13 مارس, 2016 - 10:45:00 في وسط الصحراء جنوبي المغرب، وعلى بعد حوالي 100 كلم عن مدينة العيون (كبرى مدن الصحراء)، يوجد منجم "بوكراع" للفوسفات، التابع للشركة العمومية المغربية "فوسبوكراع"، الذي لا يساهم بأقل من 2% من احتياطي البلاد من هذه المادة، بقدرة إنتاجية سنوية تصل 3 ملايين طن، لكنه يقع في قلب الجدل السياسي بين المغرب والبوليساريو حول "ثروات" الصحراء. تعود حكاية هذا المنجم إلى سنة 1962 عندما أسس المعهد الإسباني للصناعة شركة "فوسبوكراع" لاستخراج الفوسفات، يومها كانت إسبانيا لا تزال تحتل المنطقة، قبل أن تقتني مجموعة المكتب الشريف للفوسفات، أهم مؤسسة صناعية عمومية في المغرب، 65 % من رأسمال الشركة الإسبانية، بعد خروج إسبانيا، لتصبح "فوسبوكراع" شركة مغربية كاملة، تابعة للمكتب الشريف منذ سنة 2002، بعد اقتنائها ل 35 % المتبقة في حوزة الشركة الإسبانية. يقول المسؤولون المغاربة عن "فوسبوكراع"، الذين التقتهم الأناضول، في زيارتها للمنجم، إن طبيعة منجم بوكراع والخصوصيات الجغرافية للمنطقة تجعل كلفة الاستخراج بهذا المنجم تفوق 2.5 كلفة نظيرتها بباقي مناجم الفوسفاط في المغرب مرتين ونصف، حيث أنه مثلا في بوكراع لا توجد الفرشة الأولى للفوسفات الخام، إلا على عمق حوالي 30 مترا، في الوقت الذي لا يتجاوز 10 أمتار في خريبكة (وسط) مثلا. وفي الوقت الذي تتهم جبهة البوليساريو ومنظمات دولية مساندة لها المغرب ب "استغلال" ثروات الصحراء، من فوسفات وثروة سمكية وغيرها، على حساب الصحراويين، يصر مسؤولو "فوسبوكراع" على أن الشركة ظلت تراكم الخسارات إلى حدود سنة 2008، حيث لأول مرة تصبح "مشروعا مربحا"، نظرا للتكاليف الاجتماعية والتنموية التي تتحملها الشركة في المنطقة، حيث تشغل أزيد من 2300 من اليد العاملة بمختلف مستوياتها، غالبيتهم من أبناء المنطقة، برواتب وامتيازات اجتماعية أكبر مما يحصل عليه نظراؤهم في باقي مناجم الفوسفات في المغرب، ما يجعل "فوسبوكراع" "أهم مشغل، على الصعيد المحلي ومساهم فعال في تنمية الحياة الاقتصادية والبنيات التحتية الاجتماعية بالمنطقة"، حسب مدير الشركة ماء العينين ماء العينين. هذه "الخسارة" يعتبرها المغرب والشركة " تأكيدا لالتزامها بالمساهمة في تنمية الجهات الجنوبية (إقليم الصحراء)". وضعية فوسبوكراع وحساسية المنطقة التي توجد بها جعلت مجموعة المكتب الشريف (شركة عمومية) تخصص جزءا كبيرا من استثماراتها لتطوير أنشطة فوسبوكراع من أجل "ضمان استدامة احتياطيات بوكراع على المدى الطويل وتنويع منتوجاتها والمساهمة بشكل فعال في التنمية السوسيو- اقتصادية للجهات الجنوبية"، حسب مسؤولي الشركة. في مساره من مناجم الاستخراج في "بوكراع" إلى ميناء المرسى القريب من العيون، لغسله وتعويمه، قبل تصديره، يمر الفوسفات الخام عبر حزام ناقل لمسافة ازيد من 100 كلم. برنامج التنمية يقول ماء العنين، مدير "فوسبوكراع"، إن الشركة أطلقت برنامج صناعيا بقيمة 17 مليار درهم (حوالي مليار و700 مليون دولار)، يمتد من بداية 2016 لخمس سنوات، ويتكون من 3 وحدات صناعية مهمة، تتعلق بإحداث أول وحدة لإنتاج الأسمدة في المنطقة، التي تمتد على مساحة 36 هكتارا، والتي ستمكن من تحويل الفوسفات المستخرج من منجم "بوكراع" إلى حامض فوسفوري وأسمدة، بما يناهز 8,3 مليار درهم. تبلغ القدرة الإنتاجية لهذه المنصة الصناعية نصف مليون طن من الحامض الفوسفوري بالإضافة إلى مليون طن من الأسمدة سنويا. ومعمل جديد لغسل وتعويم الفوسفاط بقدرة معالجة تصل إلى 3 ملايين طن في السنة، بمبلغ 3,1 مليار درهم، وميناء جديد، بميناء المرسى القريب من العيون، بتكلفة 4.2 مليار درهم، إضافة إلى 1.2 مليار درهم لاستخراج الفوسفات الخام في الفرشات التي لم يستخرج بها بعد. ماء العينين يشدد في جميع أحاديثه على ان المشاريع الجديدة للشركة التي يديرها "تلتزم بالاحترام التام للبيئة، وأنه لا شيئ من المخلفات سيلقى في البحر". في حديثه عن هذه المشاريع التي تعول عليها كثيرا شركة فوسبوكراع، لا يمل ماء العينين من التأكيد على ما يعتبره "الوجه التنموي والاجتماعي"، لهذه المشاريع، و"التزام" الشركة، لتنمية النسيج الاقتصادي بالمنقطة، متحدثا عن هذه المشاريع ستمكن من خلق حوالي 3 ملايين و850 ألف يوم عمل خلال مرحلة الإنجاز، وحوالي 1300 وظيفة على المدى الطويل. وأن الاستراتيجية الجديدة تندرج في إطار رؤية مجموعة الفوسفات لتطوير مواقعها المنجمية والصناعية، الاستثمار في مشاريع التنمية بالمنطقة بشراكة مع الفاعلين المحليين، ودعم التعاون بين الموردين المحليين وتنفيذ مشاريع في الصحراء. وأحدثت شركة "فوسبوكراع" سنة 2014 مؤسسة تابعة لها، "لدعم ومواكبة الشركة من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمنطقة"، أطلقت عليها "مؤسسة فوسبوكراع". وفي هذا السياق أطلقت المؤسسة مشروع "القطب التكنولوجي" (تكنوبول) ب"فم الواد" على بعد 18 كلم، من مدينة العيون، بقيمة ملياري درهم، وعلى مساحة 126 هكتارًا. وقالت حجبوها الزبير، نائبة مدير المؤسسة، للأناضول، إن هذا المشروع سيمكن من تشغيل 1200 من أبناء المنطقة،وأن "تنكوبول" مشروع يهدف إلى رفع التكوين ودعم البحث العلمي والابتكار، والرفع من مستوى التنمية الاقتصادية، يأخذ بعين الاعتبار الانسان والبيئة والطبيعة المحلية لكي يجعل منها أحد المكونات التي ستشكل مجالات التنمية". ويشتمل "تنكوبول فم الواد" على ثلاثة أقطاب فرعية هي قطب للتعليم والبحث العلمي والتكوين، والذي يضم جامعة محمد السادس متعددة الاختصاصات، وثانوية التميز ومركز تكوين الكفاءات، وقطب يخص التنمية الاقتصادية يضم مركزا لدعم الكفاءات الصناعية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، وقطب ثقافي، يتوفر على بنيات تحتية اجتماعية، ومراكز ترفيهية ومرافق سكنية.