* 18 ديسمبر, 2016 - 05:48:00 هل أخطأ المجلس الأعلى للتعليم في رأيه الاستشاري بإقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي؟ أم أن هناك حاجة اليوم إلى فتح ورش إصلاح التعليم، و مناقشة مسألة التمويل، في إطار حوار و طني يشارك فيه الجميع؟ مساهمة متواضعة منا في هذا النقاش نطرح الأسئلة التالية: هل نتفق أم لا مع دعاة نهاية التزام الدولة / الحكومة ، خاصة الليبرالية الجديدة و الحركة الليبرتارية؟ ما موقع المغرب في سياق الجدل العالمي حول السوق أم الدولة؟ هل يتعين تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين و المخطط الاستعجالي ؟ أم ضرورة إعادة النظر فيها؟ نتلمس محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة وفقا للخطة التالية: أولا: السياق الدولي: التعليم العالي بين السوق و الدولة. ثانيا: السياق الوطني: تمويل التعليم و ضرورة الحوار الوطني. أولا: السياق الدولي: التعليم العالي بين السوق و الدولة يدخل النقاش ألذي أثاره المجلس الأعلى للتعليم و ورفضه من طرف النقابة الوطنية للتعليم العالي ، في إطار الجدل على المستوى العالمي حول علاقة التعليم العالي بقانون السوق، و هو النقاش الذي فتحته اليونسكو في نشرة التربية اليوم عدد رقم 3 ، أكتوبر – دجنبر2002 و ذلك تحث عنوان : " التعليم العالي للبيع" من خلال محاولة الجواب عن الأسئلة التالية: يدخل التعليم العالي ببطء عالم السوق. فهل يتعين علينا أن نخاف من هذا التطور أم أن نتحمس له؟ هل جعل مواد التعليم سلعا يشكل طريقة لتأمين التعليم للجميع؟ وقد جاء ذلك في سياق الانتقال من التربية كحقل مرتبط بالسوق إلى التربية كبضاعة، ففي أمريكا الشمالية، يشير Ricardo PETRELLA، يجري الحديث عن: "سوق التربية"، "أعمال التربية"، "سوق المنتوجات والخدمات البيداغوجية"، "المقاولة التربوية". وفي هذا الصدد نظم أول سوق للتربية (World education market) بمدينة فانكوفر (VANCOUVER) بكندا أيام 23 و27 ماي سنة 2000. وفي هذا السياق جاء اهتمام منظمة التجارة العالمية بهذا القطاع المربح و اعترافها بأربعة أنواع من الخدمات التجارية عبر الحدود كمجالات للتفاوض، و هي: 1- تعتبر الدراسة في الخارج تصديرا للخدمات التربوية ، مما يفرض إزالة الحواجز أمام حراك التلاميذ. 2- العرض عبر الحدود بما يعنيه من بيع الدروس على شبكة الإنترنت ... 3- التواجد التجاري بفتح مدارس التدريب الخاصة التابعة للشركات الأجنبية. 4- توظيف أساتذة أجانب . كما أن منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية أدرجت ، ومنذ 1994 ، قطاع التعليم ، خاصة التعليم العالي، على لائحة الخدمات التي يتعين خوصصتها. وعلى المستوى النظري يعتبر الاتجاه الليبرالي أهم مدافع عن خوصصة التعليم في إطار مناداته ب"دولة الحد الأدنى للتدخل" ( Etat minimal) مع دعاة الليبرالية الجديدة –F-V-HAYEK وMilton FRIEDMAN) أو المناداة ب " مجتمع بدون دولة " مع دعاة الحركة الليبرتارية ، خاصة مع Murray Newton ROTHBORD ( 1926-1995 ) و هو اقتصادي و سياسي أمريكي و أحد منظري المدرسة النمساوية للاقتصاد ، و قد عرض أهم أفكاره في كتاب " أخلاق الحرية" . و إلى جانبه هناك David FRIEDMAN( 1945...) و هو أستاذ بجامعة شيكاغو عرض أهم أفكاره في كتاب " مجتمع بدون دولة " ( 1992)، مدافعا عن خوصصة كل الوظائف الحكومية بما فيها خوصصة القانون و الشرطة ، و في هذا الاتجاه اعتبر الأذون المدرسية بمثابة بداية خوصصة النظام التعليمي . بالمقابل دعت الاتجاهات المناهضة لما