صدرت يوم 5 دجنبر نتائج دورة 2022 للبرنامج الدولي لتقييم المتعلمين (PISA)، وهي الثانية التي يشارك فيها المغرب بعد تلك التي شارك فيها لأول مرة سنة 2018. ويعتبر هذا الاختبار الأول من نوعه في ظل الحكومة الحالية لكونه أنجز بعد سنة دراسية من تنصيبها. وإذا كانت سنة غير كافية موضوعيا لإحداث تغيير ملموس في نتائج التلامذة المغاربة في هذه الدراسة الدولية، فإن اعتماد وزارة التربية الوطنية أداة للدعم التربوي مكنت المتعثرين في أقل من شهرين من ربح سنة إلى سنتين من مشوارهم الدراسي، أعطى الأمل للرأي العام في أن ينعكس شيء ولو يسير من هذا الأثر الكبير على نتائجنا في برنامج بيزا 2022. لكن رغم بعض الاستقرار النسبي في نتائج الرياضيات التي لم تتراجع سوى بثلاث نقط مقارنة مع 2018، فإن إنجازات التلامذة المغاربة انخفضت كثيرا في العلوم بحيث جاوز التراجع 11 نقطة، وانخفضت أكثر في القراءة التي سجلت تراجعا فاق 20 نقطة. هذا يعكس ضعفا عاما لمعدل التحصيل الدراسي للتلميذ المغربي الذي تراوح بين 339 نقطة في القراءة و365 نقطة في الرياضيات وفي العلوم، أي بفارق عن المراتب الأولى بلغ أكثر من 200 نقطة، وهو ما جعل المغرب يصنف في الرتبة 71 في مجال "الرياضيات" متقدما بأربع درجات عن سنة 2018، والرتبة 79 في مجال "القراءة"، والرتبة 76 في مجال "العلوم"، ليتراجع بذلك بثلاثة درجات في القراءة وواحدة في العلوم وليس تسعة كما جاء في بيان الوزارة. والغريب أن هذا الأخير لم يشر إلى التقدم الطفيف الذي حصل في ترتيب الرياضيات، والأغرب منه أن يؤكد على اقتصار المشاركة في البرنامج على التلاميذ المغاربة بالمدارس العمومية، في حين أن دراسة بيزا تشمل عينة تمثيلية لجميع التلامذة بما في ذلك من يدرسون في التعليم الخصوصي. وكأن الوزارة تريد أن تقول للرأي العام أن مشكلتنا في المدرسة العمومية رغم أن الدراسة نفسها لم تسجل أي فارق دال بين العمومي والخصوصي عندما يتم تحييد العوامل الاجتماعية والاقتصادية. وبعيدا عن النقط المحصل عليها والترتيب الذي حل فيه المغرب، فإن ما يقلق أكثر هو عدد التلامذة المغاربة الذي لا يتحكمون في الحد الأدنى للكفايات، بحيث تجاوزت نسبتهم 79 في المائة توزعت بين 75.5 في المائة في العلوم و81.1 في المائة في القراءة و81.6 في المائة في الرياضيات، أي بزيادة بلغت ما بين 6 و8 نقط مئوية مقارنة مع 2018. وإذا كانت الدراسة اعتبرت المغرب، إلى جانب كمبوديا وكولومبيا وكوستاريكا وإندونيسيا وباراغواي ورومانيا، من بين البلدان التي أحرزت على مدى العقد الماضي تقدما كبيرا نحو تعميم التعليم الثانوي، وهو أمر أساسي لتمكين تكافؤ الفرص والمشاركة الكاملة في الاقتصاد، فإن جودة التعليم لا تزال بعيدة المنال، وهو ما يستدعي الدراسة العميقة لمعطيات بيزا 2022 من أجل وضع خطة طموحة للإقلاع التربوي تتجاوز النظرة الضيقة لخارطة الطريق التي تركز على التعلمات الأساس، رغم أهميتها، إلى تبني رؤية أوسع تستمد شرعيتها وأسسها من القانون الإطار للتعليم الذي لا يزال ينتظر التفعيل بعد مرور أكثر من أربع سنوات على مصادقة البرلمان عليه. فما أهم الدروس التي ينبغي استيعابها من أجل مشاركة أفضل في الدورة القادمة التي ستجرى سنة 2025؟ أولا، العمل على تمكين المتعلمين من الاعتماد أكثر فأكثر على أنفسهم واكتساب مهارات التعلم الذاتي مع الثقة أكثر في استخدام التكنولوجيا الرقمية. لقد سجلت الدراسة اختلافات كبيرة بين البلدان من حيث ثقة التلامذة في قدرتهم على التعلم الذاتي من خلال استثمار التكنولوجيا الرقمية ذاتيا. وعلى هذا المستوى فإن حوالي 50٪ فقط من التلامذة المغاربة يشعرون بالثقة أو الثقة الكبيرة في استخدام برنامج الاتصال المرئي، بينما في كرواتيا وإستونيا وإيطاليا وليتوانيا والبرتغال والسويد تصل هذه النسبة إلى 84٪. إلى جانب ذلك ينبغي الاستعداد بشكل أكبر لتبني نظم التعليم عن بعد وتأهيل المدرسين والمتعلمين لذلك، في ظل اعتقاد مديري المؤسسات، ليس في المغرب فقط، بل في فرنسا واليونان وإيسلندا والمغرب بأن مدارسهم غير مهيأة لهذا التحول. ثانيا، الاهتمام بانضباط التلامذة لقواعد صارمة داخل المؤسسة وخاصة داخل الفصل الدراسي لتجاوز الوضعية الحالية التي تتسم بكون المناخ الانضباطي في المؤسسات التعليمية غير موات للتعلم بحيث أن أكثر من 40٪ من التلامذة في المغرب لا يستطيعون العمل بشكل جيد في معظم الدروس أو جميعها. في المقابل ينبغي تعزيز الجهود لتحسين سلامة التلامذة ليشعروا بالأمان في المدرسة، لا سيما في فصولهم الدراسية. خاصة وأن حوالي 25٪ من التلامذة المغاربة يشعرون بعدم الأمان خارج الفصل الدراسي، كما أن التحرش أو التنمر لا يزال منتشرا بحيث تعرض سنة 2022 أكثر من 15٪ من التلامذة في المغرب للتنمر بشكل متكرر. بالإضافة إلى ذلك يبقى ضروريا معالجة ظاهرة غياب التلامذة خاصة على المدى الطويل لأنه رغم حدوثه النادر إلا أنه يظل ضار بالتحصيل الدراسي، علما بأن في المغرب 15٪ أو أكثر من التلامذة قد تغيبوا عن الفصل لأكثر من ثلاثة أشهر متتالية مرة واحدة على الأقل، وهو رقم كبير. ثالثا، ردم الهوة بين التلامذة فيما يتعلق بالاستفادة من التعليم الأولي والاستمرار في الجهود المبذولة لتعميم التعليم الأولي مع مراعاة مواصفات الجودة والعمل بشكل سريع على تقليص الفارق الموجود في نسبة التمدرس في هذا السلك بين المجال الحضري والمجال القروي والذي وصل إلى 20 نقطة إبان إنجاز اختبار بيزا 2022. رابعا، إعادة النظر في ممارسة التكرار المتفشية في المنظومة التربوية المغربية بحيث أن حوالي 46٪ من التلامذة المغاربة المشاركين في الاختبار سبق لهم أن كرروا السنة الدراسية. والمعروف أن هؤلاء المتعلمين هم الأكثر عرضة للانقطاع عن الدراسة التي بلغت السنة الفارطة مستويات عالية، بعد مغادرة أكثر من 350 ألف طفل لمقاعد الدراسة أي بزيادة بلغت 16 ألف عن السنة التي قبلها، رغم أن التقليص من الهدر المدرسي يوجد من بين الأهداف الثلاث لخارطة الطريق. وقد سجلت دراسة بيزا 2022 أن المكررين منفصلون اجتماعيا وعاطفيا وتعليميا عن الحياة المدرسية، وأكثرهم من الفتيان، ومن المحرومين اجتماعيا واقتصاديا، وذوي الخلفية المهاجرة، وذوي التحصيل المنخفض في الرياضيات والقراءة والعلوم، بالإضافة إلى أن لهم شعورا أضعف بالانتماء إلى المؤسسة التي يدرسون فيها. خامسا، السعي إلى استعادة التمازج الاجتماعي إلى المدرسة المغربية من خلال القطع التدريجي مع التصنيف الطبقي للمؤسسات التعليمية ما بين تعليم خصوصي ترتاده طبقة اجتماعية محظوظة وتعليم عمومي ترتاده الطبقات المحرومة. فقد أكد برنامج التقييم الدولي للمتعلمين لسنة 2022، أن التلامذة المحظوظين اجتماعيا واقتصاديا أكثر عزلة، أو أكثر تركيزا، في مدارس معينة من أقرانهم المحرومين، وهو ما ينطبق على المغرب إلى جانب أوروغواي وباراغواي والبرازيل وبنما، وتايلاند، وشيلي، وكولومبيا، وهونغ كونغ. سادسا، الضرورة الملحة لتوفير طاقم تربوي وإداري كاف وعالي الجودة. وقد لاحظت الدراسة على صعيد 36 بلدا بأن النقص في موظفي التعليم أكثر انتشارا في المدارس العمومية منه في المدارس الخصوصية، وكان الأمر أكثر حدة على التوالي في اليونان وأوروغواي والمغرب وتركيا وكولومبيا ونيوزيلندا والإمارات العربية المتحدة والبرتغال. ويرتبط النقص في موظفي التعليم سلبا بأداء التلامذة، وفي المقابل تسجل المدارس التي لديها معلمون أكفاء وبالعدد الكافي درجات أعلى. سابعا، النقص في الموارد التعليمية يعيق جودة التحصيل الدراسي. فقد أفاد مديرو المؤسسات التعليمية بالمغرب أن جودة التدريس تتأثر سلبا