صبر الدولة نفد بسرعة كبيرة تجاه مسيرات 20 فبراير.. ضاق صدرها وتحركت العصا في يدها، وتصورت أن الربيع انتهى وحل محله الخريف، وأن الإصلاحات الموعود بها في طريقها إلى التطبيق، وهذه الإصلاحات لا تحتاج إلى مسيرات ولا إلى ضغط أو تفاوض أو نقاش أو اعتراض... على شباب الربيع الديمقراطي المغربي والمتعاطفين معهم الرجوع إلى بيوتهم، وترك السلطة تقوم بعملها وترتب مع الأحزاب التقليدية والعاجزة شكل المرحلة المقبلة وخارطة الطريق للخروج من العاصفة بأقل تكلفة ممكنة... السلطة تعودت على موت الشارع، وعلى الاشتغال بلا ضغط ولا تفاوض، والأحزاب عودت السلطة على الخنوع وعلى القبول بالفتات الذي ترميه لها، بل إن جل الأحزاب والنقابات أصبح جزءا من مشروع الدولة وخطاب السلطة... لهذا فإن شباب حركة العشرين من فبراير يشكل وسيشكل صداع رأس لا يُحتمل لعقل السلطة التي لا تريد أن تغير من نمط تفكيرها وأسلوب اشتغالها. إن قمع الشباب وإهانتهم ومس كرامتهم سيدفعهم إلى رفع سقف مطالبهم، وإلى التجرؤ على رموز الدولة وثوابتها. لقد بدا واضحا منذ اليوم الأول لميلاد هذه الحركة أن مطالبها إصلاحية، وأنها تريد التغيير داخل النظام لا خارجه، وأنها سلمية ومدنية، ووجود اليسار الراديكالي أو ناشطي العدل والإحسان وسط صفوفها لا يؤثر في جوهر مطالبها ولا في شعاراتها... الحركة التي خرجت في أكثر من 100 مدينة وقرية لم تعتد على ممتلكات عمومية ولا خاصة، ولم تنشر الفوضى، والأحداث المعزولة التي وقعت في شمال المملكة لم تخرج من وسط الحركة، بل إن هذه الأخيرة أدانتها وتبرأت منها، لهذا فلا تفسير لعنف الدولة تجاه مسيرات الحركة سوى أن هناك أجندة أخرى دخلت على الخط بعد الأجندة التي أعلن عنها الملك في التاسع من مارس الماضي. لا بد من الرجوع إلى صوت العقل، والكف عن ترديد المعزوفات الأمنية القديمة التي تقول إن السلطة تقمع اليسار الراديكالي وناشطي العدل والإحسان الذين يريدون الركوب على مطالب الحركة... هل هذا معقول؟ أولا من حق نشطاء اليسار الراديكالي، كما اليسار الناعم الذي لا يجرح خد وردة، أن يتظاهروا وأن يطالبوا بالتغيير الذي يوافق هواهم، ومن حق الإسلاميين، متشددين كانوا أم معتدلين، سلفيين كانوا أم ليبراليين، أن ينزلوا إلى الشارع، فالديمقراطية تفتح ذراعيها للجميع، وتقبل حتى بالذي يكفر بها أو ببعضها. شيء واحد لا تقبل به الديمقراطية، هو العنف والاعتداء على حرية الآخرين. ثانيا: حركة 20 فبراير لم تُختطف من قبل أحد. نعم يشارك فيها اليساري والليبرالي والإسلامي والذي لا لون إيديولوجي له، والفرز الذي يريد صقور السلطة أن يزجوا الحركة فيه مجرد مناورة صغيرة. حركة 20 فبراير حركة العودة إلى السياسة التي هجرها الشباب في شتنبر 2007، وحركة الأمل في تجربة أخرى للانتقال الديمقراطي بعد فشل التجربة الأولى التي قادها عبد الرحمان اليوسفي مع الراحل الحسن الثاني، وماتت على يد أقطاب العهد الجديد، فلا تدعوا أغصان الزيتون تسقط من أيدي الشباب.