10 أكتوبر, 2015 - 04:02:00 جائزة نوبل للسلام التي أسندتها، أمس الجمعة، اللجنة النرويجية، لرباعي الحوار الوطني في تونس، أعادت الديناميكية وضخّت الحياة من جديد في شرايين بلد استطاع شعبه، رغم جميع الصعوبات والعقبات، أن يغيّر مجرى التاريخ ويعبّر عن مواقفه بحرية، وأن يُعمل تأثيره في الحياة السياسية عبر صناديق الاقتراع بشكل مثّل حافزا بالنسبة للتونسيين منذ ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، التي وضعت حدّا ل 23 عاما من الدكتاتورية. غير أن نشوة الانتخابات التشريعية والرئاسية لشهري أكتوبر ونوفمبر/تشرين الأول وتشرين الثاني 2014، التي أتاحت عملية تداول سياسي جرت بشكل ديمقراطي، سرعان ما عقبها خمول بدأ يدب في نفوس التونسيين وربما ضيق أفق حجب الرؤية عن العقول، بعد أن عادت أشباح الماضي تخيم على النفوس، وشرور أخرى ظهرت لتذّكر بأن رجع صدى الديمقراطية يمكن ان يكون مخيفا إذا ما قوربت الأخيرة كغاية و ليس كوسيلة لمراجعة النفس بشكل دائم. وضع قاتم تجسد عبر اختلال وظيفي أصاب مفاصل المؤسسات التونسية وعجزها عن احتواء أزمات تضخمت تعقيداتها في ضوء سياق دولي غير ملائم كان من تداعياته عدم وصول المساعدات الخارجية وتهديد إرهابي بات يسبب صداعا مزمنا ويقف حاجزا أمام أي قدرة على التفكير السليم، لتأتي حادثة متحف باردو في شهر مارس/آذار الماضي، وتعقبها عملية شاطئ مدينة سوسة الساحلية التي راح ضحيتها عدد من السياح الأجانب، كي تصيب في مقتل أحد القطاعات المفتاحية للبلاد. الضحايا أيضا من الجيش و الشرطة، حيث يخوضون حربا شبه يومية ضد جماعات إرهابية، تتحصن بالجبال تارة و تذوب مع بقية السكان عند السفح طورا في لعبة كر وفر دموية في غالب الاحيان. الحزب الحاكم، ومن ورائه، مؤسسه والرئيس الحالي للبلاد، الباجي قائد السبسي، لا يبدو في أفضل أحواله حيث تتهده الانقسامات، لا سيما على إثر استقالة أحد وزرائه، لزهر العكرمي، قبل أيام، تنديدا بما اعتبره "تفشيا للفساد". وأول أمس الخميس، أي قبل يوم واحد من إسناد جائزة نوبل للسلام للرباعي، راعي الحوار الوطني بتونس، نجا نائب عن حزب نداء تونس، الحزب الحاكم من محاولة اغتيال زادت من منسوب القلق والحيرة لدى التونسيين، لا سيما وان أوراق السياسة والفساد والإرهاب بدت مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا الصنف من الممارسات. وعلى الرغم من أن الوعود الانتخابية للباجي قائد السبسي، شملت تعهدا ب "إماطة اللثام" عن الاغتيالات السياسية السابقة التي راح ضحيتها شكري بالعيد (فبراير/شباط 2013) و محمد البراهمي (يوليو/تموز 2013)، غير أن حلكة الأوضاع لم تزد إلا سُمكا، على الرغم من أن البلد نجا من السقوط في أتون فوضى قاتمة، انحدرت إليها دول الجوار – يبقى الامل قائما في كل عنفوانه. ولم يأت تكريم لجنة جائزة نوبل للسلام إلا تشريفا لمجهودات 4 من مؤسسات المجتمع المدني التونسي في إنقاذ البلاد، في وقت كانت الاستقرار الأمني والاجتماعي مهددا بالانهيار، تكريم جاء أيضا ليلملم جروح التونسيين ويسقيهم جرعة أمل، أتت في موعدها لتجديد طاقة احتمالهم لوضع يجثم على النفوس بكل ثقل أوزاره. وإن لم يعش التونسيون أهوال الحرب الأهلية كتلك الجارية عند القريب من جوارهم، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى تثبيط العزيمة لديهم، قهؤلاء هم أنفسهم الذين برهنوا للعالم برمته عن شجاعة شعب كان في "سبات اضطراري"، ثار ذات 14 يناير/كانون الثاني وزعزع أركان دكتاتورية كانت تختال وتتمايل على مدائح حلفائها من كل صوب. الاعتراف الدولي المتجسد عبر حصول تونس على جائزة نوبل للسلام، يأتي إذن ضمن هذا السياق، يلملم بعضا من الجراح و يضخ دماء جديدة في شرايين أفراد الشعب التونسي الذي سيذرك مرة أخرى أن الديمقراطية، كما السعادة تماما، ليست حالة دائمة، بل من نافل القول أنها تستدعي بذل طاقة يومية لإعادة اكتشافها مع صباح كل يوم، وهي ليست حكرا على السياسيين، بل ثمرة شهية لحصاد جمعي يشارك الجميع فيه، ويسترجع من خلاله طاقة نارية أطردت دكتاتورية مقيتة و تحدت تطرفا بغيضا، وأدهشت العالم. شكرا نوبل، فالتونسيون كانوا بحاجة إلى بعض من الجوائز، ليس لغاية الافتخار، ولكن لاستعادة قبس من الامل، ولمواصلة الطريق الطويلة. ترجمة مهدي بن رجب -الأناضول