28 يوليوز, 2018 - 05:05:00 قال الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إن الحركات الاجتماعية لم يسبق لها أن وقفت بالمغرب لأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، فبعد عشرين فبراير والدستور الجديد لم تحل جميع المشاكل، ظهر حراك الريف وجرادة والمناجم وما بعدها وصولا إلى المقاطعة. وأضاف أقصبي خلال ندوة سبق أن نظمتها مؤسسة محمد عابد الجابري خلال الشهر الماضي، حول "اقتصاد الريع والفساد بالمغرب"، أن المقاطعة هي استمرار لاحتجاجات الناس بمنهجية وطريقة جديدة وضحت أسباب الفشل النموذج التنموي بالمغرب التي تعود إلى العلاقة العضوية بين سلطة المال والسياسة. وأشار أقصبي أن سياسات المالية العمومية عندما نحللها نلاحظ أن ميزانية الدولة لعبت دائما دورا معاكسا للتوزيع العادل للثروة، فالضرائب تجلب من جيوب الطبقة الوسطى، وبنية نظامنا الضريبي تجعل أن من يؤدي الضرائب ليس هم الأغنياء بل هم الطبقات الوسطى والأجراء والفقراء عبر ما يسمى بالضرائب غير المباشرة. وأوضح أقصبي أنه من ناحية النفقات أو الامتيازات والاعفاءات الضريبية التي تعطى للمقاولين وأصحاب المصالح المتعددة في قطاعات مختلفة، التقييم يقول إنها تصل إلى 34مليار درهم وهي ريع، لأن الريع في العمق هو دخل بدون عمل أو قيمة مضافة. وأبرز نفس المتحدث أن الدولة عندما قررت أن تجعل من القطاع الخاص محركا للتنمية، وفي في نفس الوقت قررت أن توظف سياسات عمومية وإمكانيات مالية وتنظيمية وموارد طبيعية لأجل هدا الهدف، نست أن العلاقة بين الدولة وهذه النخبة في القطاع الخاص ملتبسة لأن "المخزن" من جهة يريد خلق وتنمية هذه البرجوازية المبادرة ولكن في نفس الوقت يجب أن يتحكم فيها، بمعنى يريد نخبة تعلب أدوارا اقتصادية لكن يجب أن تبقى دائما تحت سيطرته وأن لا تكون مستقلة وأن تكون لها نفس الأهداف والمصالح مع السلطة. وأضاف أقصبي أن هذا الالتباس بقي قائما وإذا نظرنا لانتخابات الاتحاد العام لمقاولات المغرب سنفهم هذه العلاقة غير الصحية وغير الطبيعية بين السلطة ومنطق المخزن الأبدي وهذه الطبقة المدينة للمخزن في كل شيء. وقال أستاذ الاقتصاد في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، "ياريت لو كانت هذه المجهودات التي بذلتها الدولة، سواء كانت مشروعة أولا، تؤدي بنا على الأقل أن يكون القطاع الخاص هو محرك الاقتصاد وهو المستثمر والمشغل، لكن مع الأسف الاحصائيات كلها والرسمية منها، تشير أن المجهود الاستثماري في البلاد تقوم به الدولة والقطاع العام وليس القطاع الخاص بالرغم من كل الامتيازات التي تمنح له في حين أنه يجب أن تكون المعادلة مقلوبة". وشدد أقصبي على أن المراهنة على القطاع الخاص ليست صائبة وأن اختيارات الدولة والريع الذي تمنحه لم يؤدي لأي شيء، ونحن الآن أمام قطاع خاص خمسين سنة وهو يستفيد من الثروة والأموال العمومية ولا يقوم بدوره. كوريا الجنوبية والمغرب وتابع أقصبي كلامه قائلا: "اليوم الكل يتكلم عن كوريا الجنوبية والكل يعلم أنه في بداية الستينات كان الناتج الداخلي الخام لكوريا الجنوبية هو نفسه بالمغرب، وكانت في تلك الفترة نفس الاختيارات، لأنه طوال خمسة وعشرين سنة في كوريا الجنوبية كانت الدولة متحكمة في الاقتصاد والتخطيط والاستثمار لكنها كانت لديها رغبة في خلق قطاع خاص محرك للتنمية، وهذا ما قامت به من خلال توظيف عدة إمكانيات" . لكن الفرق معها الذي جعلها تتقدم ونتأخر نحن، يشرح أقصبي هو قطاعها الخاص الذي ربح رهان التنمية، بفضل تكوين شركات خاصة لها مراكز بحث علمي متطورة مما جعل البلاد تتقدم. وأضاف أقصبي أنه في حالة المغرب وبالعكس، تمت المراهنة على الخارج واتفاقيات التبادل الحر وسياسات التقويم الهيكلي والتحرير و"ماذا كانت النتيجة؟"