الأرض منتشية، ضَجِرة، مترنِّحَة، مضطربة،مبتهجة، ترقص، تتلوَّى، تتمطَّط، تتمايل، تهتزُّ، ترتجُّ، تتصدَّع، تبتلع، تلتهم. افتقدت دون وعد سطحها المعهود، لقد أتت عليه سريعا برقصة طافحة. لقد اختلفوا حول سطحية الأرض؛وكذا مدى ثباتها في مكانها أو دورانها.الأرض كروية؛متحرِّكة.الأرض مرتعش جلدها،أضحت تتمايل بين الفينة والأخرى،اختلَّت معها معاني شتَّى عن الحياة والمرور فوق البسيطة،بغتة تنبض أكثر موتا،فتعمِّم الموت بإفراط فاحش. هي رقصات الموت،الأرض تقتل.ينساب الإنسان طويلا خلف عقيدة،مفادها أنها أرض حياة ولاشيء غير الحياة،يولد منها، يعيش على زاد غلالها،يتنفَّس هواءها، يستيقظ باستيقاظها، ينام مع نومها،إنها حضنه المثالي. أيضا،ألهمه مصيره،بأنَّ الأرض مصدر لمختلف أشكال الموت،وفق ذات حجم بعثها لأسباب الحياة،وبغض النظر عن طيِّها الإنسان في نهاية المطاف داخل جوفها،فإنها قبل ذلك،تصارع الإنسان غاية صرعه بكل ما أوتيت من عنف وتنكيل،بحيث يزداد زخم تصاعد غضبها مثلما نلاحظ، قدر ارتداد مستوى توازنها المادي والعضوي. هكذا،تبثُّ شكواها وتذمُّرها وتعنُّتها،عبر وقع لغة الكوارث،تتفاوت طبعا مستويات حدّتها في خضم تبادل استعراضي راقص بين الإنسان و الأرض.كلما حقق الإنسان انتصارات علمية على سطح الأرض،قصد توطيد سيادته ومركزيته الكونية. تترقَّب الأرض هذا الانجاز السلطوي كي تنتقم لذاتها وتردّ الصاع لصاحبه،بل وتجعله مجرد ذكرى تسكن إلى الأبد جوفها. بالتالي،قد تكون إجابات ليِّنة أو أكثر من المتوقع،لكنها في نهاية المطاف تفحم الإنسان. لاأحد يعرف حكايا أموات البشر سوى الأرض،مثلما لاأحد من أحياء الأرض بوسعه الوقوف على أعمق أسرار هذه الأرض،سوى القابعين هناك بعيدا جدا خلف ظلمات مجاهل أعماق الأرض. عندما ترقص الأرض،تنفث طاقة دواخلها خارجيا،تبعث أخيرا حيثيات صمتها،بكل معاني الدلالات،وعلى الإنسان تأويل جدوى الرسالة باستلهام صوته الذاتي وكنهه الروحي،لأنه محض نتاج لهذه الأرض نفسها،متضمِّنا بالمطلق أبحديات نفس النواة الأصيلة الجامعة بينه وبين الأرض. يستمر الإنسان زمنا طويلا في البحث عن أسباب بهجة الإعمار،ثم ترفض الأرض؛ لسبب ما يخصها،سعيه ذلك بكيفية غير كلاسيكية،فتحدث خرابا،بخصوص كل ماحدث، وتؤْثر صراحة اكتفاء حيزها فقط بغبار وجثث وصرخات موجعة تعمّ ذكرى المكان،فيتجلى بوضوح مشهد تبادل الإنسان والأرض موقعي المنتصر والمنهزم. صديقان/عدوان،انطوت علاقتهما الأنطولوجية على كل معاني الودِّ والتنافر بذات الكثافة والزخم. يسود الإنسان الأرض،بسعيه الدائم إلى الإلمام بممكنات أسرارها بواسطة تسخير اجتهادات العلم،فتمضي التطورات مبلغا خارقا.وكلما تقلص نسيج الحجاب،وتعرية جانب من أسرار الأرض اللانهائية،انتابها شعور الفزع وغمرتها دواعي التحوُّل إلى موقع الضحية،لأنَّ في ذلك مساس بخصوصيتها الذاتية. ترقص الأرض،فيُطوى سياق توطَّد خلال دورة زمنية تطول أو تقصر،حسب مدى قرب أو بعد المكان عن مكمن الشطحات الأرضية.يستعيد الفضاء الكوني زمام المبادرة ثانية،لكن الإنسان الذي يحمل على ظهره أعباء صخرة سيزيف،ونتيجة محرِّضات روح طائر الفنقس التي تسكنه أبديا،سينبعث ثانية وثالثا ثم أبد الآبدين من جوف كل تراجيديا الدمار قصد الاحتفال بإرساء معالم استشراف أخرى. هكذا،يشتغل ثراء طبيعة علاقة تتجاوز كل اختزال وصفي سواء إيجابا أو سلبا،بين الإنسان والأرض. ترقص الأرض فوق حبل مزاجها،تتمرَّد بعنفوان على ثوابت اعتيادية الإيقاع المعتاد،فيختلّ توازن الإنسان المألوف،وضع يحثُّه كي يعيد مرة أخرى طرح مختلف الأسئلة الوجودية المرتبطة بتواجده فوق هذه الأرض، ودواعي وجوده. أسئلة تعيد من جديد بكيفية مختلفة، استتباب معالم الحياة،لكن هذه المرة وفق زخم نوعي،يمنح الإنسان وعيا ثاقبا بجعله عند مستوى أفق الأرض.