يعتقد محمد الساسي أن توسيع الصلاحيات العائدة إلى المؤسسات الأخرى في الطابق السفلي للدستور لا معنى له، إذا لم يقابله تنازل صريح عن تلك الصلاحيات في الطابق العلوي للدستور (أي صلاحيات الملك كملك ووظيفته في الهندسة المؤسسية)، وإلا فإننا سننتقل إلى مزيد من الازدواجية التي عانى منها النظام المغربي، والتي تقوم على أن كل ما يُخَوَّلُ للمؤسسات من حقوق يظل بإمكان الملك ممارستها أيضا، لأنه المصدر الأصلي للسلطة، وأنه بمثابة موكل يمكن أن يمارس كل التصرفات التي يمارسها الوكيل نيابة عنه. ويقترح ذ. الساسي مجموعة من الآليات لدعم أسس الملكية البرلمانية التي يقدمها كعضو للمجلس الوطني لحزب الاشتراكي الموحد. س: تطالبون بملكية برلمانية، يسود فيها الملك ولا يحكم. هل تعتقدون أن ملكية برلمانية ممكنة في المغرب، لاسيما وأن ثمة من يعتقد أنه في غياب أحزاب قوية وغياب معارضة لها وزنها، تكاد تكون ملكية برلمانية سابقة لأوانها في الفترة الحالية؟ ج دستور الملكية البرلمانية كان يجب أن يُوضع في سنة 1956، لأنه يمثل تطبيقا لبنود العقد الذي جمع الحركة الوطنية بالملكية، فوثيقة المطالبة بالاستقلال تحدثت عن الاستقلال وتحدثت عن بناء الدولة المغربية المستقلة حسب معايير الدول الحديثة. فمن أخل بالتعاقد يا ترى؟ ولماذا تأخر إصدار الدستور إلى سنة 1962، بينما العادة أنه عندما تحصل الدول على استقلالها، فإن أول شيء تبدأ به هو وضع الدستور، إذن لم يضعوا الدستور سنة 56، وانتظروا كي يفرضوا علينا ملكية حاكمة من الناحية الفعلية، ثم بعد ذلك يطرحون دستورا يحاول ترسيم الأمر الواقع. ولم يغيبوا الملكية البرلمانية فقط بل انقلبوا سنة 1960 حتى على تلك الصيغة الوسطى القائمة على نوع من التقاسم أو التشارك في السلطة. هل كانت الأحزاب المغربية آنذاك أم لم تكن جاهزة للملكية البرلمانية؟ لقد كنا في حضرة أحزاب قوية وتحظى بالإحترام، فمن الذي عمل منذ عقود على إضعاف الأحزاب السياسية للوصول بها إلى وضع عدم الجاهزية الذي يجري الحديث عنه اليوم؟ من الذي عوَّض الديمقراطية بسياسة التوازن وعَوَّضَ احترام الإرادة الشعبية بسياسة الاستقطاب وعَوَّضَ الاعتراف بحقوق الأحزاب السياسية باستعمال جزء منها ضد الجزء الآخر؟ من الذي عمل على خلق أحزاب سُمح لها بأن تعيث في الأرض فسادا مقابل إضعاف ومحاربة الأحزاب الحقيقية؟ ألم تكن الأحزاب التي أطَّرت المواطنين في معركة الإستقلال وفاوضت المستعمر وحمت الملكية جاهزة آنذاك للملكية البرلمانية، أي للديمقراطية؟ هذا إضافة إلى أن المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تؤكد أن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، وأن التعبير عن هذه الإرادة يجري بواسطة الانتخابات الدورية، هذه المادة لم تحدد أجلا أو فترة ننتظر فيها أن يصبح الشعب جاهزا للديمقراطية. الإعلان العالمي ينطلق من أن كل الشعوب جاهزة في أية لحظة وفي أي مكان للديمقراطية. هذا مبدأ كوني لا جدال فيه وإذا اكتشفنا أن الذي صوتنا عليه لا يستحق أصواتنا يمكن لنا في دورة لاحقة أن نسقطه بصناديق الاقتراع نفسها. وحدهم الديكتاتوريون يعتبرون بأن الظرف غير ملائم بعد للديمقراطية، وهذا مجرد تبرير لشرعنة الاستبداد. أساس شرعية أي حكم في عالم اليوم هو أن يكون ديمقراطيا ومن لم يقبل الديمقراطية لا مكان له في المنظومة الأممية. من لم يقبل الديمقراطية عليه أن يغادر الأممالمتحدة ووكالاتها وأجهزتها المختصة، وأن يعتبر أنه خارج عصره. فعندما نطالب بالملكية البرلمانية، فلا يجب أن يعتبر أحد أنه يتكرم بها علينا. إنها حقنا المكرس في المواثيق الدولية، والذي منحته إيانا المادة 21 المذكورة. والذين يقولون أن الوقت لم يحن بعد للديمقراطية أي للملكية البرلمانية- لأنها صيغة التوفيق الوحيدة بين النظام الوراثي والديمقراطية- لا يحددون لنا متى سيحين هذا الوقت، وتأكدي أنه بعد خمسين سنة سيقول أبناؤهم لأبنائنا أو لأبناء أبنائنا بأن الوقت لم يحن بعد. فهم دائما يحددون لنا زمن البداية ولا يحددون لنا زمن الوصول. وإذا سايرناهم في منطقهم، فلن نصل أبدا إلى الديمقراطية. في سنة 62 قالوا لنا هذا دستور ليس ديمقراطيا بالكامل، لكنه على كل حال خطوة في الاتجاه الصحيح، وفي بداية السبعينات فتحوا نقاشا مع الكتلة الوطنية من أجل (إنطلاقة جديدة)، وفي سنة 76 قالوا لنا أننا سندشن المسلسل الديمقراطي، وفي سنة 92 قالوا لنا بأننا أنجزنا مرة أخرى خطوة في اتجاه الملكية البرلمانية، وفي سنة 99 قالوا لنا لقد انطلق عهد جديد، واليوم يقولون عليكم أن تكتفوا بخطوة قد تتبعها خطوات، وحتما سنصل إلى الديمقراطية. لكن شباب 20 فبراير يجيبهم: نريد الديمقراطية هنا والآن. س: إذا أرادت اللجنة التي تسهر على صياغة الدستور صياغة الفصل 19 بناءا على فلسفة وروح الملكية البرلمانية. كيف سيكون مصير إمارة المؤمنين وقيادة أركان الحرب والقوات المسلحة الملكية..؟ بصيغة أخرى ما هي السلط التي سيتنازل عنها الملك محمد السادس، وما هي السلط التي سيحتفظ بها وفق دستور خارطة طريقه الملكية البرلمانية؟ ج إن التفكير الحقيقي في دستور ديمقراطي في المغرب يقتضي معالجة المشكل الاستراتجي)في الدستور المغربي وهو مكانة الملكية ووظيفتها. علينا أن نبدآ بطرح مجموعة من الأسئلة: هل الملكية سلطة فوق دستورية، أم أنها مقيدة بالدستور، وإذا كانت مقيدة، فما هي ضوابط هذا التقييد؟ هل تستمد الملكية شرعيتها من الدستور وحده، أم من البيعة أيضا؟ وفي هذه الحالة ألا تعني البيعة كما يبدو ذلك من حمولة نص البيعة أنها بكل بساطة تعني الحكم المطلق، تعطي لمن تمت مبايعته كل الحقوق وتفرض على الرعية مطلق الطاعة. اليوم علينا أن نختار، ولا يمكن للخلط أن يستمر. هل تقبل الملكية فصلا للسلطات على مستواها؟ وهل تقبل أن يكون القضاء الدستوري رقيبا عليها، أم أن القضاء من مشمولات الإمامة، ولا حق له أن ينبهها ولو خرجت عن الدستور أو ترامت على صلاحيات الآخرين؟ هل الملكية المغربية حاكمة أم لا، وإذا كانت ملكيتنا حاكمة فهل يجوز في المنطق الديمقراطي أن يكون التقرير بين يدي من لم ننتخبه؟ وبمعنى آخر هل الملكية الحاكمة في أي مكان وُجِدت مطابقة للديمقراطية؟ المشكلة الأولى في المغرب هي بالضبط دسترة الدستور نفسه. نحن نعيش في ظل ملكية بدستور وليس ملكية دستورية، فلا يمكن أن نقول أننا بصدد ملكية دستورية، إلا إذا انضبطت الملكية له وأصبح مقيدا لسلطاتها وصلاحياتها وأساسا لشرعية القرارات الصادرة عنها، وبذلك يصبح الدستور وثيقة ملزمة وليس صكا استئناسيا للملكية أن تأخذ به أو لا تأخد به، ويصبح تأويل الدستور حقا للقضاء الدستوري وليس صلاحية مطلقة للملك. إذا أردنا أن نصالح أو نوفق بين الملكية الوراثية والآلية الديمقراطية يجب علينا في هذه الحالة أن نعالج عددا من الاختلالات الواردة في الدستور المغربي: -نعالج مشكلة إمارة المؤمنين بتأويلها الحالي (الفصل 19) . -نعالج مشكلة المضمون الذي يعطى للمقتضى الدستوري القائل بأن الملك هو الممثل الأسمى للأمة والذي أُضيف عام 1970 (الفصل 19). -نعالج مشكلة القداسة المشار إليها في الفصل 23: شخص الملك مقدس كل ما يصدر عنه مقدس، لا يفترض فيه الخطأ، وبالتالي لا يفترض تدارك الخطأ إذا حصل. هذا موقف غير إنساني إذ كلنا بشر. -نعالج مشكلة الفصل 2 ، الذي يقول بأن السيادة للأمة تمارسها بطريقة مباشرة عن طريق الاستفتاء، وبطريقة غير مباشرة عن طريق المؤسسات الدستورية، ولم يقل النص المؤسسات المنتخبة، بمعنى أن مؤسسة غير منتخبة-والملكية هي المقصودة هنا- تمارس السيادة باسم الأمة حتى بدون تدخل من هذه الأخيرة. -نعالج مشكل الخطب الملكية التي يقول الفصل 28 من الدستور، أنها حتى وإن وجهت عبر الإذاعة والتلفزيون، فإنها لا يمكن أن تكون موضوع نقاش. س: طيب، ما الذي تقترحونه إذن؟ ج: إن السؤال المطروح هو كيف يمكن أن نعالج هاته الإختلالات مثلا: بالنسبة إلى إمارة المؤمنين نحولها إلى مجرد لقب وليس مؤسسة، بمعنى أن لا تُستعمل للتدخل في سير المؤسسات ويبقى التقرير في كل شؤون الدولة بيد الفريق المنتخب، أما الملك فسيمثل هنا نوعا من الرمزية الدينية والإشراف المعنوي على الشؤون الدينية، والانتقال من مبدأ القداسة المنصوص عليه في الفصل 28 إلى مبدأ الحصانة، وتحويل المؤسسات الدستورية المشار إليها في الفصل 2 إلى المؤسسات المنتخبة، مع حذف قاعدة كون الملك هو الممثل الأسمى للأمة. وتحوير وتغيير الفصل 28 بجعل الخطب الملكية تصدر بعد سابق تشاور مع مجلس الوزراء أو إذن منه، والخطب الملقاة أمام البرلمان لا يعقبها نقاش، أي أن القضية هنا هي قضية مسطرية فقط، ولا تعني أن الخطب لا تناقش من حيث مضمونها. في سياق الملكية البرلمانية إذن، يعين الملك الوزير الأول من بين الأحزاب التي احتلت صدارة النتائج الانتخابية والقادرة على تكوين تحالف بينها، وذلك بعد تشاور مع رئيس مجلس النواب واستقبال للفرق النيابية أكثر تمثيلا. وفي السياق نفسه يجب أن يرث مجلس الحكومة كل اختصاصات مجلس الوزراء المتعلقة بالظروف العادية، وأن يصبح مجلس الحكومة هو صاحب صلاحية البت في القضايا التي تهم السياسة العامة للدولة، وفي مشاريع القوانين التي تحال على البرلمان والمراسيم التنظيمية، إلى غير ذلك. كما يجب أن تُوَقَّع جميع أعمال الملك بالعطف، ويتحمل المسؤولية عنها شخص الموقع بالعطف. ويجب أن يكون للحكومة حق تعيين الموظفين السامين والولاة والعمال والمسؤولين الأمنيين، وأن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء قاضيا منتخبا، وأن تُخَوَّلَ له وحده حق معاقبة أو تأديب القضاة، وأن تُوَسَّعَ صلاحيات البرلمان. س:ما الذي سيبقى للملك في الحالة هاته؟ ج: في الإجمال سيبقى للملك لعب دور رمزي، ودور للتحكيم في الظروف الإستثنائية، حيث يمكن له إقالة الحكومة أو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة يسمح فيها لصناديق الاقتراع باسترجاع المبادرة بتصويت جديد على الفريق الذي ترتضيه. طبعا، سيظل الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، ولكن وزير الدفاع سيمثل جزءا من الفريق الحكومي الذي يعمل تحت رئاسة الوزير الأول، وهذا الفريق هو الذي يدبر سياسة الأمن القومي والسياسة العسكرية. في اسبانيا الملك هو قائد الجيش، ولكن حكومة أثنار هي التي قررت إرسال الجنود الإسبان إلى العراق، وحكومة ثاباطيرو هي التي قررت سحب أولئك الجنود وإرجاعهم إلى بلدهم. س: استعنتم بالتجربة الإسبانية، وبهذا الصدد سبق للملك محمد السادس أن وضح في الحوار الصحافي الذي خص به جريدة ال"تايم" الأمريكية الاثنين 19يونيو 2000، أنه سيكون من الخطأ محاولة تطبيق نظام ديمقراطي على النمط الغربي في بلدان المغرب العربي أو الشرق الأوسط. «فبلداننا ليست هي ألمانيا أو السويد أو إسبانيا.» وأضاف الملك في نفس السياق أن «المغاربة ليسوا هم الأسبان، ولن يكونوا كذلك أبدا. إن الديمقراطية على الطريقة الإسبانية صالحة لإسبانيا، إلا أن المغرب ينبغي أن يأخذ بنمط ديمقراطي ذي خصوصية مغربية» ج:(يقاطع) البلدان تختلف ولكن الديمقراطية تبقى هي هي في قواعدها الكونية وتقوم على ربط القرار بصناديق الاقتراع، وربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة على كل المستويات. المنتخبون هم الذين يقررون في كل شؤون بلادهم. والملك في الملكيات البرلمانية يحترم إرادة شعبه، ولذلك يتيح لممثلي الشعب فرصة تطبيق برنامجهم وتنفيذ سياستهم، وإذا كان في ذلك أي اختلال، فإن صناديق الاقتراع تصحح المسار. على مستوى الهوية والمبادئ العامة، يتعين ربما أن يتجاوب الدستور المغربي مع انتظارات وتطلعات الأجيال الجديدة، بواسطة ضخ جرعات من الحرية، بتكريس مكانة الاتفاقيات الدولية وسموها على القوانين الداخلية في قضايا حقوق الإنسان، وإحالة مهمة الإشراف على الانتخابات إلى هيئة مستقلة، والتنصيص على مزيد من الحقوق والضمانات، والتأكيد على حقوق المرأة وحرية الاعتقاد، وسهر البرامج العمومية على خدمة متطلبات العدالة الإجتماعية. س: طيب، هناك من ينطلق من الخطاب الملكي للدفع بالملكية البرلمانية، وحجتهم في ذلك أن الملك لا يمكنه أن يكون ضد الديمقراطية، وأن الخطاب الملكي الذي جرت العادة أن ترد فيه عبارات العصرنة والحداثة، لا يمكنه إلا أن يكون مع الملكية البرلمانية. ألا ترون أن هذه القراءة قد تكون غير أمينة للخطاب الملكي؟ ج: الخطاب الملكي كأي نص يحتمل عدة قراءات، ولا يمكن أن يسمح لنا بإصدار أحكام نهائية بخصوص تقييم الدستور المقبل، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نثير أيضا بعض القرائن التي تحملنا على هجر هذا النوع من التفاؤل المفرط، وفي رأيي هذه القرائن يمكن إجمالها في خمسة: أولا: الخطاب الملكي أكد على الثوابت واعتبر بأن إمارة المؤمنين ثابت من هذه الثوابت، بدون أن يقول بأنه في هذا الصدد يريد أن يعطي مضمونا جديدا لإمارة المؤمنين، وهذا يعني أن الخطاب يدعونا إنما إلى التسليم بضرورة بقاء إمارة المؤمنين في التأويل والحمولة المرتبطين بها اليوم، والذين يجعلانها مؤسسة وليس مجرد لقب، ومؤسسة فوق الدستور نفسه. ثانيا: تفادى الخطاب الملكي الحديث عن مصير (الطابق العلوي) في الدستور، وهذا الطابق يعني صلاحياته كملك ووظيفته في الهندسة المؤسسية. هل سيظل الملك حاكما، أم سيحتفظ بالمٌلك ويحيل كل أمور التقرير إلى المنتخبين؟ إن عدم الحديث عن الطابق العلوي معناه إبقاء الأمور على حالها، والانطلاق من تفوق المؤسسة الملكية، فحتى وإن أحيلت صلاحيات جديدة على مؤسسة أخرى يظل الملك صاحب تلك الصلاحية الأصلي، ولا يُعطى لتلك المؤسسة أي حق نهائي. إن توسيع الصلاحيات العائدة إلى المؤسسات الأخرى في الطابق السفلي للدستور لا معنى له، إذا لم يقابله تنازل صريح عن تلك الصلاحيات في الطابق العلوي للدستور، وإلا فإننا سننتقل إلى مزيد من الإزدواجية التي عانى منها النظام المغربي، والتي تقوم على أن كل ما يُخَوَّلُ للمؤسسات من حقوق يظل بإمكان الملك ممارستها أيضا، لأنه المصدر الأصلي للسلطة، وأنه بمثابة موكل يمكن أن يمارس كل التصرفات التي يمارسها الوكيل نيابة عنه. ثالثا: حدد الملك للجنة إطار عملها ورسم التوجهات السبعة التي عليها السير فيها. صحيح أن الخطاب سمح للجنة بإمكان إدخال مقتضيات لم ترد على لسان الملك، ولكن هذا في رأيي لا يعطي للجنة حق اقتراح بناء جديد، بل يقتصر فقط على إمكانية اقتراح أفكار أخرى وإضافات أخرى تخدم منطق استكمال البناء وفق الفلسفة التي أعلن عنها الخطاب. رابعا: تفادى الخطاب الملكي إيراد مقولة الملكية البرلمانية، أورد عدة مقولات ومفاهيم ولكنه في أية لحظة لم يثر المقولة المذكورة، علما بأنه من المفروض أن تٌستحضر دائما عندما يتعلق الأمر بالتكريس الدستوري للديمقراطية في نظام ملكي. هل يعتبر تجنب الحديث عن الملكية البرلمانية أمرا عاديا، والحال أن الناس رفعوا شعارها في المسيرات؟ بما أن الخطاب هو جواب على حركية في الشارع العام، فإن قرار عدم الإشارة إلى الملكية البرلمانية هو جواب. لو أن الملك قال بأنه يريد إقامة ملكية برلمانية لكان في نظري معفيا من إيراد أية تفاصيل أخرى، لأن اللجنة في هذه الحالة ستكون مهمتها سهلة، إذ الملكية البرلمانية تعني أن يستغني الملك عن ممارسة التدبير والتقرير وتركه للمنتخبين مع حفاظه على دور رمزي وتحكيمي فقط. خامسا: تركيبة اللجنة لا تترك لنا مساحة كبيرة للتفاؤل. فكل الفقهاء الدستوريين المغاربة الذين سبق لهم أن وثقوا مواقفهم المؤيدة لنموذج الملكية البرلمانية تم إقصاؤهم من اللجنة. خطاب التركيبة واضح ولا يترك أي لبس. لقد اختير أناس نحترمهم ونحترم كفاءتهم، ولكنهم لم يكونوا يوما من دعاة الملكية البرلمانية في حدود علمنا في الساحة العامة. التركيبة ليست محايدة. إنها تعبر عن توجه محدد ولا تتيح للتوجه المخالف أن يكون حاضرا في اللجنة. هناك إرادة لكي لا تُطرح ضمن التركيبة أي مناوشات تسمح بطرح التغيير كما يتصوره فقهاء دستوريون آخرون معروفون وذوو سمعة وإنتاج غزير، وكما نتصوره كمواطنين أيضا، والقائم على تغيير النظام من داخل النظام، وتغيير النظام بدون إراقة قطرة دم، ذلك التغيير الذي ينقلنا من الملكية المخزنية إلى الملكية البرلمانية. سادسا: إن اللجنة تشخص الإرادة الملكية مسبقا، إنها امتداد للإرادة الملكية وامتداد للملك، ولا يمكن أن تخرج عن هذه الإرادة. فكيف يُعقل أن تتجه لجنة عين الملك كامل أعضائها إلى الحد من صلاحياته؟ الملك معني مباشرة بالأمر، فعندما ينطلق من الحق في تعيين أعضاء اللجنة، فهو يكون قد حكم على نتائج عملها. لو أن الملك مثلا طلب من مؤسسات وهيئات مختلفة مدنية وحقوقية وسياسية أن تعين بكل استقلالية ممثلين عنها، ويعين الملك ممثلين عنه أيضا، لكنا أمام منطق آخر. فإلى أي حد نستطيع أن نتصور أن اللجنة المعينة مستقلة عن الملك؟ هنا أيضا في قضية اللجنة تصرف الملك كملك حاكم، أما الحديث عن الاستشارات التي ستقوم بها اللجنة والحديث عن لجنة مواكبة أو متابعة، فلا يسمح بتصور أن الأمر سيتعدى الاستشارة والمواكبة. اللجنة إذن لجنة ملكية وهي في نفس الوقت ستحدد تصور الملكية كما تراه الملكية لنفسها. إننا عدنا إلى نقطة البدء ولكن يجب أن نؤكد أننا لا ننطلق من موقف عداء أو عدم تقدير لشخص الملك، بل نأمل دائما بكل محبة وصدق أن يتجاوب مع تطلعات أبناء شعبه، ويخوض معهم ثورة من أجل نظام ملكي متقدم نوعيا عما عرفناه في الماضي ومتصالح كليا مع الديمقراطية والحداثة. أسبوعية "الأيام" 15-21 أبريل 2011 العدد 471 الصفحة 10-11