الشعب يريد التغيير!". هكذا صرخ آلاف المواطنين بصوت واحد و موحد في جل الشوارع المغربية طيلة الأشهر الأخيرة في إطار تنظيم ثورات و مسيرات على غرارالدول العربية الشقيقة، بل و خلق فوضى شاملة عكست سخط المواطن المغربي عن الواقع السياسي ببلادنا، و ذلك تحت قيادة شبابية محضة لإيصال رسائل جوهرية من شأنها حماية الشأن العام و تغيير طرق و أسس بناء مغرب الغد، لعلها قد أدركت آذانا صاغية بكامل المسؤولية المنشودة... بعد ذلك، أصدر دستور 2011، و أخمذت نيران الثورة الشبابية كلنا نجمع على أن هذا الدستور الجديد لم يأت بجميع المطالب المنشودة، و لكن حكمة و نضج وروح تفاؤل الشباب المغربي جعلوه يساند هذا المشروع الإصلاحي بتصويته الإيجابي له كبداية لعصر ديموقراطي جديد تطبعه روح المواطنة و الوحدة الترابية و من أسمى غاياته إعطاء كل ذي حق حقه. كما اعتبر الشباب المغربي هذا الحل الضامن الوحيد لاستقرار البلاد و الرقي بها إلى مستقبل أفضل في فترة عجزت فيها باقي الدول العربية الشقيقة عن تحقيق أية مفاوضات سلمية و بناءة بين الشعب و الحكومة، و ما أبشع عواقب ذلك... و نحن على أبواب خوض غمار المرحلة الثانية من صنع عصر ديموقراطي مغربي جديد، أي تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها كنقطة تحول حاسمة في تاريخ السياسة المغربية، نفاجأ برفض الأحزاب السياسية إدماج الشباب في اللائحة الوطنية. في حقيقة الأمر كنت أتوقع ذلك، فهكذا هي اليوم قرارات من لم يتعلم من دروس الماضي. و لكن المستقبل لن يرحم أحدا... نعم، "الشباب يريد التغيير!" . أو هل يظنون أن التغيير هو فقط تلك التعديلات الدستورية (ما أدرانا أنها ستطبق كما ووعدنا...)، أم تلك الوعود التي تعبر سماء الحملات الانتخابية ثم تختفي مع سابقاتها ؟ كل حركة إصلاحية اليوم إنما تستلزم إشراك طاقات شابة كعنصر مجتمعي فعال قادر على اتخاذ القرار و اختيار مصيره و مصير الفئة العمرية و الاجتماعية التي يمثلها، إذ أن كل فئة من المجتمع يجب أن تتمتع بتمثيلية حقيقية إلى جانب جميع الفئات الأخرى، و إلا لم كل ذلك النضال و تضحيات الشباب المغربي إن كانت النتيجة المرجوة بمنتهى البساطة و البداهة ؟ لقد حان الوقت لتبني الأحزاب السياسية مفهوم "السياسيين الشباب" لا كفكرة بل كحقيقة لا بد من استثمارها على أرض الواقع باعتبارها إحدى أهم أبواب الانفتاح على العصر الديموقراطي الجديد ببلادنا، فالشباب هم رجال الغد، لكن ابتداء من اليوم. و إن كان الجيل القديم قد ورث أخطاء من سبقوه و ما زال إلى اليوم عاجزا عن التخلص منها، فإن جيل اليوم من جهته يطمح إلى انخراط مبكر في الحياة السياسية لبدء مشروع بناء المستقبل المغربي من الآن حتى يتم ضمان استمرارية هذا المشروع السياسي خلال السنوات المقبلة و تفادي حصول فجوة سياسية بين عصرين. و عليه، فمن واجب الأحزاب السياسية إعادة النظر في هذا القرار الذي لا يخذم بثاثا المصلحة العامة بل و يسير تماما عكس الاتجاه الديموقراطي نحو مجتمع حداثي فعال، و الذي يفترض فينا نهجه إذا كنا فعلا نريد تجاوز هذه المرحلة السياسية الحساسة بذكاء و الخروج منها بنتائج بناءة أساسها ترسيخ قيم الديموقراطية و حماية مصلحة الوطن. و إن كان المغرب قد نجح في اختبارات الربيع العربي بامتياز مقارنة مع باقي دول العالم العربي، فإذا لم يؤخذ مصير بلادنا بجدية و مسؤولية عالية، فإني أخاف أن يفاجأ المناخ السياسي العربي بشتاء مغربية عاصفية...