قال معهد كارنيغي للسلام الدولي إن ترسيم الحدود في الصحراء ليس نهاية المطاف، بل يمثل بداية مسار طويل لحل النزاع، مشيرا إلى أن هناك قضايا جوهرية أخرى يجب معالجتها لضمان استقرار دائم في المنطقة. ومن بين هذه القضايا مصير نحو 170 ألف لاجئ صحراوي يعيشون في مخيمات بالجزائر، ودور الأطراف الإقليمية، ومستقبل المقاتلين السابقين في البوليساريو، فضلا عن ترتيبات تقاسم السلطة داخل الحكم الذاتي المقترح. وأوضح المعهد في مقال بحثي أن أي حل مستقبلي للنزاع لا يمكن أن يقتصر فقط على الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على الصحراء، بل يجب أن يتضمن كذلك مقاربة شاملة تضمن اندماج الصحراويين في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمغرب. وأشار إلى أن المغرب قد يحتاج إلى تقديم حوافز إضافية لجذب الصحراويين للاندماج، تتجاوز مجرد الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية، خاصة في ظل استمرار رفض بعض الأطراف للطرح المغربي.
وذكر معدّا المقال، سارة ييركس ونتالي تريش، أن من بين التحديات الكبرى التي تواجه المغرب في هذا الملف هو ضرورة التفاوض على مستقبل المقاتلين السابقين في البوليساريو، وما إذا كان سيتم دمج عناصرها في الأجهزة الأمنية المغربية أو تفكيكها بالكامل، وهي مسألة معقدة تتطلب ترتيبات أمنية وسياسية دقيقة. كما أكدت الباحثتان أن هذا الملف قد يستوجب تدخلاً من جهات دولية للمساعدة في وضع آليات تضمن تنفيذ أي اتفاق مستقبلي. من جانب آخر، شدد معهد كارنيغي على أن الجزائر تظل طرفا أساسيا في أي تسوية مستقبلية، رغم إصرارها على أنها ليست جزءاً مباشراً من النزاع. وأشار المقال إلى أن المغرب يرفض هذا الموقف، ويشترط مشاركة الجزائر في المفاوضات، وهو ما يظل نقطة خلاف رئيسية تعرقل أي تقدم جوهري في حل النزاع. وأضاف المعهد أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولاياتالمتحدة، يمكن أن يلعب دور الوسيط بين الطرفين لتقريب وجهات النظر، لا سيما أن واشنطن تتمتع بعلاقات إيجابية مع المغرب والجزائر على حد سواء. وفي سياق آخر، لفت التقرير إلى أهمية الاستثمارات الدولية في الصحراء باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق التنمية والاستقرار. وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة وفرنسا وإسبانيا سبق أن تعهدت بضخ استثمارات كبيرة في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يعزز الاقتصاد المغربي ككل، لكن هذه الاستثمارات يجب أن تكون مشروطة بإرساء أنظمة حوكمة تشاركية تسمح بإشراك الصحراويين في إدارة شؤونهم المحلية، مع مراقبة دولية لضمان حسن التنفيذ. كما أوضح المعهد أن السياسة الأمريكية تجاه الصحراء قد تشهد تحولات خلال الولاية الثانية لدونالد ترامب، مشيرا إلى أن قرار الاعتراف بالسيادة المغربية الذي اتخذته الإدارة الأمريكية في 2020 لم يسهم في حل النزاع، بل أدى إلى تصعيد التوترات وإنهاء وقف إطلاق النار الذي استمر منذ 1991. ورجح التقرير أن تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى إيجاد توازن بين الحفاظ على علاقتها القوية مع المغرب، وبين تجنب إغضاب الجزائر التي شهدت علاقاتها مع واشنطن تحسناً ملحوظاً في عهد الرئيس جو بايدن، لا سيما في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. وفي هذا السياق، يرى التقرير أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تلعب دورا مهما في الضغط على البوليساريو للقبول بوقف الأعمال العدائية كخطوة أولى نحو حل نهائي، بدلاً من السعي إلى فرض وقف إطلاق نار شامل قد يكون من الصعب تطبيقه في ظل الأوضاع الراهنة. كما أشار إلى أن الكونغرس الأمريكي قد يخصص مساعدات مالية لدعم مشاريع التعايش بين المغاربة والصحراويين في المنطقة، وهو ما قد يساعد في بناء الثقة بين الطرفين وتخفيف التوترات. وأكد المعهد أن أي فشل في تبني مقاربة مسؤولة لإنهاء النزاع قد يؤدي إلى تصعيد جديد للعنف، مما قد تكون له تداعيات خطيرة على المنطقة بأسرها، خاصة في ظل تعاظم المخاطر الأمنية والاقتصادية. محذرا من أن النزاع قد يؤثر سلباً على إمدادات الطاقة القادمة من الجزائر إلى أوروبا، كما قد يهدد استقرار حركة التجارة في مضيق جبل طارق ويؤدي إلى زيادة تدفقات الهجرة غير النظامية نحو الضفة الشمالية للمتوسط. وخلص معهد كارنيغي إلى أن الحل الأمثل لهذا النزاع يجب أن يكون قائما على مقاربة متعددة الأطراف تشمل حلاً سياسياً واقعيا، مع تعزيز التنمية الاقتصادية وإرساء آليات حكم رشيد يشارك فيها الصحراويون بفاعلية. وأوصى بضرورة استمرار مهمة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (المينورسو) لمراقبة أي اتفاق مستقبلي، مشددا على أهمية دور الدول الأوروبية في دعم مسار السلام، سواء عبر الاستثمارات أو من خلال الضغط الدبلوماسي على الأطراف المتنازعة للتوصل إلى تسوية نهائية تضمن الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل.