أفق جديد للتسامح الديني أم خطوة نحو التجزئة ؟ في خطوة جريئة وغير مسبوقة، أعلن رئيس الوزراء الألباني إيدي راما عن خطط لإنشاء دولة ذات سيادة للطريقة البكتاشية في العاصمة تيرانا، مستوحاة من نموذج دولة الفاتيكان. هذا الإعلان يثير نقاشًا واسعًا حول مفهوم التسامح الديني، العلاقة بين الدين والدولة، وحدود السيادة الوطنية في عالم يتسم بالتعقيد الثقافي والسياسي. البكتاشية، التي نشأت كطريقة صوفية في القرن الثالث عشر ضمن الدولة العثمانية، انتقلت إلى ألبانيا عام 1929 بعد أن حظرتها تركيا الحديثة. اليوم، تسعى ألبانيا إلى منح هذه الطريقة الصوفية مساحة مستقلة، لتكون بمثابة مركز ديني وثقافي يحمي إرثها ويعزز التسامح في بلد شهد في تاريخه تقلبات دينية وسياسية كبيرة. لكن هذه الخطوة تطرح تساؤلات فلسفية وسياسية أعمق: هل يمكن لهذه الدولة المصغرة أن تكون نموذجًا عالميًا للتعايش، أم أنها قد تمهد الطريق لمزيد من الانقسامات داخل المجتمعات الوطنية؟ من منظور فلسفي، يعكس هذا المشروع محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين الدين والدولة. في حين أن ألبانيا تؤكد أن هذا الكيان الجديد لن يهدد سيادتها، فإن فكرة وجود دولة دينية داخل دولة قومية قد تُعتبر لدى البعض تحديًا للمفهوم التقليدي للسيادة. هل يمكن للتعددية الدينية أن تُدار من خلال إقامة كيانات مستقلة، أم أن هذا يعكس عجزًا عن خلق مساحات للتنوع داخل الإطار الوطني الواحد؟ التاريخ يعلمنا أن التسامح الديني لا ينحصر فقط في إيجاد حلول تنظيمية، بل في بناء ثقافة تتقبل التنوع وتحتضنه كجزء من الهوية الوطنية. هنا، قد يكون السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمثل إنشاء دولة للبكتاشية حماية للهوية الدينية، أم أنه يعكس انسحابًا تدريجيًا للدولة من دورها كحاضنة للتنوع الديني والثقافي؟ في النهاية، تعكس هذه الخطوة الألبانية نقاشًا عالميًا حول كيفية إدارة المجتمعات لتنوعها الديني والثقافي. وبينما قد يراها البعض مبادرة لتعزيز التسامح، فإن آخرين يخشون من أن تصبح سابقة قد تؤدي إلى مطالب مماثلة من مجموعات أخرى، مما يعيد تشكيل مفهوم الدولة الحديثة. في كلتا الحالتين، يمثل هذا المشروع فرصة للتأمل في العلاقة بين الدين والسياسة، بين الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية، وبين التعددية والوحدة.