"قال وزير العدل محمد الطيب الناصري إن قرار عزل القاضيين جعفر حسون ومحمد أمغار صادق عليه الملك". انتهى الكلام المنقول عن الوزير، الذي أقفل القضية ب"مصادقة الملك". لكن المشكلة لم تنته. ولن تنتهي بالمصادقة الملكية على هذا الحكم الذي ترأس الوزير الهيأة التي أصدرته. لن ينتهي الأمر بمغادرة جعفر حسون وزميله سلك القضاء. قد تُطوى صفحة القاضي جعفر حسون، لكن لن تنسى الحكايات التي تناسلت، منذ توقيفه إلى عزله وما بعد عزله. ولا بد أنك، السيد الوزير، تتبعت وتتابع إلى الآن ما كُتبَ ويُكتب عن هذه القضية. وتتفاعل مع ما يكتب بالردود والتصريحات التي لا تخلو أحيانا من تعابير لا تليق بك وبمقامك وبمسؤوليتك الجسيمة، حين تقذف شخصا يَمْثُل متهما بين يديك بالكذب. والواقع أنك لا تتفاعل وحسب، بل كنت تنفعل مع تداعيات هذه القضية التي ستخلد آثارك في سجل "العدلية المغربية". لقد دفع بك الانفعال إلى إفشاء أسرار مداولات المجلس الأعلى للقضاء، الذي ترأسه نيابة عن الملك، حين قلتَ في تصريحات صحافية إن المجلس قرر توقيف جعفر حسون بالإجماع، فأصبح بإمكان الجميع أن يعرف آراء ومواقف كل أعضاء المجلس، وأبلغتَ الجميع، أنت الذي اتهمت حسون بالتسريب، بأن جميع زملاء جعفر حسون صادقوا ووافقوا على القرار. لن أدخل في تفاصيل القضية وجزئياتها. والحقيقة، رغم كل ما راج وكُتب، فإنه لم يُكتب للرأي العام أن يطلع على تفاصيلها الكاملة. والمسؤول عن هذا التعتيم بالدرجة الأولى هو وزير العدل، الذي وقف بالمرصاد ضد تمكين دفاع القاضي المعزول من محاضر المحاكمة عبر نسخها. فقد كان بإمكان مرافعات الدفاع أن تطلعنا على ما يوجد بداخل الوثائق والمحاضر. إن هذه المحاكمة، التي جرت على أعلى مستوى قضائي في البلاد، وجاءت في سياق الحديث المسترسل عن إصلاح القضاء، تكشف بشكل جلي لا يدع أي مجال للغموض الحالة التي يوجد عليها القضاء ببلادنا. ولعل الذي يضفي على هذه القضية الكثير من الإثارة هو أن جميع أبطالها ينتمون إلى جسم العدالة. فلا يوجد في هذه القضية أمامنا غير القضاة والمحامين. قضية القاضي جعفر حسون تكشف مسا خطيرا بحقين أساسيين، لا يمكن أن نتصور تحقيق العدالة بدونهما. - أولهما، الحق في الدفاع: لقد صدر الحكم ضد القاضي جعفر حسون بدون أن يتمتع بحقه في الدفاع. الحق الذي بانتفائه تنتفي المحاكمة العادلة، باعتباره شرطا ضروريا لها. لقد كان مثيرا حقا أن لا يبالي الوزير/المحامي، الذي يعرف حق المعرفة ما الذي يعنيه مفهوم "الحق في الدفاع"، بمطالب زملائه، الذين طالبوا بحق تضمنه لهم مهنتهم، حتى ينهضوا بمهمتهم كاملة في مؤازرة موكلهم. والتساؤل المحير، هنا، هو لماذا تشبث وزير العدل، بتلك الصرامة، بعدم تمكين الدفاع من نسخ وثائق الملف؟ ما الخطورة التي كان سيجلبها نسخ الوثائق؟ وهل توجد بها معلومات على هذا القدر من الخطورة التي تجعل الناصري يضع نفسه موضع مثل هذه التساؤلات؟ ما السر وراء تمسكه بالرفض، الذي ترتب عنه انسحاب الدفاع وحرمان المتهم من حقه في الدفاع؟ لماذا أصر الوزير/المحامي على إصدار حكم في قضية بدون دفاع؟ لماذا لم يبذل أي جهد، وهو المحامي المجرب، لإرجاع الدفاع، وإنقاذ ماء وجهه في أول قضية يواجهها في مساره كوزير؟... إنها أسئلة كثيرة تطرحها قضية، ترأس أطوارها وزير العدل وصادق عليها الملك، ولم يتوفر فيها حق المحاكمة العادلة. - ثانيهما، الحق في الوصول إلى العدالة: لقد حُرم القاضي جعفر حسون من حقه في الوصول إلى العدالة. وجرى ذلك بحكم صادر عن المحكمة الإدارية، التي التجأ إليها القاضي جعفر حسون، من أجل الطعن في قرار وزير العدل القاضي بتوقيفه عن مزاولة جميع المهام القضائية والتمثيلية وكذا توقيف راتبه. فقد قال الوزير للمحكمة الإدارية، عبر الوكيل القضائي للمملكة، إن قرار التوقيف مجرد إجراء تمهيدي مؤقت. ولا يمكن الطعن فيه إلا بعد أن يصبح نهائيا. فما كان من المحكمة إلا أن استجابت لرغبة الوزير فحكمت لفائدة الرأي الذي ذهب إليه، رغم الملاحظات التي نبه إليها دفاع القاضي في حينه، كأن يصدر، في ما بعد، قرار من الدرجة الثانية يصادق عليه الملك، ولا يمكن بعدها الطعن فيه. وهو ما تأكد بالفعل، عبر هذا الحكم الذي أصدره المجلس الأعلى للقضاء، برئاسة وزير العدل الذي سارع إلى إخبارنا بأن الملك صادق عليه، كأنه يسابق الزمن لنفض يديه من قضية لم ينفعه فيها لا مساره المهني الطويل ولا حنكته القانونية المعروفة ولا شخصيته المحترمة بين زملائه في المهنة. السيد وزير العدل، تأكد أن أداءك في هذه القضية كان مخيبا للآمال. ويكفي أن تسأل زملاءك في المهنة الذين يعرفونك وتعرفهم حق المعرفة. لقد تحدثت إلى كثيرين منهم، ولم يخفوا استياءهم. ولذلك، فالقضية لم تنته بحكمك الذي صادق عليه الملك.