09 غشت, 2018 - 03:15:00 قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الحديث عن الشباب حزمة من التوصيات من أجل النهوض بهذه الفئة وتحسين ظروف عيشها . واعتبر المجلس أنه لا بد من الاستجابة لانتظارات الشباب المشروعة في الحصول على حياة كريمة، وعدالة اجتماعية، وإنصاف ومشاركة نشيطة في الدينامية التنموية، حيث سيتمكن جميع الشباب من تحرير طاقاتهم واستثمار كل مؤهلاتهم وخبراتهم، في إطار من تكافؤ الفرص، وتحسين مستوى رفاههم. وأكدت توصيات التقرير على ضرورة اعتماد سياسة قائمة على القطيعة مع الماضي، بحيث ينبغي على مجتمعنا التفكير في مشروع مندمج حقيقي، قوامه المصالح المشتركة ومراعاة الحاجيات والتطلعات الخاصة للشباب المغربي. ونصت التوصيات على ضرورة تمكين الشباب المغربي من استعادة الثقة، إذ أن لدى الشباب إحساس بانعدام الثقة في المجتمع بشكل عام، وهو شعور ما انفك يأخذ منحى تصاعديا، مما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على سلوكيات الشباب وعلى التماسك الاجتماعي بشكل عام، حيث إن حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية والصعوبات المرتبطة بالحصول على عمل لائق، والعطب الذي تعرفه آليات الارتقاء الاجتماعي واستمرار اقتصاد الريع، هي ظواهر لا يمكنها أن تؤدي إلى تحسين ثقة الشباب في المستقبل. ودعا التقرير إلى الوعي التام بأن السياقات الوطنية والإقليمية والدولية قد أدت إلى ظهور جيل جديد من الشباب، وهو جيل أصبح اليوم أكثر اهتماماً بالقيم الكونية، وبالحرية، وأضحى يتطلع إلى مزيد من العدالة والحقوق بالمعنى الواسع للكلمة. وأشار التقرير إلى أن متطلبات الشباب تغيرت بشكل جذري، وهذا التغير يجب أن يوازى بتغيير يطال العرض المقدم لهم مع مراعاة هذا السياق الجديد، من خلال تقديم عرض ذي مصداقية ويستجيب لحاجيات هذا الجيل الجديد من الشباب، وأن يكون امتدادا للسياسة الخاصة بالطفولة، ويرقى إلى مستوى انتظاراتهم الحقيقية، ويعيد لهم الثقة في الأسرة والمدرسة والمؤسسات التمثيلية. وأوصت المبادرة التي يقترحها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للنهوض بوضعية الشباب، بضرورة أن يتم إشراك الشباب في عملية اتخاذ القرار، و الحرص على استطلاع آرائهم في سياق إعداد السياسات العمومية، وكذا إشراكهم في تقييم تلك السياسات، إضافة إلى تفعيل المجلس الوطني للشباب وإنشاء شبكات جهوية للشباب، وتشجيع مشاركتهم في المؤتمرات والملتقيات، والنهوض بالمنظمات التي يقودها الشباب، وتشجيع مشاركة الشباب في اللجان االستشارية، وفي العمليات السياسية. وأشار التقرير في توصياته على أنه بالرغم من الجهود المهمة التي بذلتها السلطات العمومية لفائدة الشباب المغربي خلال السنوات الأخيرة ، لكن لايزال هناك الكثير مما يتعين القيام به وثمة حاجة إلى اعتماد مقاربة أكثر جرأة وأكثر ابتكارا من قبل المؤسسات والمسؤولين السياسيين والمجتمع المدني من أجل إعمال سياسة طموحة لفائدة الشباب. وفي مجال التربية والتكوين، أوصى التقرير بضرورة بناء قدرات الشباب و الارتقاء بالمستوى العام لمعارفهم وتطوير مهاراتهم طوال الحياة، حتى يتمكنوا من التكيف باستمرار مع المتغيرات والاندماج في عالم الشغل، كما يجب أن يستجيب الاستثمار في رأسمال الشباب لمتطلبات توسيع القاعدة الاجتماعية للانتاج ، وإدماج ثقافة الانتاجية والابداع ، وتحسين سبل الولوج إلى اقتصاد المعرفة. بالإضافة إلى تعزيز التكوين الشامل للشباب والتربية القائمة على القيم، ينبغي تيسير الولوج إلى تخصصات التعليم العالي الواعدة، عن طريق ملائمة الكفايات المكتسبة مع متطلبات سوق الشغل، من جهة، ومن خلال ملائمة المنظومة التربوية مع الاحتياجات الجديدة للمجتمع. وأوصى التقرير أيضا بإصلاح قطاع التكوين المهني وذلك وفق مقاربة قائمة على الكفايات، مع الحرص على إجراء تقييم لمستوى الاندماج والتطوير المهني بغية تحسين جاذبية التكوين المهني، كما ينبغي أن يتيح تعددُ الجسور بين منظومة التكوين المهني ومنظومة التعليم العام إمكانية الانتقال من منظومة إلى أخرى للراغبين في ذلك. ولتمكين الشباب من اختيار مشروعهم في الحياة بكل حرية، أوصى المجلس بتيسير خلق فرص شغل لائقة للشباب في القطاعين العام والخاص، حتى يتمكنوا من الاضطلاع بدور فاعل في جميع المجالات داخل المجتمع. ومن أجل تعزيز مشاركة الشباب في خلق الثروة، يتعين حسب المجلس وضع برنامج خاص يروم إدماج الشباب الحاصلين على الشهادات والعاطلين عن العمل والشباب المنحدرين من الأوساط المحرومة والشباب ذوو الاحتياجات الخاصة، وهو برنامج ينبغي أن تدعمه السياسات القطاعية التي تُعد رافعات حقيقية لتحرير روح المبادرة الاقتصادية الحرة في صفوف الشباب. وأكد التقرير أن مهن التنمية المستدامة، الاقتصاد الأخضر والأزرق، وخارطة الطريق الإفريقية التي تنتهجها المملكة، وكذا الامكانيات التي يتيحها الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كلها فرص يجب استثمارها على النحو الأمثل، بما يمهد الطريق أمام النهوض بتشغيل الشباب. واعتبر التقرير أن الاستثمار في مجال تشغيل الشباب يسائل أيضاً المقاولة، لذا فإن إمكانية ولوج الشباب المقاول إلى الأسواق تعد أحد العناصر الرئيسية التي ينبغي الانكباب عليها، مع إيلاء اهتمام خاص للولوج إلى الصفقات العمومية والصفقات الخاصة التي يستبعد منها الشباب في واقع الأمر. وفي هذا الصدد، اقترح المجلس العمل بشكل إرادي على صعيد الصفقات العمومية وصفقات المقاولات الخاضعة لوصاية الدولة على وضع سياسة لتشجيع الولوج إلى هذه الصفقات لفائدة المقاولات الناشئة والتي يحدثها الشباب. وفي المجال الصحي، أبرز التقرير أن هناك تفاوتات على مستوى ولوج الشباب إلى الرعاية الصحية، خاصة بالنسبة للذين يعيشون في المناطق النائية، ومن أجل ضمان توزيع عادل للعرض الصحي في جميع أنحاء التراب الوطني، يمكن التفكير في توفير خدمات صحية وتجهيزات طبية في مؤسسات التربية والتكوين والجامعات وفضاءات الشباب. إضافة إلى تسريع عملية توسيع نطاق التغطية الصحية لتشمل الطلبة وتمكين الشباب المنحدرين من الأسر المعوزة من الاستفادة من نظام المساعدة الطبية راميد، ومن أشكال الحماية الاجتماعية للشباب التي ينبغي الانتباه إليها، كما يقتضي تعميم أرضية الحماية الاجتماعية وإعمال شبكات الأمان الاجتماعي لفائدة للشباب، وتعزيز آليات التضامن فيما بينهم، وضمان استفادة من يحصلون على منصب شغل من تغطية اجتماعية تضمن الكرامة وتتسم بالفعالية. وفي مجال محاربة الفقر والهشاشة، أوصى التقرير بتقليص الفوارق، ومحاربة الفقر، والهشاشة،وإقصاء الشباب، من خلال ضمان تكافؤ الفرص في صفوفهم والتصدي لعوامل الاقصاء الاجتماعي ، خاصة تلك المتعلقة بالنوع، والسن، والإعاقة ، والوسط الأصلي، وتعزيز الحركية الاجتماعية،والولوج العادل إلى الحقوق الأساسية، ومنها التعليم والحرية والأمن. إلى جانب القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء الشابات ومنحهن الحق في نفس الموارد الاقتصادية ، وتعزيز ولوجهن إلى العمل المأجور، والتعليم والملكية والعمل على تمكينهن من تقلد مناصب المسؤولية. ونص التقرير على ضرورة أن تستهدف السياسيات الخاصة بالشباب في المغرب بشكل خاص فئة الشباب الذين لا يمارسون أي عمل ولا يتلقون أي تعليم أو تدريب وأن تجعل من تتبع وضعيتهم مؤشرا لقياس أدائها. وقال