10 ديسمبر, 2017 - 12:35:00 هل سيحصل لحزب العدالة والتنمية ما حصل خلال العقود الأخيرة في المغرب للأحزاب الأخرى التي شاركت في الحكم، أي الضعف والتبعية للنظام بعد القوة والاستقلالية عن الحكم؟ لقد رأت فعلا كبريات الأحزاب الوطنية نسيجها الاجتماعي يترهل وشعبيتها تضعف لتخور قواها التنظيمية في الأخير. فماذا كانت النتيجة؟ أصبح زعماؤها يتصارعون على الكراسي الحكومية أكثر مما يقارع بعضُهم البعض بالأفكار والبرامج كما أصبح الأعيان – عوض المناضلين- يشكلون القوة الضاربة أثناء مؤتمراتها الإقليمية ثم الوطنية واجتماعاتها التعبوية ثم التقريرية. وهنا يتبادر لذهني ماسماه ابن خلدون «بأطوار الدولة» أو ما يمكن أن نعبر عنه، نظرا لموضوع مقالنا، «بالدورة الحزبية». فابن خلدون يشبه حياة السلالات الحاكمة أوالدول بحياة الإنسان الفرد. حيث يمر هذا الأخير من الطفولة وهي توافق مرحلة التأسيس بالنسبة للدولة، ثم يأتي الشباب (القوة والعنفوان والتوسع) ثم الشيخوخة والوهن فالاندثار. والعصبية عند ابن خلدون عامة وخاصة: فلما تحصل الغلبة لعصبية خاصة أي لما تحصل هاته على المُلك وتسيطر على أجهزة القرار فإن العصبيات الخاصة الأخرى تخضع لها على مضض حفاظا على الذات أو تتحالف معها لاقتسام المنافع منتظرة ظروفا أفضل للانتفاض عليها وتعويض مُلكها بمُلك جديد. وحتى لا نطيل وندخل في تفاصيل المقاربة الخلدونية المتشعبة فإن ما يعنيه المؤرخ المغاربي الكبير بالعصبية العامة هي في سياقنا المغربي الملَكية وامتدادها الاجتماعي والسياسي، أي المخزن والبنية الاقتصادية المرتبطة به. ولنسمي الأحزاب عصبيات خاصة. في المنظار الخلدوني لما تنتقل الرئاسة من عصبية خاصة إلى أخرى يمكن ألا يؤثر ذلك كثيرا في الاستقرار والمصالح العامة أو فلنقل في نوعية اشتغال النظام العام (The Operation of the System). وكما يقول محمد عابد الجابري إن المسألة «لا تتعلق بدورة تاريخية اجتماعية كما قد يتبادر لذهن الكثيرين وإنما يتعلق الأمر فقط «بدورة عصبية»، أي بانتقال الحكم والسلطة من عصبية إلى أخرى مماثلة داخل عصبية عامة واحدة [...] أما إذا انتقل الحكم من عصبية عامة كبرى إلى أخرى مماثلة لا تربطها بها أي رابطة عصبية، فحينئذ يكون الخلل الذي يصيب العمران عظيما وكبيرا.» انتهى كلام الجابري. إن النخبة الحاكمة في المغرب منذ الاستقلال تريد، بوعي أو لا وعي، تطبيق ما يشبه النظرية الخلدونية وذلك عبر الدورات الحزبية عوض «الدورة العصبية». وإذا ما بدا لها أن شباب وعنفوان دورة حزبية قد طال أكثر من اللازم فإنها تتدخل لإنشاء عصبية مضادة وهي في حالتنا هذه، حزب الأصالة والمعاصرة. وتُظهر التجربة التاريخية للمغرب المستقل أن من مميزات العصبية المضادة – المخلوقة خلقا – أن يكون لها محتوى أيديولوجي مناقض. فلمقاومة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خُلق حزب «ليبرالي» هو التجمع الوطني للأحرار (السبعينيات). وللوقوف في وجه حزب الاستقلال الوطني العروبي والحضري، أُنشيء حزب «أمازيغي» وقروي هو الحركة الشعبية. ولإضعاف حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ، بادرت الدولة إلى التشجيع على خلق الأصالة والمعاصرة. والأخير «علماني» إلا فيما يخص إمارة المؤمنين و»تقدمي» إلا فيما يخص فصل السلطات وتوزيعها بين الملك والبرلمان والحكومة، فرأيه أن يبقى القصر متحكما في القرار حتى لا يخرب العمران وحتى تبقى «العصبية العامة» بمنأى عن أي تغيير أو تطوير. وهل يمكن أن نجيب الآن عن السؤال المركزي الوارد في العنوان، أي هل ستنجح الدولة في المرور بالعدالة والتنمية من مرحلة الإدماج الابتدائي في النظام إلى تذويبه في بنيته أي إلى اندثاره كقوة فاعلة ومستقلة؟ سيكون من المجازفة طبعا الجواب سلبا أو إيجابا بطريقة واضحة ونهائية. إلا أن هناك مؤشرات عديدة أصبحت بادية للعيان، على الأقل منذ 2016 ، تدل على أن هناك شبه اتفاق داخل النخبة المتحكمة في القرار أن الوقت أتى للتخلص من حزب العدالة والتنمية كحزب مستقل. فمن يمثل هذه الاستقلالية الآن هو الأمين العام عبد الإله بنكيران، ولكن ضغط النظام مستمر منذ أكثر من سنة وبكل الأشكال والوسائل «لإقناع» الحزب المشرف على تنظيم مؤتمره الوطني بضرورة دفع بنكيران نحو باب الخروج. إن مسؤولين حزبيين عدة قد صرحوا في اجتماعات داخلية لهيئات العدالة والتنمية تسرب ما جرى خلالها إلى الصحافة، بأن الاحتفاظ بعبد الإله بنكيران يعني الصدام لا محالة مع الدولة. كما أن الإعلام الرسمي وكذلك الصحافة القريبة من أجهزة الداخلية تشن منذ مدة طويلة حملة تشويه وتشهير ضد الأمين العام والقياديين الذين يدافعون عنه كعبد العلي حامي الدين وعبد العزيز أفتاتي. - المصدر: عن موقع "القدس العربي"