25 نوفمبر, 2015 - 10:20:00 "أم المومنين"، إسم ل"مْعَلْمَة" في عقدها الأربعين، تهتف بقصيدة شعرية حسانية، غرضها المدح والتمجيد، في "مَرْجَع" (مكان مخصص للرقص والتغني بالشعر)، بإحدى سهرات الاحتفال بعرسٍ صحراوي بالعيون، كبرى الأقاليم الصحراوية. تهتف ب"طَلْعَه" أي قصيدة شعرية حسانية، اختلجت لها لواعج الحاضرين عند الهتف بها : ".. لسياد أنتوما عفاكم *** حلة خاطيكم مذمومة أخيار الموتى موتاكم *** وخيار الحيين أنتوما.." وهي "الطّلْعة" التي كست أرضية "لمعلمة" بعشرات الأوراق النقدية الزرقاء والحمراء، تكرمة لها على قصيدتها الممجدة والمادحة لأهل العريسان. استعراض لرقصة "معلّم" في إحدى الأعراس بالعيون - لكم ففئة "لَمْعَلْمِين" او "لَخْدَم"، اي الخَدم، في مجتمع البيضان بإقليم الصحراء، هي فئة مهمة من ساكنة إقليم الصحراء، سمراء البشرة، ومنذورة للخدمة و السعي لتجويد وتلميع صورة أهل العرس، وهي فئة لا تتجزأ عن المجتمع الحساني الصحراوي، حيث لا ينحصر دورهم على جانب الإثراء والإغواء ونظم الشعر في الأعراس الصحراوية فقط. بل في وظائف عملية اخرى تخصهم لوحدهم، كالصناعة التقليدية- اليدوية، من زينة، وملابس، وآواني وكل أدوات حياة البيضان بالصحراء. ذكاء الإغواء ..وسلطة اللسان اسماعيل الهموني، شاعر وباحث أكاديمي صحراوي في الثقافة الشعبية الصحراوية، يتحدث عن دور فئة "لَمْعَلْمِين" في اثراء احتفالية العرس الصحراوي بالمجتمع البيظاني جنوب المغرب، مؤكدا بان هذه الفئة "وظّفت ذكائها لإذكاء حدتها بكثير من الإغواء حتى تستحوذ على أكبر عدد من الجيوب. وأحيانا تجوب القصيدة الواحدة بل الوحيدة (الطّلْعَة) الكثير من القبائل و الخيام، ولا يتغير فيها سوى إسم القبيلة وأسماء أهل العرس". ومن ثم فإن الأمر -حسب الباحث- "يعكس تحولا في القيم نفسها للعرس إذا أضحى هذا الأخير مجالاً للاستعراض بدل التحصين، علما أن هؤلاء لا يملكون سوى سلطة اللسان التي يجودون خدماتها لتكون سلطانا يفترس الجيوب في إطار المدح التكسبي". ويرى الهموني، ان فئة "لَمْعَلْمِين"، اضحوا "يطوّرون مجالهم اليوم بكثير من الدهاء ويستطيعون المثابرة مادامت قيم الماضي الممجدة هي إحدى مداخل الخيمة /الذهنية الصحراوية، و كأن "لمعلّم" يترزق بالماضي ليبيعه لأهله، وليس له هو منه سوى أن يستعيده بكلمات قليلة يعمد اللسان إلى تسييدها". "طاقة منتجة" للتراث الصحراوي ابراهيم الحيسن، باحث في أنثروبولوجيا الصحراء، يعتبر فئة "لَمْعَلْمِين" بمثابة "طاقة منتجة" للتراث الحساني الصحراوي، موضحا ان "مهاراتهم الحرفية والذهنية، جعلت منهم يقدّمون أبهى صور الزينة والتشكيل في المجتمع الصحراوي، ولولاهم ما كان ليعرف للمجتمع الصحراوي من تراث يحتفي به اليوم على صعيد كبير". وأضاف الباحث بالقول :"ان لهذه الفئة حضور في عالم النسوة، فلطالما ما كانت ومازالت "لَمْعَلّمَة"، حافظة لأسرار الحرائر، ورسولة أمينة بين العشاق، وهي من تجمل العرائس، ولا يستغنى عنها في كل تحفيل". "فَسْخَة " العروس ونصيب "لَمْعَلْمِين" في فَسْخَة العروس، يوجد نصيب مهم لفئة "لَمْعَلْمِين"، و"الفَسْخَة" هي مصطلح حساني يدل على مجموع الهدايا المقدمة من أهل العريس للعروس، المكونة في الغالب من الألحفة، والزينة، والعطور، والمجوهرات، وهدايا أخرى، حيث تقوم العروس في اليوم الثاني بعد ليلة "الدخلة"، بتوزيع البعض منها على فئة "لَمْعَلْمِين"، تكرمةً على خدمتهم، وإثرائهم ليوم العرس، وعلى قصائد المدح، التي قيلت في حق أهل العريسان وقبيلتهم او قبيلتيهما. "حَوْصَة " العروس هنا يظهر جليا دور فئة "لَمْعَلْمِين"، في اثراء اجواء الاحتفال بالعرس الصحراوي، حيث تشحن "لَمْعَلْمَة"، الأجواء ليصير أهل العريس، في محنة من أمرهم لتحرير قطعة ثمينة من حلي العروس، من يد "لَمْعَلْمَة" عن طريق "لَعْلاَگَة" اي قدر مهم من المال يتم منحه امام الملأ للمعَلْمة المحتجزة للحلية، من قبل العريس او احد وزرائه (رفاقه)، لتنهمك باقي "لَمْعَلمات" في جمع الأوراق النقدية المترامية على كبيرتهم محتجزة الحلية، وهو ما يعرف ب"حَوْصَة" العروس، وذلك تعبيرا رمزيا عن حب وتعلق العريس في عروسه، وسط اجواء مفعمة بالفرح والرقص والغناء والإحتفال، والزغاريد وعبارات الشكر والتمجيد، تستمر حتى مطلع الفجر. جانب من رقصة ل"معلّم" في "مرجع" إحدى سهرات الاحتفال بعرس صحراوي - لكم وعموما، تظل فئة "لمعلمين"، فئة اجتماعية، لا تتجزأ من المجتمع الصحراء، جنوب المغرب، وتعلب أدوارا ديناميكية في الصحراء، و تبقى لها من الحظوة الرمزية والثقافية، في كثير من المناسبات الاجتماعية والثقافية، على الرغم مما يقابل ذلك من انتقادات لسلوكياتها، واطباعها "المفروضة" بحكم سلطة الثقافة والتقاليد.