، يتساءل أقصبي: "الأرقام تتحدث عن نفسها، التجارة الخارجية التي كان يجب أن تكون هي قاطرة التنمية أصبحت عائقا لها، ووصل عجزها التجاري عام 2017 إلى 190 مليار درهم، أي ما يقارب من 18% من الناتج الداخلي الخام". وأكد أقصبي أن هذه الاختيارات الاقتصادية لا يمكن عزلها عن طبيعة النظام السياسي الذي اتخذ قرارات ومارسها وفشل، والمشكل ليس في الفشل بحد ذاته لأنه يمكن لأي مقاولة بسبب اختيارات معينة أن تفشل ، لكن المشكل أننا قمنا باختيارات وفشلت وظهر هذا ولكن نظام الحكامة القائم لا يملك أي آليات وميكانزمات للمساءلة والمحاسبة من أجل مراجعة هذه الاختيارات. وأوضح أقصبي أنه بدل معالجة مكامن الخلل وأخذ العبر والدروس لمراجعة هذا الوضع حتى لا يتكرر هذا الفشل مرة أخرى، نلاحظ أن هذه الاختيارات تتم دون الربط مع شيء أساسي سواء في الاقتصاد وفي المجال الاجتماعي، وهي حاجيات المواطنين بكل بساطة. وتساءل أقصبي عما إذا كانت اختيارات المغرب الاقتصادية تتناسب مع حاجيات سكانه؟ وعن ترتيب الأولويات، وهل يمكن الاعتبار اليوم أن ما ينجز عبر المغرب ككل من استثمارات ومشاريع كبرى يتجاوب مع حاجيات المواطنين؟. وأعطى أقصبي مثال عن "حراك الريف" وتساءل: "ماذا كان يطلب الناس في جراك الريف؟، العمل ومستشفى ومدرسة وطريق، وفي نفس الجهة سينطلق مشروع القطار فائق السرعة، فيما مازال القطار العادي لم يصل بعد إلى أكادير وورزازات وغيرها من مناطق المغرب. تشتيت وتميع المسؤوليات وقال أقصبي إننا أمام نظام المسؤوليات فيه غير محددة والمقاطعة أظهرت هذا، لأن الحكومة يجب أن تكون جزء من الحل لكنها بتصرفاتها أصبحت جزء من المشكل لأنها في الأصل حائط قصير مادام أن صلاحياتها محدودة. وتطرق أقصبي لمشكل آخر هو تشتيت وتميع المسؤوليات، موضحا أنه في علم التسيير يجب أن تكون المسؤولية واضحة وكل مهمة يكون عليها مسؤول واحد وليس اثنين. وأكد أقصبي أن الارتباط بين الاقتصاد والسياسة ونظام التسيير والحكامة في الشأن الاقتصادي أصبح عائقا للنمو الاقتصادي، وفي قضية إعادة النظر في النموذج الاقتصادي، تساءل أقصبي: "لنفترض أننا وجدنا حلا لكل المشاكل، فهل عندنا نظام حكامة متطور يمكن من إنجاح أي نموذج تنموي؟" وأبرز أقصبي أن أي نظام تنموي لا يتجاوب ولا يلبي حاجيات الناس سيكتب له الفشل، إلى جانب الوضوح في تحمل المسؤوليات والمساءلة والمحاسبة. وختم أقصبي كلامه بالقول "يجب أن لا ننسى أن الاحتقان الاجتماعي يتفاقم والاختيارات السابقة عمقت الفوارق الاجتماعية، أي التهميش والتفقير هو نتيجة مباشرة لاختيارات النظام الاقتصادي، ويجب أن تكون عندنا الجرأة ووقفة لقول الحقائق وإعادة النظر بشكل شمولي في مجموعة من الأمور وعلى رأسها نظام الحكامة والنظام السياسي إذا أردنا فعلا أن نبدأ بصفحة جديدة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية".