لم يكن الاعتراف الأولي بالأمازيغية (في عهد الحسن الثاني رحمه الله)سوى إرهاصات تناهت إلى علم زعيم حزب سياسي معروف بتندره؛فنادى بعض الشباب المتحمسين للأمازيغية وخاطبهم: "راه سيدنا كيفكر فيكم واش عنكم شي حاجة ولا غي الهدرة؟" أروي هذا عن عضو مستقيل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. هكذا ابتدأت – وبكل بساطة-الأمور ؛ليرتقي الأمر إلى ظهير 17 اكتوبر2001؛ المحدث للمعهد المذكور؛حيث يتم التصريح في " الأسباب الموجبة" على الطابع ألتعددي للهوية الوطنية: أما روافد هذه الهوية فهي: "الأمازيغية,العربية, الصحراوية,الإفريقية و الأندلسية." لا حظوا ,يا من تقولون حاليا بالتراتبية المغرضة في الدستور الجديد, كيف أن الظهير قدم الأمازيغية على العربية ؛ولم يحتج وقتها العروبيون – حسب تسميتكم لمن خالفكم الرأي- كما تفعلون الآن ؛لأن الانصهار هو الغاية والمآل:تصير ألوان الطعام إلى لون واحد أثناء الهضم ,ولا أهمية لما تقدم أو تأخر. ولم يلتفت أحد ,وقتها, إلى باقي الروافد ,كما يفعل بعضكم الآن ليقول بتعويم لغة "يوغرتن" والنيل من ترانيم الكاهنة " ديهيا". قلنا كلنا بأن الظهير الملكي حصل الحاصل ؛فلماذا تحصلون اليوم ما تفرقون به بين المرء وأهله؟ وينص الظهير,أيضا, على أن "الاعتراف بمجمل الإرث الثقافي ,واللغوي لشعبنا يقوي الوحدة الوطنية ويعزز الهوية " ثم يمضي الظهير في رسم خارطة طريق ديداكتيكية ,كان عليكم أن تفعلوا مدلولها فقط ,وأن تجعلوها " قيد الأوابد" كفرس امرئ القبس : - إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية. - تسهيل تدريسها وتعلمها وانتشارها. - جعل الثقافة الأمازيغية في متناول أكبر عدد من الأشخاص. - دراسة التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية - بناء برامج في الشأن المحلي والحياة الجهوية.في انسجام مع السياسة العامة للدولة في مجال التربية. - تعزيز مكان الأمازيغية في مجال التواصل والإعلام. مضت عشر سنوات على اشتغال المعهد ؛فإلى أية منحدرات جنحت خيول "يوغورطا"؟ بخصوص الإدراج في المنظومة التربوية ,تتعلل أدبيات المعهد, المنشورة, بكون الوزارة المعنية " همت بها" لكنها لم تنشط لها,إن لم تكن عرقلت. ومن موقعي كمفتش تربوي أمازيغي عايش التجربة ,منذ البداية, أشهد أن هذا غير صحيح ؛فقد كان على الوزارة أن تصدر النصوص التنظيمية ,وقد فعلت, ولم يكن عليها أن تبحث في الديداكتيك ,وبناء البرامج ,لأن هذا من اختصاص المعهد بنص الظهير. ولم يكن عليها أيضا أن تبشر ,وتحسس ,وتؤلف القلوب , وتراود لأن هذا شأن المعهد أيضا ورجاله. أذكر أن مديرا سابقا لأكاديمية تطوان ,استشارني – ذات لقاء رسمي- في شأن حالة التوقف التام التي تعيشها أكاديميته,فيما يخص الأمازيغية كمادة دراسية؟ أجبته مازحا: اذا كان الأمر عندكم ,كما في نيابة وجدة أنكاد,حيث لا زمت مذكرة الأمازيغية طاولة للمفتشين ,دون أن يقرأها أحد , ودون أن يمزقها أحد؛فسبب الفشل مفهوم. نعم عشت هذه الحالة ؛وأكثر من هذا ,ذات صباح ,ودون أدنى استشارة أو مقدمات,طلب مني مسؤول بالنيابة أن أحل المشكل العويص , بتحمل مسؤولية هذه اللغة في النيابة . تعجبت كيف يطلب مني أن أنتقل من الثانوي الى الابتدائي هكذا ارتجالا ,وخرقا للمراسيم . لما خمن المسؤول ما أفكر فيه قال لي مشجعا : لا عليك افعل بها ما تشاء أولا تفعل المهم أرحنا منها. كان جوابي ,الذي لا يزال يشكل قناعتي اليوم : ليس الأمر بهذه البساطة حتى بالنسبة للمنظومة القائمة فكيف بمنظومة جديدة.؟ من يتحمل المسؤولية ,في هذه الوضعية,التي تستنسخ مثيلاتها في أرجاء الوطن كله؟ لا أراه إلا تسرعكم ,في المعهد, وتهافتكم على الدعاية قبل الرعاية: أرسلتم عساكر إلى ساحة الوغى دون أسلحة. تهافتكم هو الذي جعلكم تختصمون ,وتتخندقون ,ويقرر بعضكم مغادرة سفينة "سيفاو" قبل أن يضبطها حرس السواحل ,متلبسة وها قد حصل. من أبجديات العمل الديداكتيكي – في مجال بناء البرامج - الإفاضة في النقاش مع الفاعلين ؛وبعد بناء البرامج ومناقشتها و تأليف الكتب المدرسية ,القيام بحملات تحسيسية بين الأساتذة حتى نضمن سلاسة الانتقال من البرنامج القديم إلى الجديد ؛وبعد مرور المرحلة التجريبية نعمد إلى تقويم الحصيلة؛ وتصويب التسديد ,وهكذا. هذا في ما له سند ,وأسس يقوم عليها ,فكيف الأمر حينما يتعلق بمادة جديدة ,بقضها وقضيضها. لم تزوروا القبائل الأمازيغية لتجميع مترادفات اللفظ الواحد ؛وعدم فرض اسم " ثاموكايث" على قوم يسمون البقرة " ثافوناسث"( مثلا) هذه من أخطائكم ,ولعل غير العارف بالخبايا يصدقكم حينما تتهمون الوزارة بالتقصير. طلب منكم الظهير الشريف أن ' تسهلوا تدريس الأمازيغية" ولم يطلب منكم أن " تفنغوها".وطلب منكم تسهيل انتشارها – طبعا لدى غير الأمازيغ- ولم يطلب منكم العودة بها الى عصر ' عليسة" حتى تنفردوا بها ؛ولا يزاحمكم أحد. لقد عبر الكثيرون على رغبتهم في تعلم الأمازيغية ,لكن ليس ب "تفنقث". وأقسم الكثيرون من الآباء ألا يجاروكم في إحياء الحرف الحجري. انه متروك لكم ,ولعلماء اللغات القديمة ,ولليونسكو ؛أما أبناؤنا فنحب أن نركز معهم على المضمون وليس الشكل. وحتى من وجهة نظر اقتصاديات التربية يبدو من التبذير العدول عن حروف متعلمة ,ومؤدى عن تعليمها ,إلى حروف تكلف الخزينة ميزانيات لا قبل لها بها. أهملتم كلية بناء البرامج في الشأن المحلي والجهوي – وهو مما ينص عليه الظهير- ولا أعتقد أن النص الملكي ينتظر منكم بناءها بتفنقث ؛ولا أنتم تستطيعون ذلك. لو تخلصتم من فوبيا الحرف العربي لكان هذا ممكنا. لقد درست في زمن بناء المعلمين لبرامج في الجغرافية المحلية ,في غياب تام للكتاب المدرسي. كنا نفعل ذلك وبتفوق. و لازلت أتذكر دروسي الجغرافية التي ألفتها بمدينة جرادة المنجمية. لو طلبتم من الأستاذ الأمازيغي – ابن البلد - في قبيلة "أولاد سيدي زكري" – مثلا-أن يتناول جوانب من الشأن المحلي في دروسه لسهل عليه الأمر ؛لوفرة المحتوى الممكن تدريسه ؛لكن مع جمارك تفنقث لا أراه يصل. ثم تصوروا التلميذ يقبل على شأنه المحلي بأمازيغيته هو , وحرفه العربي ؛لا شك أن الحصيلة ستكون مرتفعة. نحن تقاعدنا ,ديداكتيكيين- فلا تداهمونا بخيول يوغورطا. المتن الملكي – والآن الدستوري- واضح الدلالة. لم يزد الظهير الشريف عل أن قال: " دراسة التعابير الخطية ,الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغة" التسهيل هنا هو "مناط الحكم" فلم اخترتم سبيل التعسير والتشرنق؟ تركتم التأسيس السليم ,والناضج, لتحقيق الأهداف المرسمة وسارعتم إلى صياغة مبادئ خاصة بكم ؛في وجود مبادئ وطنية يشتغل عليها نظامنا التربوي ,منذ الاستقلال: التعميم. الإلزام. المعيارية.تفناغ. هذه هي مبادئكم,التي لم يطلب منكم الظهير بلورتها ,بل طلب منكم الالتزام بالسياسة التربوية للدولة ؛كما هي قائمة قبل المعهد. هذه المبادئ ,التي مررتموها ,في غفلة منا ,انقلاب كامل على رهاناتنا الثقافية واللغوية : ليس لكم الى التعميم والإلزام من سبيل ؛فمتى مزغتم الناس قسرا وهم أحرار في تعلم ما يحبون. اللغة المعيارية التي تقولون بها ,محض وهم ؛فحتى أبقار قبيلتي ( افوناسن) لا ترضى عن تسميتها بديلا. سموا الطائرة كما تشاؤون (ثابلالت ,ثافرفارث)ما دامت من المستحدثات