(*) 28 ماي, 2018 - 01:27:00 سندافع،في هذه المقالة، عن بعض مظاهر الوجه الايجابي لمقاطعة المواطنات والمواطنين المغاربة لبعض السلع، و التي يربطونها بالريع ( حالة سيدي علي) أو الاحتكار( حالة حليب سنترال وغاز افريقيا)، وفرضها لأثمنة لا تتلاءم مع دخول وقدرات المواطنين، في وقت عجزت الحكومة عن لجم هؤلاء إن لم تكن قد ساهمت في هذه الوضعية ( سياسة التحرير وتجميد مجلس المنافسة )!. ولكن قبل عرض حججنا، ارتأينا تقديم موضوعنا بالتعريف بتاريخ المقاطعة كفعل احتجاجي من قبل المستهلكين أو ضحايا شجع الملاك ( حالة الفلاحين الفقراء) في نطاق ما يسمى ب"الاحتجاجات المضادة للنظام" ، أو " مقاومة المستهلك" او " المستهلك – الفاعل". وينسب مفهوم المقاطعة (Boycott ) إلى المالك الثري في منطقة مايو بإيرلندة (Charles Cunningham Boycott – 1832-1897-) والذي قاد العمال احتجاجا على سوء معاملته لهم في العام 1879، وقاد هذا الاحتجاج قائد الحركة الفلاحية (-1864-1891- Charles Panell). لكن قبل هذا التاريخ ابتكر المستضعفون وسائل متعددة للتعبير عن احتجاجهم ضد شجع الملاكين الكبار، وفي هذا الصدد تتحدث الدراسات عن استدعاء التقاليد و الفلكلور الفلاحي ، وخاصة اللجوء إلى النميمة أو التهجم على الأشخاص؛ لأنها تشكل في الغالب سلاحا آمنا لا يعرف مطلقها ( ونجد نفس السرية توفرها اليوم شبكة الانترنت)، كما لجأت بعض الجماعات إلى السرقة من الأغنياء وتوزيع المسروقات على الفقراء، او قتل ماشية الأغنياء وتخريب ممتلكاتهم (ريتشارد اتش روبنز، المشاكل العالمية و ثقافة الرأسمالية،). وفي القرن العشرين ستتخذ المقاطعة طابعا سياسيا ووسيلة لرفض سياسات الدول أو الشركات، وتعتبر المقاطعة التي قادها الزعيم الهندي غاندي ضد منتوجات النسيج البريطاني في العام 1920 أهم تعبير سياسي عن هذا الشكل النضالي، و في أمريكا لجأ زعيم السود الأمريكيين مارتن لوثر كينغ إلى هذا السلاح في العام 1955 بإعلان مقاطعة شركة النقل في مدينة مونتغمري ( ألباما ) ضدا على ممارستها للتمييز العنصري . و في السبعينيات من القرن الماضي اتنشر سلاح المقاطعة ضد النظام العنصري في جنوب افريقيا، ولجأت المنظمات الفلسطينية وغيرها إلى إعلان سلاح المقاطعة ضد السلع الإسرائيلية خاصة منذ العام 2005. كما لجأت الدول من جهتها إلى هذا السلاح كمقاطعة الألعاب الأولمبية في موسكو في العام 1980ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان ( 67 دولة ) ومقاطعة القطب الشرقي لألعاب لوس انجليس في العام 1984 ( 19 دولة). بعد هذا التقديم نخلص إلى أن اللجوء إلى سلاح المقاطعة يعتبر مجرد وسيلة لتحقيق غايات قد تكون اقتصادية أو سياسية، في وقت عجزت فيها الوسائل الرسمية عن ممارسة الضغط. فما هي أهم إيجابيات المقاطعة في الحالة المغربية الحالية؟ 1- إذا كانت المقاطعة تعبر عن " أزمة" تعاني منها الشركات المنتجة للسلع موضوع المقاطعة ، من جهة، و"أزمة" للحكومة ( كصانع للسياسة العمومية الاقتصادية ) التي عجزت عن ممارسة سلطة الدولة في الممارسات التجارية وخضعت لمنطق السوق ، من جهة أخرى، فإن " الأزمة" ، في نظرنا المتواضع، ليست لها حمولة سلبية و إنما يتعين النظر إلى وجهها الإيجابي؛ فعند اليونان كان تعريف الأزمة يعني " القرار الحاسم"، مما يفرض على الشركات صناعة قرارات عقلانية تستشرف المستقبل وعدم الخضوع لإكراهات الظرفية، وذلك من خلال تواصل جيد ( يتجاوز منطق التخوين ) وتسويق فعال، وخاصة عرض المعلومة كحق أساسي من حقوق المستهلك. أما على مستوى الحكومة فقد أظهرت المقاطعة غياب ، أو تغييب، دور الدولة الضابطة من خلال مجلس المنافسة ، مما يفرض ضرورة العمل على إحياء هذه المؤسسة وتوسيع صلاحياتها التقريرية لمراقبة الارتفاع أو الانخفاض الفاحش في الأسعار للوصول إلى بناء نموذج اقتصادي قائم على الحرية و المنافسة ( كمبدأين منصوص عليهما في قانون حماية المنافسة والأسعار – جريدة رسمية عدد 4810 في 6 يوليو 2000- )، ولكن تحث مراقبة الإدارة – الواقعة رهن إشارة الحكومة وتحث تصرفها - التي يقع على عاتقها ضمان العيش الكريم و رفاهية المستهلكين و ضمان الشفافية و النزاهة في العلاقات التجارية ( كدولة تدخلية ) وليس فقط السهر على مراقبتهم وتخويفهم ( باللجوء إلى القانون – تحميل القانون دلالة سلبية كأداة للخوف كما هو الحال في أنظمة الاستبداد – حسب تصنيف مونتسكيو في روح الشرائع - أو الادعاء بمغادرة المستثمرين الأجانب كما لو أن المقاطعة لا توجد إلا في المغرب ( كدولة شرطي). 2- تعبر المقاطعة عن شكل من المشاركة السياسية، والتي تعني " النشاط الذي يقوم به مواطنون معينون بقصد التأثير على عملية صنع القرار" ( المعنى الحصري)، او " نشاط اختياري ناجح أو فاشل منظم أو غير منظم، وقتي أو مستمر، ويرتكز على أساليب شرعية أو غير شرعية يهدف إلى : - التأثير على اختيار السياسات العامة؛ - إدارة الشؤون العامة ( المعنى الواسع). وإذا عدنا إلى القانون المغربي فقد قيد المشاركة ، وما تعنيه من حرية التعبير، في قانون الحريات العامة ، والذي اثبتت الممارسة – كما ذهب إلى ذلك المجلس الوطني لحقوق الإنسان- تجاوز بعض مقتضياته القانونية والتي تحصر الحرية في المنظمات والهيئات المعترف بها قانونا، كما أن دستور 2011 جاء بمقتضيات جديدة بخصوص توسيع نطاق المشاركة، كتقديم العرائض و الملتمسات في مجال التشريع، لكن القوانين التنظيمية جاءت لتقيدها ، وتجعل هذه الحقوق حكرا على المسجلين في اللوائح الانتخابية ، مثلا لا يتجاوز عددهم 15 مليون مواطن ومواطنة مغربية، مما يعني حرمان أوسع الفئات من المشاركة. وعليه، فإن نتيجة هذه القيود هي بحث المحرومين والممنوعين عن آليات أخرى للمشاركة السلمية والديمقراطية ، ومن بينها توظيف ما تسمح به التقنيات الحديثة للاتصال من قرب ومن سرعة، ومن "شعور الناس المنفصلين جغرافيا بأنهم يتحركون وفق إيقاع مشترك"، ومن انفتاح للتعبير عن حقهم في إدارة شؤونهم المشتركة، ومصيرهم الزمني؛ ذلك لأن "لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده" ( المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية). وعليه، فإن الوجه الإيجابي للمقاطعة هو دفع صانعي القرار التشريعي إلى إعادة تنظيم مجال الحقوق والحريات يأخذ بالاعتبار التحولات الجديدة، ويوسع من مجال الحريات ويقلل من تقييدها أو تجريمها بنص القانون، كما عملت الحكومة الفرنسية في عهد ساركوزي بإصدار الوزيرة (Michèle Alliot-Marie) دورية (12 فبراير 2010) تجرم الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية بالرجوع إلى الفقرة 8 من المادة 24 من قانون 29 نونبر 1881 القاضية بمنع التمييز، وما أسفرت عنه من جدل قانوني وفقهي وحقوقي في فرنسا. مما يبين حدود المقاربة القانونية التقييدية والزجرية، خاصة أمام اتساع نطاق الدعوة إلى المقاطعة مما يفرض البحث عن قوانين لا تكتفي بالتصريح بالحرية وإنما تعترف بها وتضمنها، وأن يكون القيد الوحيد هو عدم الدعوة إلى العنف الذي لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه. 3- أظهرت المقاطعة وجها سلبيا للتواصل مع المواطنين، سواء من قبل بعض ممثلي الشركات ( نعث المقاطعين بالخونة ) أو بعض أعضاء الحكومة ( نعث المقاطعين بالمدوخين )، مما يبين أن الفاعل الناجح ليس من يدبر اليومي، وإنما القادر على تدبير الأزمة فالفاعل هو من يتصرف في وضعية ( على حد تعبير- Michel CROZIER , Erhard FRIEDBOURG)؛ مما يبين الوجه الإيجابي وهو الحاجة إلى إعادة النظر في التواصل السياسي المعمول به من قبل الفاعلين، خاصة السياسيين. وعليه، فإن المقاطعة تدعو صاحب القرار السياسي أو الاقتصادي إلى اقتناص هذه اللحظة لا يمنطق الربح أو الخسارة، وليس بمنطق النعامة ، وإنما بمنطق استشراف مستقبل يخدم المنتج و المستهلك، اليس هذا الأخير ملكا؟. وإلا سنقع في ما قاله قصير بن سعد للملك جديمة بن الأبرش – وكان مستشارا له – " أبطأ الجواب حتى ذهب الصواب". وكما تقول الحكمة : " ثلاثة أشياء لا تعود: الكلمة إذا خرجت، والزمن إذا مضى، والثقة إذا ضاعت"! · أستاذ القانون العام - جامعة ابن زهر – اكادير