كانت المساجد في معظمها الى الثمانينات من القرن العشرين تتوزع لنفوذ الزوايا المختلفة والتي تستقطب الكثير من المريدين والاتباع.ولم يكن يهتم بأمور المسجد في الغالب الا المنتظمون بهذه الزوايا فنجد انه غالبا ما يحرص هؤلاء بمشارطة امام موفد من طرف شيخ او منتظم معروف في الزاوية ان لم يتيسر عليه من احد المدارس المنتظمة ضمن مؤسسات هذه الزوايا كانت التمكلشتية مثلا تحرص على التربية الروحية مثلا لأنها تشبعت بالطريقة الناصرية, والجشتيمية بالشاذلية, والتفراوتية بالطريقة الدرقاوية .وهكذا معظم المدارس كانت كذلك اما مساجد الدواوير والاحياء التي لا تخضع كثيرا لنفوذ مباشر لأية زاوية فكانت فترة ما قبل الثمانينات تلجأ الى المدارس العتيقة التي تشتهر بإنتاج أئمة نجباء وفق مقاييس ذلك العهد .وناذرا ما يكون الامام هو الذي يعرض خدماته على جماعة القرية او الحي كما هو الشائع الان ولقد كانت حاجة الناس وقتها شديدة لأدوار الامام فضلا عن امامة الصلاة مما جعله –الى عوامل اخرى- يستقر طويلا استقرار يمتد لعشرات السنوات .ان لم يستوطن بالبلدة المشارط فيها .كيف لا والجماعة تمنحه قطعة ارض لفلاحتها, ورؤؤس ماشية ينميها, او تمكينه من الانشطة الاقتصادية المتداولة.فضلا عن الاجرة التي تجمع له من محصول القرية, وأضحية او ثمنها. ومؤونة بالتناوب غداء وعشاء دار لدار وقد ادركنا يضيف صاحب المعسول: ان أستاذ المسجد هو موثق القرية ان لم كن بها موثق.وعدلها الممتاز وعاقد الانكحة والمصلح بين المتخاصمين ويتجدد التعاقد مع الامام على رأس الحول لا لتجديد الثقة فحسب.بل ولتتبع سلامة تلقي الامام لمستحقاته التي تعطى بشكل سنوي. ومن خوارم المرؤءة ان يتباطأ احد السكان في دفع هذا الواجب والامام وحده من يملك الصلاحية في تحديد ما يراه مناسبا داخل المسجد وفق تقاليد متعارف عليها من طرق التعليم وحصص الوعظ وما شابه ذلك .ولم يكن احد يجرؤ على الاستدراك عليه في الشؤون الداخلية للمسجد كما الان. اذ حددت وظيفة الامام سلفا في امور متعارف عليها وقل ما يخل الامام بها ومما ساهم في استقرار الائمة بالمساجد وقتها ان المغادرة بدورها تخضع لموافقة الشيخ والفقيه الذي اقترح وبارك تنصيب الامام .وهذا يتضح جليا من كتابة احدهم الى بعض اشياخه بعدما عزم على مفارقة من شارط عندهم مستأذنا:اما بعد فقد عولت ان اقوض الخيام من عند هؤلاء الاقوام بعدما صار صيبهم الى الجهام وصار صارمهم الى الكهام.فلا خير في عيش يتمصصه الابي من بين اشداق الملتهمين .الى ان قال: الجنائز والتلف في المفاوز على كاهل المعاوز ادنى الي من اعادة الشرط مع هؤلاء والصبر مع انذال جهلاء هكذا كان الامر اما في وقتنا الحاضر فقد تغيرت الاحوال كليا .والجميع بات مدركا ان الاعراف والتقاليد الموروثة أضحت عاجزة عن تنظيم شؤون المساجد فلا شيخ المدرسة الان ولا الزاوية يستطيعان ان يبعثا بإمام فيحظى بالقبول الا نادرا.فنسبة اللجوء الى شيخ المدرسة العتيقة رغبة في امام بالكاد تحصل.ليجد الامام نفسه مظطرا لحمل حقائبه وعرض خدماته على الجماعة كمياوم .والذين يصلون الى وظائف المسجد بهذه الطريقة مع كثرتهم لا يشيعون بنظرة احترام خاصة اذا استحضرنا الاهانات التي يتعرض لها اخواننا حين يمتحنهم العوام. في غياب دور المندوبيات والمجالس العلمية فحتى المذكرة الاخيرة بشأن تعيين الائمة تعتريها كثير من السلبيات منها على سبيل المثال: -ان ملف ووثائق الامام لا بد من تزكيتها من أجهزة وزارة الداخلية فأبسط الامور يمنع الامام من الترشح دون مبرر قانوني وهذا اجحاف في حق الامام فهل هي مندوبيات ام مخابرات؟ -طلب الترشح عندما يوضع في المندوبة المكلفة بتلقي الطلبات لا يختم عليه كما هو قانونا في كل الادارات -امتحانات الترشيح لنيل التزكية او شغل منصب مسجد شاغر تكتنفها الزبونية والمحسوبية وحتى الامتحانات ليست لها اية معايير لا في المواد التي يختبر فيها الامام ولا في تصحيحها ولا في الاعلان عنها وهذا كله يعرض الامام للتلاعب بمصيره اما الجمعيات والوداديات المكلفة بالمساجدفلا تكاد تجمع على امام حتى يختبروا العشرات وأسوأ من ذالك عندما يقدم ويحضر المسجد الشاغر في لحظة واحدة اكثر من امام فهذا يؤم لصلاة المغرب وهذا لصلاة العشاء وآخر للفجر .اذ لا يختبرون الا في الصلوات الجهرية فإذا نجحوا كلهم في الاداء الميكانيكي للصلاة العصرية التي تستجيب لمختلف الاهواء بقى التباري على الاجسام والصفات الخَلقية لا الخُلقية ولقد لخص اخونا المتوفى مؤخرا رحمه الله عبد الله التيتكي هذا الشروط في ديوانه: شرط الجاهلون شتى شروط لم تكن من مذاهب السابقينا ان يكون الامام فظا غليظا سافل القدر ان رأوا فيه لينا الى ان قال رحمه الله: لحية كثة وقد طويل ومن الذنب ان يكون سمينا فالحل في نظرنا ان ترجع للامام مكانته وللمدارس دورها و الاشراف الكلي للوزارة على هذا الامر مع انصاف الائمة بوضع منظومة قانونية تحكم تصرفاتها مع الصفوة المهمشة اهل الله وخاصته كما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق