بعد أكثر من ثلاث سنوات على تعيينه في غشت 2022، يجد مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي نفسه وسط دوامة متزايدة من الانتقادات والمطالبات بإقالته، رغم سجله المليء بالإنجازات منذ مونديال قطر 2022. وبين خطاب "الاستمرارية والثقة" الذي ترفعه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وصوت الشارع الرياضي الغاضب الذي يطالب بالتجديد، يبدو المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات. حين قاد الركراكي "أسود الأطلس" إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، اعتُبر رمزًا لجيل جديد من المدربين المغاربة الذين جمعوا بين الكفاءة المحلية والانفتاح الأوروبي. غير أن "الركراكيزم" (Regraguism) بدأ يفقد بريقه مع مرور الوقت، بعدما تراجعت جمالية الأداء لصالح "البراغماتية الباردة" والنتائج المحسوبة. في الوديات الأخيرة أمام البحرين، تونس وبنين، بدا المنتخب متذبذب الإيقاع، ضعيف الفاعلية، وعاجزًا أمام خصوم متكتلين دفاعيًا، فيما اعتبر محللون أن الركراكي "يخوض كل مباراة بخطة مختلفة دون بصمة فنية واضحة"، وأن المنتخب "يفوز أحيانًا بالأسماء أكثر مما يفوز بالمنظومة".
فحتى قبل آخر مباراة ودية مع البحرين تسابقت الصحف والمواقع الرياضية المغربية، خلال الأسابيع الماضية، في الهجوم على المدير الفني للمنتخب الوطني، والأمر لا يتعلق فقط بالنسخة غير المقنعة التي كان عليها أصدقاء القائد أشرف حكيمي في المباراة الودية الأخيرة أمام البحرين، التي حُسمت بفضل هدف المدافع المونديالي جواد الياميق في الأمتار الأخيرة، بل أيضًا بانتقاد المدرب لعدم تقبله الرأي الآخر، كما وضح في سجاله الحاد مع أحد الصحافيين الذين أبدوا تحفظات على الأداء الجماعي لرابع مونديال قطر. وكان مدرب الوداد الأسبق قد تفاخر بإنجازه الفريد بقيادة المنتخب إلى 15 انتصارًا متتاليًا في مختلف المسابقات، معادلاً الرقم التاريخي للمنتخب الإسباني بين عامي 2008 و2009، لكنه أظهر علامات الغضب والامتعاض على مرأى ومسمع الجميع، فور سماع سؤال أحد الصحافيين عن "ضعف النشاط الهجومي" وغياب الأهداف الجماعية المنظمة. وردّ الركراكي قائلاً: "أعتقد أننا نملك أقوى خط هجوم في تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم، أليس كذلك؟"، ليرد عليه الصحافي بأن "تسجيل الأهداف لا يعني بالضرورة وجود أفكار هجومية، كما حدث اليوم من كرة ثابتة"، لينهي الركراكي النقاش بقوله: "يعني أن أقوى هجوم في تصفيات أفريقيا لا يملك أفكارًا هجومية؟ أنا أملك أفضل هجوم وأفضل سلسلة انتصارات". من أبرز نقاط النقد التي وُجهت إلى الركراكي: استدعاء لاعبين غير جاهزين بدنيًا أو لا يشاركون بانتظام في أنديتهم، واستبعاد عناصر شابة في قمة مستواها لصالح أسماء "مأمونة"، وهو ما وُصف ب "منطق الولاء لا الكفاءة". كما أشار محللون إلى ضعف التنويع الهجومي، والاعتماد المفرط على العرضيات واللعب الجانبي، مقابل غياب الحلول من العمق والتمريرات بين الخطوط، إضافة إلى بطء التحولات من الدفاع إلى الهجوم، ما يمنح الخصوم وقتًا لإعادة تنظيم خطوطهم. يضاف إلى ذلك ضعف استثمار الكرات الثابتة التي تحولت من سلاح فعّال إلى فرصة ضائعة متكررة. الركراكي، المعروف بعفويته وصراحته، لم ينجُ من انتقادات تتعلق بطريقة تفاعله مع الصحافة والجمهور. حين قال في إحدى الندوات "أحببتم أم كرهتم، أنا أفضل مدرب في تاريخ المنتخب"، اعتبر كثيرون تصريحه "ردًا دفاعيًا متشنجًا" زاد من حدة الانقسام بين مؤيديه وخصومه. في المقابل، يرى أنصاره أنه "يدافع عن مشروعه بثقة"، وأن الإعلام المغربي "يُسارع إلى جلد الناجحين عند أول تعثر". من جانبها، أيدت صحف رياصية مغربية وجهة نظر الصحافي الذي جادل الركراكي، معتبرة أن المنتخب يقف في "وضعية ركود" منذ فترة طويلة، وأن الأداء أمام البحرين كان "تسعين دقيقة من الرتابة الكروية". ووجهة إحدى الصحف الرياضية المغربية الكلام مباشرة إلى الركراكي قائلة: "إلى الركراكي.. آن لك أن تتعظ من ديشان"، مشيرة إلى أن المدرب المغربي مطالب بالتواضع والهدوء في تعاطيه مع النقد، اقتداءً ب "ديدييه ديشان" الذي ظل يتعامل برحابة صدر مع المعارضين خلال مسيرته الناجحة مع منتخب فرنسا. خروج المنتخب من كأس أمم إفريقيا 2024 أمام جنوب إفريقيا (0–2) شكّل لحظة مفصلية في مسار الركراكي، إذ رأى كثيرون أنه "فشل في نقل تجربة النجاح المونديالي إلى واقع القارة الإفريقية"، وأنه لم يُحسن التعامل مع الضغط الجماهيري ولا مع الخصوم ذوي التنظيم الدفاعي الصارم. كما أن تكرار الأداء الباهت في المباريات الودية الأخيرة أعاد النقاش حول جاهزية المنتخب لاستضافة البطولة القارية المقبلة في المغرب. لكن، منذ بداية 2025، انتشرت على المنصات الاجتماعية حملات تطالب بإقالته. وتحدثت بعض الصفحات عن "غضب جماهيري عارم"، فيما نقلت، إحدى المواقع الرياضية المغريية أن "مصادر جامعية تتابع الوضع دون نية فورية للتغيير". الناطق الرسمي باسم الجامعة، محمد مقروف، نفى مرارًا "وجود أي نقاش حول الإقالة"، مؤكدًا أن عقد الركراكي ممتد حتى نهاية 2026، وأن "الثقة به كاملة قبل استضافة كأس إفريقيا 2025". لكن هذا الهدوء المؤسسي لا يُخفي توترًا داخليًا، إذ تحدثت مصادر قريبة من الاتحاد عن "انقسام داخل الجامعة بين من يدعو إلى التجديد قبل البطولة القارية، ومن يرى أن الاستقرار هو الخيار الأنسب". ويرى الركراكي نفسه أن الانتقادات مبالغ فيها، مؤكدًا أن المنتخب المغربي "في طور التحول نحو لعب أكثر نضجًا يعتمد على الاستحواذ والتمرير"، مشددًا على أن "النتائج الجيدة لا يمكن إنكارها"، وأن العمل الحالي "يركز على بناء جيل متجانس لبطولة إفريقيا وكأس العالم 2026". غير أن محللين يحذرون من "فخ الركود الفني"، مؤكدين أن النجاح المونديالي السابق لا يبرر غياب التطور التكتيكي، وأن الإصرار على نفس الأسماء والنهج قد يُفقد المنتخب ديناميته. رغم الإنجازات التي لا يمكن إنكارها، يقف وليد الركراكي اليوم أمام مفترق طرق حقيقي: إما أن يُعيد إحياء روح "قطر 2022" عبر تطوير أسلوب لعب متجدد وتطعيم الفريق بعناصر جديدة، أو أن يستمر في مسار "النتائج دون المتعة"، ما قد يُضعف شرعيته أمام جمهور مغربي صار أكثر وعيًا ونقدًا. وفي كل الأحوال، تبدو "الاستمرارية" التي تراهن عليها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مشروطة بنتائج كأس أمم إفريقيا المقبلة، التي قد تُحدد مستقبل "الركراكيزم" بين الاستمرار أو الانطفاء.