تسميه بالليبرالية المتوحشة إلى إعطاء الأولوية للسياسة باعتبار التعليم شأن الدولة، و لا يمكن إخضاعه لمنطق السوق و جعل المؤسسات التربوية شبيهة بمطاعم الوجبات السريعة مثل " ماكدونالد". في خضم هذا الجدل، و خاصة بصدد بحث مسألة تمويل التعليم العالي من طرف الدولة أم الحاجة إلى مساهمة الأسر عبر رسوم التسجيل، حاول تقرير المؤتمر العالمي للتعليم العالي – اليونسكو ، باريس، غشت 1998- عرض الحجج المؤيدة لفرض هذه الرسوم و الحجج المعارضة لها ( الفقرة 183) ليخلص ( في الفقرة 189) إلى أنه : " في مواجهة تعدد الاحتياجات ؛ فإن مشكلة التمويل تدعو إلى القلق على نحو متزايد. و من المهم التذكير بأن الحكومات تتحمل المسؤولية الرئيسية في هذا الصدد، و لكن من المهم أيضا أن تظهر مؤسسات التعليم العالي كفاءة مهنية حقيقية ( و أن تدرب موظفيها تبعا لذلك ) في إدارة الموارد الموضوعة تحث تصرفها، و أن تظهر كذلك قدرا كبيرا من الخيال في توليد الموارد التكميلية التي لا غنى عنها". من خلال هذا الاقتباس يتضح التأكيد على مسؤولية الحكومة، و اجتهادها في البحث عن الموارد. فأي واقع في المغرب؟ ثانيا: السياق الوطني: تمويل التعليم و ضرورة الحوار الوطني تعد مسألة تمويل التعليم ، عامة ، و التعليم العالي، خاصة، من بين أهم القضايا المثيرة للجدل في المغرب إلى جانب لغة التدريس في عصر يتجه نحو مجتمع المعرفة حيت تعد اللغة الانجليزية مصدرا للتنافسية. لذلك لبحث هذا الموضوع لابد من الرجوع إلى و وثيقتين مرجعيتين و هما : الميثاق الوطني للتربية و التكوين و البرنامج الاستعجالي . 1- الميثاق الوطني للتربية و التكوين: خصص الميثاق المجال السادس لموضوع الشراكة والتمويل: بالتركيز على دعامات التغيير التالية: أ حفز قطاع التعليم الخاص (الدعامة الثامنة عشرة)، وحتى يقوم هذا القطاع بدوره على الوجه الأمثل، وجب التزامه باعتبار التربية والتكوين مرفقا عاما (المادة 163). ب تعبئة موارد التمويل وترشيد تدبيرها (الدعامة التاسعة عشر والأخيرة)؛ ولهذا الغرض يؤكد الميثاق على أن الدولة تلتزم بالزيادة المطردة في ميزانية القطاع بنسبة 5% سنويا. و إلى جانب الدولة، يؤكد الميثاق على دور الجماعات المحلية/ الترابية ( حسب دستور 2011) والمقاولات وكذلك الأسر، هذه الأخيرة تساهم وفقا للمبادئ التالية: المبدأ الأول: إن الدولة تتحمل القسط الأوفر من تمويل التعليم؛ المبدأ الثاني: لا يحرم أحد من متابعة دراسته بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، إذا ما استوفى الشروط المعرفية لذلك؛ المبدأ الثالث: تفعيل التضامن الاجتماعي بإقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي، وفي مرحلة لاحقة في التعليم الثانوي (المادة 173). ولتفعيل هذه المقتضيات أكدت المادة (23) من الميثاق الوطني للتربية والتكوين على أن: "إصلاح نظام التربية والتكوين يقتضي عملا ذا بعد زمني عميق يدرج ضمن السيرورة التاريخية لتقدم البلاد ورقيها ويتطلب الحزم وطول النفس، والاستماتة في السعي لبلوغ الغايات المرسومة، وعليه فإن كل القوى الحية للبلاد حكومة وبرلمانا وجماعات محلية وأحزابا سياسية ومنظمات نقابية ومهنية وجمعيات وإدارات ترابية، وعلماء ومثقفين وفنانين والشركاء المعنيين كافة بقطاع التربية والتكوين مدعوة لمواصلة الجهد الجماعي من أجل تحقيق أهداف إصلاح التربية والتكوين جاعلين المصلحة العليا للوطن في هذا الميدان الحيوي فوق كل اعتبار". 