطني، وبالتالي تقليص المدّ الجماهيري للحركة عن طريق خلق صراع وهمي بين الأمازيغ والعرب". من جهته، لا يعتقد الإعلامي رشيد بوطيب، في تعليقه على هذه الوثيقة، أن المغرب مرشح لفتنة عرقية، "فالاستعمار حاول سابقًا ولم ينجح في ذلك"، على حدّ تعبيره، كما إن المغرب "يختلف عن العراق وسوريا، وهناك إجماع عاطفي وعقلاني على الملكية". ويستدرك بوطيب قائلاً: "هناك من ناحية أخرى مطلب بمحاربة الفساد، ومطالب الأمازيغ تندرج في هذا السياق. فالشعب يريد إسقاط الفساد وتوفير الفرص نفسها لكل المغاربة، وليس فقط لأبناء عباس الفاسي". ويعتقد الإعلامي المغربي المستقر في برلين "أن النضال من أجل ملكية برلمانية يندرج في هذا الإطار، لأن الملكية البرلمانية هي السبيل الوحيد لتعزيز الشرعيتين الشعبية والملكية، وسبيل إعطاء الكلمة للشعب بمختلف أطيافه وأعراقه وأجياله". الحركة الأمازيغية والصهيونية إن كانت هناك علاقة بين تيار من الحركة الأمازيغية والحركة الصهيونية، بحسب الإعلامي رشيد بوطيب، فإنّ الحركة الصهيونية كالحركة الإسلاموية وكحركة القوميين العرب، هي حركة غير ديمقراطية، ولا يمكن للأمازيغ الأحرار إلا أن يقفوا ضدها... لا أن يتحالفوا معها". ويضيف: "ثم لماذا نبالغ في حجم الصهيونية؟ أعتقد أن أعداء الحرية وأعداء حقوق الشعب هم من يحاولون إلصاق هذه التهم الرخيصة بالحركة الأمازيغية. لكن هناك أمر مهم يتوجب التأكيد عليه، وهو أن الأمازيغ أبعد ما يكون عن العداء لليهود.. فالأمازيغ عاشوا مع اليهود في بلدهم المغرب وبقية بلدان شمال إفريقيا، وبعضهم من أصول يهودية، ولهذا ليس هناك ذلك العداء المرضي لليهود في أوساطهم، والذي نجده عند الحركات الفاشية في العالم العربي". صحة مضامين الوثيقة يدعو رشيد بوطيب، إذا ما صحّت المعطيات التي تضمنتها الوثيقة، إلى "النظر إلى ذلك بمسؤولية، لنتساءل بدءًا لماذا اختار أمازيغ مغاربة الاستنجاد بالولاياتالمتحدة؟". ويقول: "طبعًا يجب الإشارة بدءًا إلى أن الأنظمة العربية كلها تلهث خلف هذه الدولة ولا تحاسب على ذلك، لا ريب أن هناك سببًا مقنعًا، وهو أن الأمازيغ، سكان هذا البلد الأصليين، تعرضوا لظلم تاريخي، ولم تحترم ثقافتهم ولا لغتهم وهُمشوا في ميدان العمل وفي الميدان السياسي". ويستدرك: "لا أرى أن النضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة يمر عبر واشنطن، وإنما عبر الداخل في إطار حوار وطني مكشوف". تصفية حسابات من جهته، قال المحلل السياسي سعيد لكحل إن "خلفيات هذا النقاش ليست خافية على أحد، خصوصًا في هذه الظروف التي يعيشها المغرب، والتي يحتد فيها التنافس السياسي بين مختلف الفرقاء". وأضاف سعيد لكحل، في تصريح ل "إيلاف": من هنا تكون إثارة موضوع وثائق ويكيليكس، سواء حول علاقة أميركا بالإسلاميين في المغرب، والتي أثارها التيار الأمازيغي، أو علاقة الأمازيغ بأميركا، التي أثارها إسلاميو العدالة والتنمية، هي عملية تصفية حسابات بين الطرفين، خصوصًا أن قيادة حزب العدالة والتنمية أثارت بتصريحاتها وموقفها الرافض لدسترة اللغة الأمازيغية، غضب التيار الأمازيغي بكل أطيافه. وظلت لهذا الموقف تفاعلات ستؤثر على العلاقة بين الطرفين، وستزداد حدة عندما يبحث كل طرف عن أدوات خارجية لإضعاف موقف الطرف الآخر واتهامه ضمنيا بالتواطؤ مع الآخر (أميركا) ضد مصلحة الوطن". وذكر المحلل السياسي أن "لحظة الإعداد لخوض الانتخابات المقبلة أجّجت من حدة النقاش وسوغت اللجوء إلى مثل هذه الأساليب، ليس لإظهار الحقيقة، ولكن لتخوين كل طرف للآخر، خصوصًا أن التيار الأمازيغي يعلن عزمه على الدعاية ضد حزب العدالة والتنمية للتأثير على الكتلة الأمازيغية الناخبة حتى لا تمنح أصواتها للإسلاميين. وهذا الموقف يقلق حزب العدالة والتنمية، الذي يطمح لاحتلال صدارة الانتخابات، ومن ثم يطمع في تولي الوزارة الأولى. ومن شأن الحملة المضادة التي يشنّها التيار الأمازيغي أن تؤثر على نتائج الحزب". يشار إلى أن المستشار السياسي للسفير كريك كارب، الذي حرر هذه الوثيقة، علق بأن "البربرية السياسية" ليست قوة مؤثرة حتى الساعة، فالشخصيات التي جرى استجوابها هي من الطبقة السياسية والاقتصادية العليا في المغرب، ولهذا فإنها لست ممثلة للغالبية الساحقة للساكنة البربرية. أيمن بن التهامي من الرباط وبوعلام غبشي من باريس (موقع ايلاف)