بدأت بعض معالم مشروع الدستور الجديد تظهر في الأفق، ومن خلال ما تسرب من معلومات عن اجتماع المستشار الملكي، محمد معتصم، ورئيس لجنة تعديل الدستور، عبد اللطيف المنوني، بقادة الأحزاب، يمكن القول إن «مشروع الدستور الجديد إذا عرض على الاستفتاء، كما بسطه المنوني ومعتصم في اللقاء المذكور، فإنه سيكون دستورا يضعنا على مسافة من الملكية البرلمانية التي نادى بها شباب 20 فبراير، وقبلهم نادى بها أكثر من حزب سياسي، وفي مقدمتها اليسار الاشتراكي الموحد والاتحاد الاشتراكي وحزب الطليعة، وإلى حد ما حزب العدالة والتنمية (مواقف هذا الحزب مرتبكة، فالوثيقة التي قدمت باسمه إلى لجنة المنوني تصب في اتجاه الدعوة إلى الملكية البرلمانية، لكن تصريحات أمينه العام، عبد الإله بنكيران، تذهب في اتجاه ملكية شبه تنفيذية يلعب فيها «الإمام» أدوارا مركزية، على حد تعبيره). فإذا كانت الأحزاب السياسية شبه متفقة على بقاء المجالين الديني والعسكري بين يدي الملك، فإن استمرار ترؤس هذا الأخير للمجلس الوزاري الذي تصاغ فيه القرارات الكبرى يجعل الملك جزءا من السلطة التنفيذية، علاوة على بقاء يده في السلطة القضائية، من خلال تعيين رئيس مفوض للمجلس الأعلى للقضاء... وهذا أمر يحتاج إلى توضيح لأن له علاقة حساسة بأول مبدأ توضع من أجله الدساتير، وهو مبدأ الفصل بين السلط، وربط المسؤولية بالمحاسبة، كما جاء في الخطاب الملكي للتاسع من مارس، والذي يبدو أن لجنة المنوني تصرفت فيه، أي الخطاب، على ضوء المتغيرات السياسية الراهنة... على كل، مازال الوقت مبكرا للحكم على مشروع الدستور الذي حمل عدة تغييرات إيجابية، وعزز من سلط رئيس الحكومة والبرلمان، ودفع إلى الأمام بمطلب استقلال القضاء ولو نسبيا... الآن ما هو مطروح، وبإلحاح، هو أجندة الإصلاحات السياسية التي ستواكب مشروع الدستور الجديد، أي السكة التي سيوضع فوق قضبانها قطار الدستور... فإذا كانت هذه السكة «محفرة» أو صدئة أو بها كسور، فإن سلامة القطار وركابه ستكون في خطر... الدستور نص، والسياسة والنخب والإدارة والتنافس المفتوح والشريف على السلطة والثروة، كل هذه العوامل هي التي تعطي الروح للدستور، وتمنحه التأويل الديمقراطي أو غير الديمقراطي في المعيش اليومي... لقد نص دستور 1992 على حق الوزير الأول في اقتراح الوزراء على الملك، لكن الممارسة كانت في واد آخر لا علاقة له بالنص، وقد شهدنا وزراء يدخلون إلى الحكومة بدون علم الوزير الأول، ولا حتى علم زعيم الحزب الذي يُصبغ بألوانه الوزراء الذين يسقطون بالمظلات فوق كراسي الحكومة (مثل وزير المالية الحالي صلاح الدين مزوار، ووزير السياحة ياسر الزناكي، ووزير الفلاحة عزيز أخنوش...)، دع عنك وزراء «السيادة» الذين يتحكمون في ثلاثة أرباع اختصاصات الحكومة... لا بد من وضع قوانين انتخابية جديدة، وتقطيع انتخابي جديد، وضمانات نزاهة جديدة للاقتراع العام، وتشديد الرقابة والعقاب على المال وألاعيب الأعيان الذين اختطفوا الأحزاب إلى مغاراتهم، ولا بد من حل إشكالية إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، فأول أمس قال نبيل بنعبد الله، في ندوة بالدار البيضاء: «لا يمكن بناء مؤسسات جديدة عبر الإدارة الترابية القائمة (وزارة الداخلية)، حيث نجد أغلب الولاة والعمال بمثابة كتاب جهويين لحزب معين»، والجميع يعرف من يقصد بنعبد الله... هذا نموذج فقط عن إشكالات الإصلاح السياسي، وإلا فإن مجالات عدة ومناخا كاملا يجب أن يتغيرا بالموازاة مع وضع دستور جديد، حتى لا ينطبق علينا مثَل مغربي دارج يقول: «العكر فوق الخنونة»...