التقرير إنه وعكس الفكرة السائدة التي مفادها أن الشباب لا يهتمون بالسياسة، فإن من شأن تطوير ثقافة الحوار، والنقاش، خاصة مع الهيئات الوسيطة الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات ، أن يشجع الشباب على المشاركة في الشأن العام، من خلال وضع أرضيات للحوار المدني والاجتماعي على المستوى الوطني وأرضيات محلية للديمقراطية التشاركية. ويقتضي تشجيع انخراط ومشاركة جميع فئات الشباب في المجتمع حسب المجلس، العمل على تسهيل مساطر تكوين وتسيير الهيئات التي تمثلهم إضافة إلى تشجيع و إشراك هذه الهيئات في مختلف مراحل إعداد المشاريع المجتمعية وتقييمها. وأضاف التقرير أنه من شأن تقديم عرض سياسي متجدد وذي مصداقية ومرتكز على أدوات التواصل الملائمة أن يفتح الباب أمام أشكال جديدة لانخراط الشباب في العمل السياسي ، مع العمل على تعزيز هذا العرض من خلال تحسين تمثيلية المجتمع داخل المؤسسات المنتخبة. كما أوصى التقرير بإرساء خدمة "مواطنة إجبارية" وجعلها تشمل جميع الشابات والشبان المتوفرة فيهم الشروط المطلوبة، مما من شأنه أن يجعل منها فضاء حقيقيا للتلاقح الثقافي، ينخرط فيه شباب من آفاق متنوعة في مشاريع جماعية كبرى، بما سيساهم في تقوية إحساسهم بالانتماء إلى نفس الأمة، حيث سيلتقي كل شاب مغربي بأبناء وطنه وسيعيش تجربة التمازج الاجتماعي والتلاحم الوطني، ويتعين أن تتسم هذه الخدمة الموا طنة الاجبارية ، حال تفعيلها، بالإنصاف وأن تشمل الجميع دون تمييز على أساس الجنس أو الوسط الاجتماعي أو مكان الإقامة. وأكد التقرير على ضرورة تعزيز تشبث الشباب بإسلام متنور قائم على الاعتدال والتسامح، والنهوض بقيم الانفتاح والحوار بين جميع الثقافات والممارسات الدينية خاصة أن الشباب مستهدفون من قبل المرجعيات المتطرفة. وبالنسبة للثقافة والرياضة، أوصى التقرير بضرورة بث دينامية جديدة في جهود النهوض بالإبداع الثقافي والفني للشباب عبر المسرح والفن التشكيلي والموسيقى والرقص والكتابة والسينما ، كما يجب مواكبة هذه الدينامية بإرساء وتطوير أرضيات جديدة للتعبير والإبداع في المجال السمعي البصري والمجال الرقمي. وإلزام قطاعات السكن والتعمير وإعداد التراب الوطني بتجهيز أماكن العيش بفضاءات الترفيه والتثقيف: فضاءات خضراء، ملاعب رياضية، معاهد موسيقية، مسارح، مكتبات عمومية، خزانات وسائطية، ودُور الشبابوغير ذلك. وفي نفس الإطار ، أوصي المجلس بضرورة خلق منظومات اقتصادية لفائدة الشباب تشمل أنشطة إبداع وإنتاج وتسويق المنتجات والخدمات والمحتويات ذات الصبغة الثقافية، وتسمح بتشجيع إنشاء مقاولات ناشئة مبتكرة تشتغل في الأنشطة المرتبطة بالتراث الثقافي والموسيقى، والأغنية والإنتاج الموسيقي، والمهرجانات وصنَاعة الفرجة، والمسرح، والفنون البصرية، والصناعة التقليدية، والكتاب والصحافة،والمجال السمعي-البصري، والوسائط المتعددة التفاعلية. إضافة إلى تعزيز انخراط الشباب في الأجندات الدولية الكبرى وإشراكهم في النهوض بإشعاع المغرب، و مأسسة هيئة للإشراف رفيعة المستوى، تكون بمثابة أرضية للتشاور والقيادة الاستراتيجية ، من خلال تحديد إطار عملي مستدام مكلف بقضايا الشباب، تحت المسؤولية المباشرة لرئيس الحكومة وتعمل على تعبئة القطاعات الوزارية والهيئات المعنية. وألح المجلس الاقتصادي والاجتماعي في توصياته على ضرورة أن تضطلع الجهات، في إطار اختصاصاتها الجديدة، بدورها كاملا في الدفع بالتدابير المتخذة لفائدة الشباب، وذلك من أجل المشاركة في إرساء وتعزيز سياسة وطنية دامجة، إلى جانب توفير امتيازات تفضيلية للشباب لتمكينهم من الاستفادة من خدمات خاصة، وتمكينهم من الولوج إلى التكلونوجيا الرقمية.