الحضارية أما عدا هذا فلا أحد يرضى عن لهجته بديلا. لم يحصل ,إطلاقا ,أن زرتم قبائل الكتلة الزناتية ,في الجهة الشرقية,لتقفوا على رأيها :قبائل :بني يزناسن, بني بو زكو,الزكارة,بني يعلا,أولاد عمرو,وغيرهم. لم تنتقلوا الى الجنوب الشرقي – على غرار رحلات علماء اللغة الأقدمين- لتقفوا على اللهجة الصنهاجية في فكيك ونواحيها. لم تغادروا خلوتكم ,في المعهد, وكراسي المقاهي المكيفة في العاصمة ؛في الوقت الذي استبشر المغاربة جميعا بجوهر الظهير الملكي ,وفرحوا لأن كل واحد منهم سيجد نفسه فيه. لم تزيدوا على إغلاق النوافذ و الممرات. بحثت في الاختصاصات المنصوص عليها في هيكلة المعهد فلم أجد ذكرا لتثبيت اللحمة بين الأمازيغية والعربية ؛لأن كل فرائصكم كانت ستنتفض لو أثير في جمعكم هذا الأمر. بحثت عن التقعيد الميداني للمعيارية – جبرا للخواطر على الأقل- فلم أجد غير لغة المبادئ ذات الإكراه. لا إكراه حتى في الدين يا محتكري الشأن الأمازيغي. ولا أقول الأمازيغ لأن إثبات هذا متعذر.أن نقول بأننا جميعا " عرمزيغ" أفضل وأصح. ماذا أنتجت هذه المبادئ المتطرفة ؟ أعرف أن ما بين المعهد و" غلاة تفناغ" مسافة ؛لكن حينما ندقق في الإستراتيجية التي رسمها ,وأسس عليها اشتغال هيكلته,سنجده – بدرجة أو بأخرى-ضالعا في ما آل إليه الأمر لدى الغلاة: ربط خطاب المعهد بخطاب الكونغرس الأمازيغي العالمي ,بكل طموحه العرقي الذي يسير ضد تيار العولمة. لم يجد الشباب ,الذي تربى من خلال أطروحات النافذين في المعهد, من رفع علم هذا الكونغرس ؛في شوارع مدننا الكبرى والصغرى . هكذا دون أن يخجلوا من حمرة علمنا الوطني . حينما يرسم الصهاينة خريطة إسرائيل الكبرى ,لا يتوانون هم في قلب نفس الصفحة ليرسموا عليها خريطة تامزغا الكبرى. التنكر لقضية الأمة العربية والإسلامية الأولى ,وتقبيل يد تسيبي ليفني الملطخة بدماء الفلسطينيين. سكوت المعهد – حسب علمي- عن الإدانة ؛في مقابل نشاط السيد بوكوس في الرد على النقاش الدائر حول الحرف " المزغوب". أما كان أولى طمأنة المغاربة على أن سفينة المعهد لا تغيير عليها جيوش "ما سينيسا"؛وأن الأمازيغيين الذين تخلصوا منذ القديم من اليهودية لن ينكصوا ,ويولوا الأدبار؟ المجلس الأعلى للغات والثقافة قادم ل: يقوم الخلل الاستراتيجي للمعهد ؛ وأداءه الديداكتيكي ؛وأعتقد أن تخوفات السيد بوكوس- وأنا اقدر جهوده ومكانته العلمية- في محلها بخصوص مستقبل أداء المعهد ,فقط عليه أن يستحضر -حينما يطالب السلطتين التنفيذية والتشريعية بمراعاة مكاسب اللغة والثقافة الأمازيغية التي تحققت – أنهما سيستحضران أيضا إخفاقات المعهد التي كبدت الخزينة أموالا باهضة؛ وكل الانحرافات المستهجنة التي بدأت تطفوا على السطح لدى محتكري الشأن الأمازيغي؛دون أي استنكار علني من المعهد. وأختم بالقول :إن د سترة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ,الذي تشترك بعض اختصاصاته مع اختصاصات المعهد ؛وتعلوا عليها طبعا؛رسالة مفهومة من المشرع : عدم الرضا على كل ما أنجزه المعهد ؛وطمأنة المغاربة بأن القلة لن تعبث بحقوق الأغلبية ,وأن الحديث عن مبادئ الإلزام والتعميم والمعيارية وتفناغ أخرسه الفصل الخامس من الدستور. في أمر حيوي بالنسبة لهويتنا ,ولغاتنا, نطالب بإعادة النقاش الديداكتيكي ,بجميع اشتغالا ته؛ بما فيها قضية الحرف. لم ينته شيء ,ولم يتقرر شيء,لأن الدستور يجب ما قبله. ونطالب بعدم اقصاء أمازيغية الكتلة الزناتية (وهي غير تاريفيت) من المعهد. فقط يجب أن نعاود النقاش ,فريقا واحدا,وليس فرقاء. الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها.