تطرح النتائج التي يحققها الرياضيون المغاربة في عدد من التظاهرات والملتقيات العالمية، عدة أسئلة على واقع الصحافة المتخصصة في الرياضة، ومدى مجاراتها للتحولات التي يعرفها هذا المجال على المستوى العالمي والوطني والذي أضحى يستأثر باهتمامات كافة مكونات الرأي العام والشرائح الاجتماعية. ويأتي في مقدمة هذه النتائج وصول المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم (أسود الأطلس ) إلى نصف نهاية مونديال قطر 2022،كأول بلد عربي وإفريقي، و فوز ( أشبال الأطلس ) بكأس افريقيا لكرة القدم لأقل من 23 سنة، فضلا عن وصول المنتخب النسوى لأول مرة لنهائيات بطولة العالم النسوية، باستراليا ونيوزلندا، وتأهله الى ثمن نهاية هذه المسابقة، وقبلها احتلاله دور الوصافة في بطولة افريقيا علاوة على فوز فريق الجيش الملكي بكأس افريقيا للأندية في نسختها الأخيرة، وسيطرة العداء سفيان البقالي على مسافة 3000 متر حواجز بتتوجيه بطلا للعالم مرتين متتاليتين في هذه المسابقة. أسئلة مؤجلة ليس الغرض هنا التوقف عند هذه النتائج الإيجابية، بقدر ما يتعلق الأمر بإثارة " أسئلة تظل مؤجلة " حول الرهانات والتحديات، التي تواجه الصحافة الرياضية المهنية في ظل هذه الإنجازات التي بدون وسائل الاعلام والاتصال، لن تتمكن الرياضات بمختلف أنواعها من اقتحام كل الفضاءات وقبلها القلوب لدور الوسائط الحاسم في خلق أجواء الفرح والتلاحم بين كافة الفئات الاجتماعية. كما أن هذه النتائج الرياضية الإيجابية، من شأنها أن تمكن من فتح آفاق واسعة في مجال الاستثمار الاقتصادي والتجاري والتعريف بموقع وتاريخ وحضارة البلدان وثقافتها. وإذا كانت الصحافة المهنية المتخصصة في الرياضة، تعرف تطورا متناميا على المستوى العالمي، مما مكنها من الاستحواذ على اهتمامات الجمهور، وتتجاوز التخصصات الصحافية الأخرى منها السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن الصحافة الرياضية المغربية – وكما هو شأن الصحافة بصفة عامة– ظلت في وضعية دون مستوى التطلعات، وعاجزة عن مجاراة ما بلغته بعض الرياضات خاصة منها كرة القدم التي أصبح عدد من لا عيبها يجاورن أعتى الأندية العالمية بكل من اسبانيا وانجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا. مشاكل مركبة وفي ظل غياب أبحاث ودراسات علمية حول أداء الصحافة الرياضية، فعلى ما يبدو، فإن هذا التخصص الصحافي، يعاني من اختلالات ومشاكل مركبة. كما ظل حبيس نظرة دونية، لصيقة بممارسي الصحافة الرياضية . بيد أن جانبا من هذا الوضع يرتبط بالأساس بضعف التكوين وعدم الالتزام بقواعد أخلاقيات المهنة. فهذه العوامل من بين أخرى تجعل الصحافة الرياضية، قاصرة عن المواكبة الإعلامية الاحترافية، وتقديم الصورة المتكاملة، لما يحققه الرياضيون المغاربة من نتائج ايجابية، في الآونة الأخيرة في بعض الأنواع الرياضية، في الوقت الذي تنجح الصحافة الدولية في بسط منتوج اعلامي، يستأثر باهتمام واسع من لدن مكونات الرأي العام الوطني والعالمي. لذا أصبح من المفروض على الصحافة المغربية، البحث عن السبل الكفيلة، التي تجعلها في مستوى اللحظات التي يصنعها الرياضيون المغاربة في التظاهرات الدولية، ويعيش أفراحها كافة المغربيات والمغاربة في مختلف جهات البلاد. إلا أن هذا الأمر لا يعنى التقليل من الجهود التي يبذلها صحافيون وصحفيات، ومبادرات اعلامية عمومية في مجال الرياضة. مصالحة الجمهور وهكذا يلاحظ أن وسائل الاعلام وخاصة منها العمومية، ساهمت بشكل إيجابي في مواكبة مونديال كرة القدم الذي احتضنته قطر ما بين 20 نوفمبر و18 ديسمبر 2022، من خلال طواقمها الصحفية والتقنية، في تقريب جمهور المشاهدين والمستمعين من حياة المنتخب المغربي. كما نقلت بحرفية الاحتفالات الجماهيرية، سواء داخل المغرب أو خارجه، بوصول (أسود الأطلس) الى نصف نهاية هذه التظاهرة العالمية، في سابقة تعد الأولى التي يحققها منتخب افريقي وعربي وهو ما كان له انعكاس إيجابي، على صورة البلاد من جهة وعمل على مصالحة المغاربة مع صحافتهم من جهة أخرى. و اعتبارا للحضورا الأكبر، الذي بات للصحافة الرياضية، خلال العقود الماضية، والذي ساهمت فيه التكنولوجيات الحديثة، فإن المتابعة الواسعة والإقبال الكبير على " مواد الاستهلاك الرياضي " في كافة بقاع العالم، جعل وسائل الاعلام العالمية الكبرى، تتنافس فيما بينها تنافسا محموما، وترصد وتسخر لذلك إمكانيات مالية مهمة وتجهيزات تكنولوجية جد متطورة من أجل الفوز بالحقوق الحصرية في التصرف ونقل منافسات الملتقيات الرياضية الدولية. فالاستثمار في التظاهرات الرياضية، أصبح يسيل لعاب الشركات التي تخصص له استثمارات ضخمة، لكونه يدر على هذه المؤسسات التي تخصص في التسويق الرياضي بكافة أنواعه، عائدات مالية ضخمة. سلبية ونمطية وتبعا لذلك باتت الصحافة الرياضية واحدة من أكثر التخصصات الصحافية متابعة، وتحولت الأخبار والمعلومات حول الرياضين داخل وخارج الملعب، الأكثر متابعة واستئثارا باهتمام الرأي العام، فاقت، الأخبار السياسية، خاصة لعبة كرة القدم التي مازالت تعد اللعبة الشعبية الأولى في العام، التي تحظى بنسب متابعة واسعة، في مختلف المجتمعات. إلا أنه على المستوى الوطني، يظل أداء الصحافة الرياضية – حسب غالبية المختصين والمتتبعين للشأن الرياضي– دون المستوى المأمول في المرحلة الراهنة، لربما يعود ذلك الى النظرة السلبية والنمطية التي التصقت دوما بالصحافة بصفة عامة والرياضية بالخصوص، وذلك نتيجة الضعف الذي يعاني منه منتوجها الإعلامي الرياضي، و"الدخلاء عن المهنة" فضلا عن تراجع منسوب المهنية، وأخلاقيات الصحافة، والنقص في التأطير والتكوين. سياسة عمومية أما على مستوى المضامين، فإن الصحافة الرياضية ما يزال عملها يقتصر على الأخبار والتغطيات وتقديم نتائج المباريات والمنافسات، وهي المهمة التي أصبح الجمهور يتوصل بها مباشرة، بفضل ما تتيحه التقنيات الحديثة، وهو ما يتطلب ادراج الأجناس الصحفية الأخرى في مقدمتها الاستقصاء والتحقيق، والتحليل والبحث عن ما وراء الخبر الرياضي. إذا كانت هناك العديد من الرهانات والتحديات التي تواجه الصحافة الرياضية المغربية، فإن الاشكال لا يرتبط في حقيقة الأمر بهذا التخصص الصحافي فقط، بل بموقع الصحافة والصحفيين ووضعيتهما حاليا، بارتباط مع سياسات عمومية بعيدة المدى، واستراتيجية إعلامية واضحة المعالم متعددة الأبعاد، تقطع بشكل نهائي التعامل الظرفي والمناسباتي، وتضع بعين الاعتبار بأن الإعلام في ظل الثورة الرقمية تحول في البلدان الديمقراطية، من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، وبوظائف جديدة.