بسبب عدم كفاية المواد التعليمية أو رداءة جودتها إلى درجة أن اثنين من كل ثلاثة من المتعلمين كانوا معنيين بهذه الوضعية إبان اختبار بيزا 2022، إضافة إلى أن أكثر من ستة من كل عشرة تلامذة يدرسون في مدارس تفتقر إلى التجهيزات الأساسية إلى حد يعوق توفير التعليم الجيد. وبما أن التحول الرقمي للمؤسسات التعليمية أصبح ضرورة ملحة فإن الدراسة المذكورة اهتمت بهذا الجانب وأكدت أن أكثر من اثنين من كل ثلاثة تلامذة مغاربة يدرسون في مؤسسات لا تستطيع توفير التعليم الجيد بسبب الموارد الرقمية غير الكافية أو ذات الجودة الرديئة. كما أشارت إلى وجود المبادئ التوجيهية والممارسات المدرسية لتعزيز التعليم والتعلم باستخدام الأجهزة الرقمية في المدارس ذات الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية، وهي مؤسسات التعليم الخصوصي، أكثر منها في المدارس المحرومة. ثامنا، لا يوجد تعلم جيد دون ضمان وقت كاف، ولكن ليس مفرطا، للتعلم. وهكذا فالمنظومات التربوية التي يقضي فيها عدد أكبر من التلامذة 20 ساعة أو أقل في الأسبوع في المدرسة حصلت على درجات أقل في بيزا 2022، كما أن المنظومات التي يقضي فيها عدد أكبر من التلامذة 39 ساعة أو أكثر في الأسبوع في المدرسة حصلت درجات أقل. من جهة أخرى تميل المنظومات التي يقضي فيها عدد أكبر من التلامذة ما يصل إلى ساعتين يوميا في أداء الواجبات المنزلية إلى الحصول على درجات أعلى، بينما المنظومات التي يقضي فيها عدد أكبر من التلامذة ثلاث ساعات أو أكثر في الواجبات المنزلية تميل إلى تسجيل درجات أقل. وهو ما يعني أن المنظومات التربوية التي اتخذت طريقا معتدلا في تحديد الزمن المدرسي المخصص للتعلم هي التي تحصل على نتائج أفضل. وحسب المعطيات المتوفرة فإن التلميذ المغربي يقضي زمنا أطول من غيره في المدرسة لكن نظريا فقط، لأن الزمن الفعلي يبقى أقل بكثير بفعل الغياب وبفعل البدء المتأخر للدراسة والانتهاء المبكر منها مما يقلص كثيرا الزمن المدرسي السنوي. تاسعا، إعادة توزيع مسؤوليات اتخاذ القرار في اتجاه الاقتراب أكثر من المؤسسة التعليمية. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، أعطت العديد من أنظمة التعليم السلطات المحلية والمدارس مسؤولية أكبر، وعلى الأخص في مجالات تخصيص الموارد وتخطيط المناهج وتقييم المتعلمين. كما تم منح مديري المدارس سلطة أكبر لاتخاذ القرارات التربوية والإدارية. وعادة ما يكون تعيين المدرسين وفصلهم من مهمة مديري المدارس، ولكن في بعض النظم المدرسية، مثل الأرجنتين وإسبانيا والبرازيل وفرنسا وفيتنام واليابان، كانت هذه المهام هي أساسا من مسؤولية السلطات الجهوية أو الإقليمية. وفي نظم أخرى، مثل أوروغواي وباراغواي وبنما، وتركيا، وكوستاريكا، وماليزيا، والسعودية، واليونان، تقع هذه المسؤولية إلى حد كبير على عاتق السلطات الوطنية. وعموما تتفاوت درجة استقلالية المؤسسات التعليمية بين دولة وأخرى لكن القاسم المشترك بين المنظومات التربوية المتميزة هو التوجه الواضح نحو هذه الاستقلالية ولو بشكل تدريجي. عاشرا، كل الدول الموجودة في المراتب الأولى على سلم بيزا 2022 يدرسون العلوم والرياضيات بلغاتهم الرسمية. مما يعني أن منظومتنا التربوية تبقى مطالبة بمراجعة سياستها اللغوية من أجل ترشيد الهندسة اللغوية وتكييفها مع مخرجات البحوث العلمية الجادة المرتبطة بموضوع لغات التدريس. علما أن الإصرار على إدراج الدارجة ضمن الأسئلة الموجهة للمتعلم في اختبار بيزا يؤدي إلى معطيات شاذة وإلى خلاصات مضللة، أقلها هو أن ما يقارب من 90 في المائة من التلامذة المغاربة لا يتحدثون لغاتهم الرسمية. هذه أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من مشاركة المغرب في برنامج بيزا 2022 فهل تجد من يأخذها بعين الاعتبار؟