2- مشروع البرنامج الاستعجالي يعد البحث عن الموارد المالية هاجسا بالنسبة لصانع القرار ، لذلك احتل هذا الموضوع حيزا مهما في مشروع البرنامج الاستعجالي - الذي قدمته وزارة التربية الوطنية في يونيو 2008 تحث شعار: «من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية و التكوين»- بتأكيده ، فيما يتعلق بالتمويل، على العناصر التالية: أ. الرفع من موارد تمويل البحث العلمي، وتنويعها واستدامتها ( المشروع 14)؛ ب تنمية العرض التربوي للتعليم الخصوصي( المشروع 22) . وقد سبق لنا في مقال بجريدة الاتحاد الاشتراكي عدد الأربعاء 15 دجنبر 2010 أن خلصنا إلى أن من نتائج هذه التدابير هيمنة المنطق المحاسباتي، الذي يغلب التوازن المالي، و تحلل الدولة من التزاماتها مستقبلا . كما انه يجب النظر إلى تمويل التعليم العالي كشكل من أشكال الاستثمار العام الذي يحقق معظم إيراداته بالضرورة على المدى البعيد، تبعا للأولويات الحكومية و العامة « (توصية بشأن أوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي ، اليونسكو ،1997). وبغض النظر عن ذلك ، فماذا تحقق من هذه التدابير؟ خاصة تلك المتعلقة ب" معاملة الاعتمادات من الأموال العامة التي تخصص لمؤسسات التعليم العالي معاملة الاستثمار العام و إخضاعها لمحاسبة عامة فعلية... و إطلاع الرأي العام بصورة مستقلة على مبررات هذا الإنفاق ( توصية اليونسكو بشأن أوضاع المشتغلين بالتعليم العالي 1997). وختاما، نطرح الأسئلة التالية: - إذا كان الرأي الاستشاري يتعلق بإشكالية التمويل فلماذا لا تلجأ الحكومة إلى تنفيذ مطلب فرض الضريبة على الثروة؟ - هل الجامعة المغربية تعاني من مشاكل مالية ؟ - ما هو حجم الإنفاق العام على التعليم في المغرب مقارنة بتجارب الدول ؟ وهل و صلنا إلى تنفيذ توصية اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن 21-في تقرير قدمته إلى اليونسكو تحت عنوان: «التعلم ذلك الكنز المكنون"، ص. 144 - حيث لا ينبغي أن تقل حصة التعليم من الناتج الوطني الإجمالي عن نسبة 6 في المائة في البلدان التي لم تحقق بعد هذا الهدف، وذلك عبر تحويل جزء من الاعتمادات المخصصة للأغراض العسكرية؟ - ما هي الجامعة التي نريد: " جامعة – الشركة " أم " جامعة- المجتمع"؟ و هو التمييز الذي وضعه تقرير المؤتمر العالمي للتعليم العالي. ختاما نخلص إلى اقتباس هذا المثال التوضيحي: " في عام 1997 ، قررت المدرسة الرسمية 41 في غرينيتش فيليج، في مدينة نيويورك ، صرف أحد الأساتذة لأسباب تتعلق بالميزانية . و أبلغ أولياء الطلاب إدارة المدرسة بأنهم على استعداد لتغطية مبلغ 46000 دولار الذي تحتاج إليه المدرسة للاحتفاظ بالأستاذ . لكن رودي كرو، قاضي مدينة نيويورك، أصدر قرارا يقضي بأن مثل هذه الهبات غير مقبولة ، و فضل اللجوء إلى الاعتماد المالي المحدود الذي في حوزته بدلا من أن يسمح للأهل بأن يقوموا بمساعدات تطوعية. و بقرار كهذا تفادى كرو أن يفسح المجال أمام الأهل للقيام بحملات و اسعة لجمع المال من أجل مدارس أولادهم (...) فحاول كرو إقناع الجميع أن مثل هذه التبرعات سوف تخلق فروقا بين المدارس في المناطق الفقيرة و بين تلك الكائنة في المناطق الغنية ، الأمر الذي يشكل عدم إنصاف و ينطوي على ظلم . و ثمة سبب آخر هو أن مثل هذه الهبات قد تضعف إرادة الناس في دفع ضرائبهم ( إن في مستواها الحالي أو أيضا في الزيادات التي قد تفرض عليهم ) و التي تستعمل من أجل النظام المدرسي بأكمله..." ( أنظر أميتاي إتزوي، الخير العام : إشكاليات الفرد و المجتمع في العصر الحديث، دار الساقي، ط1، 2005، ص29). حلل و ناقش؟ *أستاذ القانون العام ب