في مدينة "قلعة مكونة" المغربية، أنامل تُلين المعدن لتصنع منه "خناجر"، فتتجسد بذلك المهنة الموروثة التي تحولت إلى جسر يربط الماضي بالحاضر، وصارت مورد رزق لأصحابها، وزينة للرجال في هذا المجتمع، وهدية للأصدقاء والزائرين من الخارج. تلك هي حكاية حرفيين تقليديين، في المدينة التي تُعتبر أشهر منطقة بالمغرب، في صناعة خناجر تعج مقابضها بزخارف متعددة ترتبط في غالب الأحيان ببيئة المجتمع المحلي. في المدينة، تلتقي مجموعة من صانعي الخنجر المغربي التقليدي، في تعاونية أطلقوا عليها اسم "أزلاك"، نسبة إلى قرية اشتهرت بهذه الصناعة، محاولين جمع شتات الحرفيين، ورفع قيمة المنتج، ناهيك عن تأطير أمثالهم وتدريبهم وتشجيعهم على المزيد من الابتكار والإبداع. وسط مقر التعاونية الفسيح، والذي يضم ورشاً صغيرة، ينهمك محمد ايت سعيد، في زينة الخنجر الذي تتطلب صناعته مراحل متعددة، تبدأ بالتصميم على قطعة معدنية. لوحة لرجل أمازيغي يتزين بخنجر تقليدي يقول سعيد:" يمر الخنجر بمراحل مختلفة، فبعد التصميم والتقطيع تأتي مرحلة الطبع (الزينة) التي تعكس ذوق ووعي المعلم (الصانع)، وهذا الأمر يختلف من واحد لآخر، ومن خنجر لآخر". وغير بعيد عن زملائه، يجلس الحسين ايت سعيد، وفي يده خناجر يضع عليها لمساته الشخصية. يقول الحسين للأناضول "بعدما نأخذ قطعة من المعدن الأبيض أو الأصفر، ونقوم بتصميم الشكل الذي نريد، نقطعها حسب مقاييس وأشكال مختلفة، ثم تأتي مرحلة طبع الزينة على الخنجر". "كل شكل من أشكال التزيين له دلالة ترمز إلى المنطقة أو إلى تراث قديم في المغرب، قد تكون له جذور عربية، أو أمازيغية، أو يهودية، حيث لايزال يستعمل صانعو الخنجر التقليدي رموزاً يهودية كان يستعملها يهود مغاربة امتهنوا هذه الحرفة قبل رحيلهم"، بحسب الحسين طوس، رئيس تعاونية "أزلاك" التي تأسست عام 1983. رسالة طوس وزملائه في التعاونية تكمن، كما قال للأناضول، في "المحافظة على هذا الموروث الذي يرفعون به قيمتهم وقيمة بلادهم"، مضيفاً "الخنجر الذي يُصنع في المنطقة، معروف أنه إرث قديم، ويتميز وبأشكال تزينه لها دلالات رمزية وتاريخية". ويمضي قائلاً: "التقينا هنا في التعاونية، من أجل جمع شتات الصناع، والرفع من قيمة المنتوج، وكذا القرب من الزبائن، وتأطير الحرفيين وتكوينهم وتشجيعهم على المزيد من الابتكار والإتقان، وكذا التسويق الجيد للخنجر". عملية التسويق والتي تعتبر من أكبر المشاكل التي تواجه هؤلاء الحرفيين، تعددت وجهاتها، بحسب طوس، بين معارض مغربية للصناعة التقليدية، والبيع بالجملة للزبائن من أصحاب محلات بيع التحف السياحية في مدن مختلفة بالبلاد، وصولاً إلى المشاركة في معارض دولية في فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما، ما أهّل هذا المنتج لأن يصبح له صدى دولي، والحصول على جوائز من الخارج". وعن أنواع وأشكال الخناجر المُنتجة، يتابع رئيس التعاونية: "نحن ورثنا عن أجدادنا نوعاً من الخناجر يُسمى (عمارة ونصف)، أو (إقامة ونصف)، لكن مع ابتكارات الصناع واجتهاداتهم أصبح هناك أنواع كثيرة يصعب حصرها، بأشكال مختلفة منها المستقيم والملوي، وبمعادن بيضاء وصفراء وحمراء، تناسب أذواق الزبائن". خنجر مغربي من القرن 19 من الفضة الخالصة ويتراوح ثمن الخنجر التقليدي الواحد بين 300 درهم (حوالي 33 دولارا أمريكياً)، و1000 درهم (حوالي 110 دولارات). ويحتفظ صناع تعاونية "أزلاك" الذين يبلغ عددهم 200، بما قالوا إنه أكبر خنجر صُنع في المغرب، بطول يبلغ 5 أمتار و 40 سنتمترا، في فضاء مخصص لعرض الخناجر التي ينتجونها بأحجام وأشكال متنوعة". وفي الفضاء المذكور، الذي يعتبر ساحة للتسويق، يستقبل الحرفيون عدداً كبيراً من الزوار من المغرب والخارج يتعرفون على تاريخ الخنجر، وتاريخ الصناعة التقليدية". ووفق رئيس التعاونية "لا تكتمل زينة الرجال، قبل خروجهم من منازلهم، في منقطة قلعة مكونة، ومناطق أمازيغية أخرى في المغرب، إلا بتعليق خنجر متوسط الحجم على أحد جانبيه". ولا تتوقف أهمية الخنجر عند هذا الحد، فوفق التقاليد المحلية، يُستخدم في مختلف المناسبات الاجتماعية، وفي الأفراح يتزين به العريس".