* 31 أكتوبر, 2015 - 04:58:00 منذ 2011 قامت الحكومة المغربية بتوقيع اتفاقيات مع مؤسسات محلية واقليمية، عبر ولايات الوطن للنهوض بالبيئة وتدبير الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة من اجل حكامة جيدة للقطاع الصحي والغذائي غيران هذه القوانين والاتفاقيات البيئية لازالت تنتظر التطبيق على ارض الواقع. مجهود ناقص.. تلعب المجالس البلدية والقروية دورا كبيرا في تحقيق نتائج ايجابية في إطار اوراش التأهيل البيئي غير أنها تبقى بعيدة عن هذا الهدف في المغرب رغم تأكيد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة على ضرورة إشراك فعاليات منها المؤسسات الحكومية، والجماعات المحلية والمجتمع المدني و الجامعات ومعاهد البحث العلمي لوعيها بان الحفاظ على البيئة كان ولازال مشروعا مبنيا على جهود كافة اطراف المجتمع. ويبقى تدبير المياه من اهم التحديات التي ستواجه المغرب في السنوات القادمة. تبلور هذا الوعي في إطار حتمية النهوض بتنمية مبنية على الاستدامة، حيث ظهر اهتمام بملف البيئة من طرف الحكومة المغربية، خاصة في السنوات الاخيرة، من خلال تعدد القطاعات الوزارية ككتابة الدولة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء ونظيرتها المكلفة البيئة. لقد انصب عمل الإدارة المركزية على ما هو نظري وخصوصا على ما يعرف بالتنمية الاقتصادية وعلاقتها باشكالية البيئة من تلوث صناعي، ونفايات سائلة وصلبة، وتلوث الهواء، وتلوث المياه. من المعيشي الى التسويقي في واحات الاطس الصغير نال تدبير المياه الباطنية حيزا وافرا من دراسات جغرافية وفلاحية وتاريخية وانثروبولوجية منذ بدايات الفترة الاستعمارية الى ألان. لقد ركز الباحثون اهتمامهم العلمي على ما يسمى بتقنية الخطارات في استغلال المياه. حيث يتم الاعتماد على جلب المياه الباطنية عبر حفر ابار يتم ربطها على شكل عيون باطنية . لقد مكنت هذه التقنية من استغلال المياه في هذه المناطق شبه الصحراوية بطريقة مكنت من الحفاظ على الخزان المائي الباطني لقرون عديدة فساهمت بذلك في استقرار بيئي وسكاني. ان التكافل الاجتماعي والسلم القبلي النسبي والمبني على قوانين عرفية وشرعية مكنت القبيلة في جموع واحات الاطلس الصغير من عدم استنزاف الاحتياطات من المياه الباطنية عبر تقنين الأمكنة والأراضي التي يمكن لأسر حفر آبار بها بالإضافة الى منع استغلال أراضي القبائل والجموع في مشاريع فلاحية سقوية لأغراض فردية حتى بدايات الثمانينات من القرن الماضي. في العقود الأخيرة من القرن العشرين بدأت ساكنة الأطلس الصغير تميل نحو فلاحة تسويقية اكثر منها معاشية لتحسين مستوى عيشها اليومي في ظل قلة فرص العمل. تراجيديا المشاعات شكلت زراعة الحناء والبطيخ الأحمر والفصة أهم الموارد الفلاحية التسويقية، إلا أن الساكنة المحلية تستمر الى اليوم في تجاهل سلبيات هذه الزراعة التي تؤدي الى استنزاف تدريجي للمياه الباطنية في مجموع مداشر الاطلس الصغير مما قد يؤثر مستقبلا على الاستقرار السكاني في المنظقة. الاستغلال الفاحش وغير المقنن للمياه الباطنية والضئيلة من اجل زراعات تستهلك كميات كبيرة من المياه يدخل في اطار ما أطلق عليه "غاريت هاردن" بمأساة او تراجيديا المشاعات. ان البطيخ الاحمر ونبتة الحناء يتطلبان كميات كبيرة من الماء، حيث أدت هذه الزراعة الى استنزاف الفرشة المائية في مجموعة من القرى في السنوات الأخيرة . فهذا الاستغلال اللامسؤول الذي يؤدي يوميا الى استنزاف الموارد المحلية من المياه من قبل العائلات المحلية بوعي او عن غير وعي من اجل ربح فردي يتعارض مع المصلحة العامة للقبائل المحلية و منطقة الأطلس الصغير على العموم. لقد وفرت زراعة نبتة الحناء والبطيخ الاحمر مثلا مداخيل مالية لساكنة المنطقة لشراء حاجياتهم اليومية رغم ان أثمنتها تخضع لقانون العرض والطلب الذي يتأثر باستمرار بتقلبات سوق داخلية وخارجية كما ساهمت هذه المداخيل، رغم محدوديتها، في تحسين ظروف عائلات عديدة. لكن هذه السلوكيات الفردية للمزارعين في مختلف مناطق الأطلس الصغير تبقى سلبية على مستوى المصلحة المشتركة. ان التنمية المستدامة في الأطلس الصغير لا يمكن ان تتحقق من دون امن مائي يوفر ماء السقي والشرب والاستهلاك المنزلي لساكنة الأطلس الصغير في المدى الطويل في ظل تغيرات مناخية تتمثل في احتباس حراري وتصحر مستمر.
*استاذ باحث في الانثروبولوجيا والتاريخ جامعة كاليفورنيا، لوس انجلوس