قال معهد "بروكينغز" إن الحروب الآن تستعر في منطقتين بالغتي الأهمية بالنسبة لإمدادات الغذاء والطاقة في العالم؛ أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. ومن الممكن أن يدفع تصعيد الصراع في الشرق الأوسط أسواق الطاقة إلى منطقة مجهولة، نظرا لأن المنطقة تمثل ما يقرب من 30 بالمائة من إنتاج النفط العالمي، حسب ما توقعه تقرير يحمل عنوان "خمس مخاطر كبرى تواجه الاقتصاد العالمي في 2024". يستهل التقرير بالأخبار الطيبة، ففي العام الماضي، تحدى الاقتصاد العالمي التوقعات بطرق ربما تصنع التاريخ. وفي ظل الظروف البائسة، بما في ذلك الحروب، وارتفاع معدلات التضخم، وأكبر ارتفاع في أسعار الفائدة منذ أربعين عاما، لم يعاني الاقتصاد العالمي من انكماش كبير، لقد تباطأ فقط. وكانت هذه حبكة غير مألوفة؛ فهي تعني ضمناً أن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر مرونة وقدرة على الصمود على نحو قد لا نفهمه بالكامل بعد. ومع ذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأن الخطر قد انتهى، حيث يتوقع أحدث تقرير للبنك الدولي بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية " أن يتباطأ النمو العالمي إلى 2.4 بالمائة في عام 2024 قبل أن يرتفع إلى 2.7 بالمائة في عام 2025. ثم تشير توقعات "بروكينغز" ضمنا إلى أن النمو العالمي لا يزال أقل بكثير من القوة اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول نهاية هذا العقد. في الواقع، أثبت النصف الأول من العقد الحالي بالفعل أنه أضعف نصف عقد من النمو سجله الاقتصاد العالمي منذ 30 عاما على الأقل. وتعد التوترات الجيوسياسية بمثابة الخطر الأول الذي يحدق بالاقتصاد العالمي هذا العام، فهي تؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين، مما يضر بالاستثمار والنمو الاقتصادي. وتميل الصراعات والحروب أيضًا إلى تقليل قدرة العرض العالمية، مع ما قد يؤدي إليه من آثار تضخمية. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار النفط هذا العام، ومع ذلك، إذا تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، فقد ترتفع أسعار النفط بنسبة 30 بالمائة فوق التوقعات الأساسية البالغة 81 دولارًا للبرميل في عام 2024. وقد يؤدي ذلك إلى تأجيج التضخم العالمي وتقليل النمو العالمي بمقدار 0.2 نقطة مئوية. الخطر الثاني هو تباطؤ الاقتصاد في الصين، وفقا للتقرير، بنسبة 4.5 بالمائة سيكون النمو الصيني هذا العام هو الأبطأ منذ عام 1990، خارج عصر كوفيد-19. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بعدد كبير من الاقتصادات المتقدمة والنامية التي تعتمد على التجارة مع الصين. ففي نهاية عام 2021، كانت الصين الوجهة لما يقرب من 20 بالمائة من جميع صادرات السلع من الاقتصادات النامية، أي ما يقرب من خمسة أضعاف الحصة في بداية هذا القرن. وإذا سجلت الصين نموا أبطأ بمقدار نقطة مئوية واحدة من المتوقع في عام 2024، فقد ينخفض النمو العالمي بنحو 0.2 نقطة مئوية، مع إلحاق ضرر كبير بالاقتصادات النامية المصدرة للسلع الأساسية. يحذر معهد "معهد بروكينغز" أيضا من ارتقاع الضغوط المالية، ومن اللافت للنظر أن الزيادة الأكثر حدة في أسعار الفائدة العالمية منذ أربعين عاماً حتى الآن لم تتسبب في ذلك النوع من الخراب الذي شهدناه في الثمانينيات. ومن المرجح أن تنخفض أسعار الفائدة الرسمية هذا العام، ولكن قد لا يكون ذلك بالسرعة الكافية بالنسبة لبعض البلدان. وبعد بقائها سلبية لفترة طويلة، أصبحت أسعار الفائدة الحقيقية العالمية إيجابية الآن ومن المرجح أن تظل مرتفعة في المستقبل المنظور. وعلى خلفية النمو الضعيف، فإن ذلك يعني استمرار بيئة طنجرة الضغط للاقتصادات النامية ذات التصنيفات الائتمانية الضعيفة. وقد يؤدي الجمع بين ضعف النمو وارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية ومستويات الديون المرتفعة إلى جعل خدمة الديون أكثر صعوبة في الاقتصادات النامية الضعيفة ودفع المزيد من الديون. وقال التقرير إن زيادة عدد التدابير السياسة التي تقيد التجارة بشكل حاد في العام الماضي، بدت وكأنها استجابات سياسية منطقية لمخاوف تتعلق بالأمن القومي. ومع ذلك، فإن مثل هذه السياسات يمكن أن تؤجل الانتعاش الذي تشتد الحاجة إليه في التجارة العالمية. وفي عام 2023، توقف نمو التجارة العالمية تقريبًاعند 0.2 في المائة، وكان هذا أضعف أداء خارج الركود العالمي منذ 50 عامًا. ومن المتوقع أن ينتعش نمو التجارة العالمية هذا العام، لكنه لن يتجاوز نصف المتوسط في العقد الذي سبق الجائحة. وتتراجع بعض الشركات في الاقتصادات المتقدمة عن سلاسل القيمة العالمية وتحول الاستثمار بدلا من ذلك إلى سلاسل التوريد المحلية أو الإقليمية. وأضاف التقرير "لا تبشر هذه الاتجاهات بالخير بالنسبة للاقتصادات النامية، التي كانت التجارة بالنسبة لها قوة رئيسية لزيادة الإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة." وأصبح تغير المناخ ينطوي على مخاطر أكثر جدة من الماضي، بعدما أدى الصراع في الشرق الأوسط إلى تقييد أحد الممرات الرئيسية للتجارة العالمية، قام تغير المناخ بالضغط على الجانب الآخر. وبسبب منسوب المياه الذي استنزفه الجفاف في قناة بنما، انخفض عدد السفن العابرة للقناة بشكل ملحوظ خلال العام الماضي. ويوضح هذا مدى تحول تغير المناخ إلى خطر على المدى القريب، وليس مجرد خطر على المدى المتوسط، خصوصا بعدما كان عام 2023 هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق. كما أدت سلسلة من موجات الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات إلى جعل تأثير تغير المناخ أكثر وضوحًا في جميع أنحاء العالم في العام الماضي. ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وتكلفة الكوارث الطبيعية، التي تميل إلى إعاقة النمو الاقتصادي، وتفاقم الفقر، وانخفاض المحاصيل الزراعية. بالتالي فإن الأضرار والمخاطر المرتبطة بتغير المناخ سوف تلقي بظلالها الطويلة على الاقتصاد العالمي هذا العام والعام المقبل.