بعد استماعي للحلقة الثانية من بودكاست "كلام في السياسة"، التي يقدمها الصحافي الملهم توفيق بوعشرين، وجدت نفسي منجذبا للتأمل فكرة المؤسسات التمثيلية. تلك المؤسسات التي كانت في الأصل تجسيدا لفكرة "الإرادة العامة" عند روسو، أصبحت اليوم شيئًا أقرب إلى تطبيق "Glovo"، أي وسيط أداتي ينقل الطلبيات دون أي اهتمام بالغايات الكبرى أو الميتافيزيقا السياسية التي نشأت من أجلها. إذا أردت فهم المؤسسات التمثيلية اليوم، فلا داعي لقراءة فلسفة روسو أو أرسطو؛ فقط افتح تطبيق Glovo. فكما يقوم هذا التطبيق بدور الوسيط بينك وبين المطعم، تقوم المؤسسات بدور الوسيط بين الشعب والسلطة. المشكلة تكمن في إنزلاقها نحو "الأداتية" التي انتقدها ماكس فيبر، حيث تصبح المؤسسات مجرد جهاز تقني فاقد للروح القيمية: * الطلبات الفردية أو ًلا: تريد شيئًا؟ ضع طلبك، لكن لا تتوقع أن يصل ساخنًا أو كما طلبته. * غياب البُعد الغائي: Glovo لا يسأل إن كنت تطلب طعاما صحيا أو أطعمة مقلية؛ ينقل فقط. وبالمثل، المؤسسات التمثيلية في نسختها المشوهة تفعل الشيء نفسه: تنقل ما يطلبه أصحاب النفوذ، حتى لو كان ذلك على حساب "الخير الأسمى" الذي تحدث عنه أرسطو. * مشاكل الخدمة: إذا تأخر طلبك من Glovo، يمكنك الاتصال بخدمة العملاء. أما المؤسسات التمثيلية؟ فلا تتوقع جوابا مقنعا، لأن الإجابة غالبًا ستكون على شاكلة العبث الكافكاوي: "هذا ليس من اختصاصنا، تحدث مع جهة أخرى." لكن دعونا نضحك قليلا! حتى Glovo لديها ميزة التقييم. بعد كل طلب، يمكنك أن تضع نجمة واحدة أو خمس نجوم. أما المؤسسات التمثيلية؟ الشعب يمنحها تقييمه في الانتخابات، لكنها رغم ذلك تعود لتعمل بنفس الطريقة: طلبات متأخرة، خدمة رديئة، وأحيانًا يختفي الطلب تماما في دهاليز البيروقراطية. تخيل لو أصبحت السياسة مثل Glovo حرفيا! * تطبيق المؤسسات التمثيلية: يمكنك اختيار "مشروع قانون مكافحة الفساد" أو "برنامج دعم الشباب". وبالطبع، هناك خيارات إضافية مقابل رسوم رمزية: "إسراع الإجراءات" أو "تخطي الطوابير". * خاصية التوصيل السريع: "طلبك سيتم توصيله في أقرب دورة برلمانية… ربما." * خصومات النخبة: إذا كنت من أصدقاء السلطة أو من "النخب"، قد تحصل على خصومات خاصة على مشاريعك وقوانينك، وفًقالمنطق "رأسماليةالمحاباة" أومايسمى بالعامية "باك صاحبي". * إذا كانت المؤسسات تُختزل في نقل الطلبات دون تمثيل حقيقي لإرادة الشعب، فإننا نعيش أزمة اغتراب مزدوجة: اغتراب الشعب عن مؤسساته، واغتراب المؤسسات عن وظيفتها الأصلية. * هذا يذكرنا بتشيؤ المؤسسات (Reification) الذي أشار إليه ماركس، حيث تتحول المؤسسات من كيان حي يمثل الروح الجمعية للشعب إلى مجرد أداة فاقدة للحياة. وبينما كنت أستمع لبوعشرين، أدركت أن الفرق الحقيقي بين Glovo والمؤسسات التمثيلية هو أن Glovo على الأقل يعترف بأنه مجرد وسيط. أما المؤسسات، فتصر على أنها تعمل لمصلحة الشعب، بينما هي في الواقع تُشبع رغبات "الزبائن المهمين" فقط. لذا، إن كنت مواطنًا ينتظر من المؤسسات أن تخدمه، فعليك أن تتحلى بالصبر، أو ربما تحمل معك وجبة خفيفة لأن "التوصيل السياسي" قد يتأخر.. وربما يصل باردا، تماما مثل بيتزا في آخر الليل! يبقى السؤال: لو أعطينا المؤسسات التمثيلية تقييم نجمة واحدة، هل سيأتي مندوب عنها ليعتذر لنا؟ أو إذا فقدنا الثقة بالمؤسسات، هل نستطيع طلب استرداد سياسي مثل طلب استرداد الأموال؟