كشف "مؤشر الحرية الأكاديمية لعام 2025" الصادر عن معهد "ف-ديم" وجامعة "فريدريش-ألكسندر إرلانغن-نورنبيرغ" أن المغرب لا يزال يصنف ضمن الدول التي تحتل المراتب الدنيا عالميا فيما يتعلق بمستوى الحرية الأكاديمية. ووفقا للتقرير، الذي استند إلى تقييم فعلي لوضع الحرية الأكاديمية في 179 دولة وإقليما حتى دجنبر 2024، فإن المغرب جاء ضمن الشريحة التي تمثل أدنى 40-50 بالمائة من دول العالم بحسب المؤشر، إلى جانب بلدان مثل السنغال والصومال ومالديف وليبيريا، ما يعكس استمرار التحديات التي تواجه الأكاديميين والباحثين المغاربة في ممارسة حريتهم في التعليم والبحث والتعبير الأكاديمي.
التقرير الذي أعده أكثر من 2360 خبيرا محليا باستخدام استبيانات موحدة ونموذج إحصائي راسخ يعتمده مشروع "ف-ديم"، أشار إلى أن تقييم الحرية الأكاديمية يعتمد على خمسة مؤشرات رئيسية، هي حرية البحث والتعليم، حرية التبادل الأكاديمي ونشر المعرفة، الاستقلال المؤسسي للجامعات، سلامة الحرم الجامعي، وحرية التعبير الأكاديمي والثقافي. ورسم التقرير صورة قاتمة للوضع العربي في مجال الحريات الأكاديمية، حيث صنفت الغالبية الساحقة من الدول العربية ضمن أدنى الشرائح العالمية. فقد أظهرت النتائج أن حرية البحث والتعليم والتعبير الأكاديمي تواجه قيودا صارمة في معظم بلدان المنطقة، بما فيها تلك التي شهدت انتفاضات شعبية خلال العقد الماضي على أمل تعزيز الحريات العامة. وتتوزع لدول العربية بين مراتب متدنية للغاية مثل مصر وسوريا وفلسطين، التي جاءت ضمن أدنى 10 بالمائة عالميا، وبين أخرى تعاني من درجات متفاوتة من التقييد كما هو الحال في المغرب والجزائر وتونس والأردن والعراق. ويُبرز التقرير أن هذه الوضعية العربية ليست عابرة أو مرتبطة بأحداث استثنائية، بل تمثل اتجاها بنيويا متواصلا تعززه مجموعة من العوامل، أبرزها تدخل الدولة في شؤون الجامعات، القيود القانونية المفروضة على حرية التعبير، ضعف استقلالية المؤسسات الأكاديمية، وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في بعض البلدان. كما أن غياب منظومات حماية فعالة للأكاديميين، وانتشار ثقافة الرقابة الذاتية داخل الحرم الجامعي، يفاقمان من تآكل المساحات الحرة الضرورية لتطور البحث العلمي والإبداع الفكري. في مقابل ذلك، لم تسجل أي دولة عربية تحسنا معتبرا في المؤشر خلال العقد الأخير، وهو ما يضع المنطقة خارج مسار التطورات الإيجابية المحدودة التي سجلتها بعض الدول في العالم. أما على الصعيد العالمي، فقد أشار التقرير إلى أن الحرية الأكاديمية تعيش مرحلة تراجع مقلقة مقارنة بالعقود السابقة. فمن بين 179 دولة وإقليما شملها المؤشر، سجلت 34 دولة انخفاضا إحصائيا كبيرا في مستوى الحرية الأكاديمية خلال العشر سنوات الماضية، بينما لم تشهد سوى ثماني دول تحسنا. ويرجع التقرير هذا التراجع بالأساس إلى تصاعد القوى السياسية المعادية للتعددية، حيث تبين أن صعود الأحزاب ذات النزعات السلطوية إلى الحكم يترافق عادة مع تآكل ضمانات الحرية الأكاديمية. وقد أثبتت بيانات تغطي أكثر من خمسين سنة أن الحرية الأكاديمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بصحة الأنظمة الديمقراطية، وأن الانحراف نحو الحكم التسلطي غالبا ما يؤدي إلى قيود على البحث العلمي والنقاش الحر داخل الجامعات. وعرض التقرير ثلاث حالات دراسية بما فيها الأرجنتين، بولندا، والولايات المتحدة، لتوضيح كيف أن التغيرات السياسية الداخلية يمكن أن تؤثر بسرعة وبشكل حاد على المشهد الأكاديمي، سواء عبر التشريعات المقيدة أو عبر التهديدات المباشرة ضد الباحثين. في هذا السياق العالمي المتوتر، تبدو التحديات التي تواجه الحرية الأكاديمية لا تقتصر فقط على الدول النامية أو الأنظمة السلطوية، بل تمتد أيضا إلى ديمقراطيات راسخة تواجه صعود الحركات الشعبوية والمعادية للمؤسسات. ويُذكر أن مشروع مؤشر الحرية الأكاديمية بدأ سنة 2017 بمبادرة من باحثين في ألمانيا بدعم من مؤسسة "فريتز تيسن"، وتم تطويره لاحقا بالشراكة مع برنامج التعليم العالي لمؤسسة المجتمع المفتوح وشبكة "باحثون في خطر"، بالإضافة إلى معهد السياسات العامة العالمية. وقد صدر أول إصدار للمؤشر سنة 2020، ومنذ ذلك الحين أصبح يعد المصدر الأكثر شمولا للبيانات المتعلقة بحرية البحث والتعليم حول العالم، مع استمرار تطويره بتمويل من مؤسسة "فولكسفاغن".