16 فبراير, 2016 - 08:23:00 قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم في رسالة وجهتها للحكومة المغربية إن الشرطة والنيابة العامة والقضاء وغيرها من السلطات كثيرا ما تفشل في منع العنف الأسري ومعاقبة المعتدين ومساعدة الناجيات. يحصل ذلك جزئيا لأن القوانين لا تنص على كيفية تعامل المسؤولين مع العنف الأسري بشكل فعال. في سبتمبر 2015، قابلت هيومن رايتس ووتش 20 امرأة وفتاة تعرضن للعنف الأسري. قلن إنهن تعرضن للّكم والركل والحرق والطعن والاغتصاب، وغير ذلك من أعمال العنف، على يد أزواجهن وشركائهن وأفراد آخرين من العائلة. قابلت هيومن رايتس ووتش كذلك محامين ونشطاء في مجال حقوق المرأة وممثلين عن منظمات تقدم الإيواء وخدمات أخرى للناجيات من العنف الأسري. على المغرب تعزيز واعتماد مشاريع قوانين من شأنها توفير حماية أفضل لضحايا العنف الأسري. قالت روثنا بيغم، باحثة حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "العديد من النساء والفتيات يعانين من العنف الأسري دون أن يحصلن على أي مساعدة من السلطات المغربية. اعتماد وتنفيذ تشريعات قوية بخصوص العنف الأسري ليس من شأنه مساعدة الضحايا فحسب، بل كذلك تمكين السلطات من أداء مهامها". خلص بحث وطني أعدته "المندوبية السامية للتخطيط" سنة 2009 حول النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و65 سنة إلى أن الثلثين منهن – أي 62.8 بالمائة – تعرضن لعنف جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي. تحدثت 55 بالمائة من مجموع النساء اللاتي شملتهن الدراسة عن التعرض للعنف "الزوجي"، و13.5 بالمائة عن التعرض للعنف "العائلي". 3 بالمائة فقط من النساء اللاتي تعرضن للعنف الزوجي أبلغن السلطات عنه. قالت معظم الناجيات من العنف الأسري اللاتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش إنهن حاولن الحصول على مساعدة الشرطة أو النيابة العامة أو المحاكم. لكن الكثير منهن قلن إن أعوان الشرطة رفضوا تسجيل شهاداتهن، ولم يحققوا فيها، ورفضوا اعتقال المشتبه بتورطهم في العنف الأسري حتى بعد أن أمرتهم النيابة العامة بذلك. في بعض الحالات، كل ما فعلته الشرطة هو أنها طلبت من الضحايا العودة إلى من اعتدى عليهن. في العديد من الحالات، ذهبت النساء إلى النيابة العامة ولكن المدعين لم يوجهوا أي تهم، ولم يتواصلوا مباشرة مع الشرطة، بل فقط قالوا للضحايا أن يرجعن إلى الشرطة ومعهن وثائق تطالب بفتح تحقيق واعتقال المعتدين. في بعض هذه الحالات، لم تتابع الشرطة التحقيق، فتاهت النساء ذهابا وإيابا بين الشرطة والنيابة العامة. قال محامون يشتغلون على قضايا العنف الأسري إنهم شاهدوا قضاة يطلبون أدلة غير واقعية، مثل إحضار شهود، وهذا في معظم الأحيان مستحيل لأن أغلب الاعتداءات تحصل خلف أبواب مغلقة. قالت روثنا بيغم: "قالت بعض النساء إنهن ذهبن إلى مراكز الشرطة وهن يرتدين ملابس الليل ويعانين من نزيف في الأنف أو كسور في العظام أو كدمات في الجسم، لكن دون أن يحصلن على أي مساعدة. على الشرطة مساعدة هؤلاء النساء، وليس التملص من المسؤولية". قالت بعض النساء والفتيات إنهن لا يعرفن أماكن كثيرة يُمكن أن يقصدنها هربا من العنف الأسري. هناك عدد قليل من الملاجئ التي تقبل ضحايا العنف الأسري، تشرف عليها منظمات غير حكومية، وطاقة استيعابها محدودة ومواردها ضئيلة. القليل منها فقط يحصل على تمويل من الحكومة، وقال موظفون في أحد الملاجئ إن هذا التمويل لا يكفي حتى لتغطية مصاريف الأكل. قام المغرب بخطوات في اتجاه تبني إصلاحات قانونية لمواجهة العنف الأسري، وتوجد الآن 3 مشاريع قوانين قيد الدراسة. أحدها مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، الذي يتضمن أحكاما خاصة بالعنف الأسري، أعدته كل من وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ووزارة العدل والحريات، وأُرسل لمجلس الحكومة للمراجعة في 2013. يخضع مشروع القانون الآن للتحديث، ولكنه لم يخرج للعلن بعد. كما توجد مشاريع قوانين أخرى ستُدخل تعديلات خاصة بالعنف ضد النساء على القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية. ستحدد هذه التعديلات جرائم العنف الأسري وقواعد الأدلة المتعلقة بها. في رسالة وجهتها إلى الوزارتين، عاينت هيومن رايتس ووتش وجود جوانب إيجابية في مشاريع القوانين، ولكن أيضا أحكاما قد تُرجع حقوق المرأة إلى الوراء إن تم تبنيها. من الأحكام الإيجابية التي تضمنها مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء تلك المتعلقة بتدابير الحماية، مثل إبعاد المعتدي عن المنزل أو منعه من الاتصال بالضحية؛ تُعرف هذه التدابير ب "الأوامر الزجرية". تُوسع أحكام أخرى نطاق التنسيق بين وحدات الوكالات الحكومية المختصة في توفير حاجيات النساء والأطفال، من جهة، واللجان التي تعمل على شؤون المرأة والطفل من جهة أخرى. حثّت هيومن رايتس ووتش الحكومة المغربية على تحسين هذه المشاريع بإضافة إجراءات قضائية، طارئة أو على مدى أبعد، توفر الحماية للضحايا. يجب أن يتضمن مشروع القانون تعريفا محددا للعنف الأسري، وتحديد واجبات الشرطة والنيابة العامة والقضاء وغيرها من السلطات في قضايا العنف الأسري، وتجريم الاغتصاب الزوجي. وعلى الحكومة تقديم أو تمويل الخدمات الأساسية لضحايا العنف الأسري، بما يشمل الملاجئ. بعض التعديلات المقترحة في القانون الجنائي قد تجعل وضعية النساء أسوأ. حسب القانون الجنائي الحالي، مثلا، يستفيد "رب الأسرة" من ظروف التخفيف، إذا قتل أو اعتدى على فرد آخر من العائلة وجده/ا متلبسا/ة في ممارسة الجنس خارج الزواج. لكن مشروع تعديل القانون يوسع مجال الاستفادة من ظروف التخفيف، من "رب الأسرة" فقط إلى "أي فرد" من العائلة ارتكب جريمة أو اعتداء في نفس الظروف. على الحكومة إلغاء هذه الأحكام جملة وتفصيلا. على الحكومة المغربية أيضا ضمان مشاركة فعالة في مسار الإصلاح للمنظمات غير الحكومية وللناجيات من العنف الأسري. دعت الوكالات وهيئات خبراء حقوق الإنسان الأممية المغرب مرارا إلى اعتماد تشريع خاص بالعنف الأسري. في 2013، وافق الاتحاد الأوروبي على تقديم دعم مالي لدفع مثل هذه الإصلاحات، بما يشمل هبة للمغرب قيمتها 45 مليون يورو لتنفيذ الخطة الحكومية2006-2012 للمساواة بين الجنسين. لكن السلطات المغربية مازالت لم تحقق جميع أهدافها، ومنها اعتماد تشريع يتعلق بالعنف ضد النساء. تتوفر حوالي 125 دولة على قوانين تتعلق بالعنف الأسري. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتوفر 7 دول أو مناطق محكومة ذاتيا على تشريعات أو قواعد تتعلق بالعنف الأسري: الجزائر، لبنان، الأردن، كردستان العراق، السعودية، البحرين، وإسرائيل. قالت روثنا بيغم: "على المغرب اتخاذ موقف أقوى من أجل سلامة المرأة وحقوقها. لعل أفضل بداية هي اعتماد تشريع قوي ضد العنف الأسري".