نبه بوعزة الخراطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إلى أن السوق المغربي يعرف مجموعة من الاختلالات التي تسهم في بقاء الأسعار مرتفعة، رغم ما باتت تشهده السوق الدولية من استقرار في الأثمان، كما أن تدابير الحكومة في مواجهة الغلاء تبقى "ترقيعية" ومحدودة النتائج، في حين أن المشاكل هيكلية ومرتبطة بصلب السياسات العمومية. وإلى جانب ذلك، يتوقف الخراطي في حوار مع موقع "لكم" على ما يعتري عيد الأضحى لهذه السنة من مشاكل، على رأسها عدم كفاية القطيع الوطني واللجوء إلى الاستيراد لأول مرة، وهو ما اعتبره "عارا" على بلد فلاحي، وعزا المشاكل الموجودة اليوم إلى الخلل الذي يطبع سياسة تربية المواشي وفوضى السوق، كما يسلط الضوء على استيراد الخرفان من إسبانيا ارتباطا بالجودة والدعم المقدم للمستوردين. بدأت الأسعار في السوق الدولية تشهد استقرارا، إلى أي حد انعكس هذا الاستقرار على الأسعار بالمغرب؟ الملحوظ في السوق هو أنه ومنذ السنة الماضية عرفت جميع المواد ارتفاعا، والسبب الذي كانت تقدمه الحكومة هو ارتفاع سعر النقل البحري، وفعلا ارتفع سعر النقل أربع مرات، لكن اليوم، عاد سعر النقل إلى أقل مما كان عليه قبل "الجائحة"، دون أن نرى تأثيرا إيجابيا لذلك على الأسعار في المغرب، فليس من المعقول أن يرتفع سعر المواد بارتفاع نفقات النقل، وألا ينخفض بانخفاض هذه النفقات؛ حيث لا تزال الأسعار مرتفعة بالسوق الوطنية، وهذا دليل على وجود خلل ما في السوق المغربي. والمشكل أن لدينا سوقا غير متحكم فيه، فالمفروض أنه عندما يكون لدينا سوق حر تكون له ضوابط، وعلى رأسها احترام قانون المنافسة، ومراقبة السوق، وعندما نتحدث عن مراقبة السوق فهذا يعني تقليص المسافة بين المنتج والمستهلك. لكن للأسف المسافة بين المنتج والمستهلك في المغرب جد طويلة، وبينهما حقبات يشكلها الوسطاء، وهؤلاء الوسطاء هم الذين يبقون السلع بأسعار مرتفعة، رغم انخفاضها بالسوق العالمي ويجنون أموالا كبيرة من وراء هذه العملية. فالوسطاء هم صلب موضوع أزمة غلاء الأسعار، ولا يمكن الحديث عن انخفاض الأسعار بدون تقليص المسافة بين المنتج والمستهلك، وإيجاد حل للوسطاء، والحل مرتبط بوضع منصات اقتصادية جهوية، بدل منصة الدارالبيضاء لوحدها، فلا يعقل مثلا أن تأتي الطماطم من أغادير إلى الدارالبيضاء كي تباع ثم تعود لأغادير بثمن مضاعف أربع أو خمس مرات. كما أن بعض المنتجين يمنعون من دخول سوق الجملة، إذ يأتي "الشناق" ويقتني المحصول من الفلاح، ثم يبيعه لتاجر الجملة، وهذا يبيعه لتاجر نصف الجملة، وهكذا يتداول المنتجات خمسة وسطاء –على الأقل- قبل وصولها للمستهلك، وهو ما يضاعف ثمنها، وهذا الأمر لا يتعلق بالخضروات فقط بل بكل المنتجات النباتية والحيوانية وغيرها. في ظل هذا الواقع تقول الحكومة إنها اتخذت إجراءات للتخفيف من آثار الغلاء، كيف تقيمون هذه الإجراءات وهل كان لها أثر على المستهلك؟ تدابير الحكومة لها تأثير قصير المدى، فهي تدابير "ترقيعية" ليس إلا، في حين أن المشاكل هيكلية، ومرتبطة بصلب السياسات المتبعة، فمثلا في مقابل بعض التدابير لتوفير المنتجات الفلاحية في السوق، ما الذي اتخذته الحكومة من إجراءات لضمان السيادة الغذائية؟ كما أن دعم نقل البضائع، إجراء لم يكن له تأثير على أسعار المواد الاستهلاكية. فالتدابير موجودة، ولكن لا تنعكس على المستهلك الذي لا يلمس أي تغيير، باستثناء الدعم التقليدي للمواد مثل "البوطا" و"الدقيق" وغيرها مما يتم دعمه من صندوق المقاصة. وهذا الأمر يتكرر اليوم مع الأضاحي، فقد قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءات لدعم استيراد الخرفان، من بينها إلغاء الضريبة على الاستيراد والقيمة المضافة ومنح 500 درهم للمستورد، لكن أزمة اللحوم الحمراء ستستمر بعد العيد، فكل هذه الحلول ترقيعية وظرفية. وعموما، لا يمكن القبول بالازدواجية بين تقديم الدعم وترك السوق حرا، فالمنتوج المدعم يجب تحديد سعره من طرف الحكومة، وإلا فإن المستفيد من الدعم سيضع المال العام في جيبه وسيبيع المنتج بالثمن الذي يريده. أشرتم إلى موضوع الدعم المخصص لاستيراد الأغنام الذي أثير حوله جدل واسع، هل تتفقون مع صيغة الدعم، وهل كان له انعكاس فعلي على أسعار الأضاحي؟ الدعم الذي خصصته الحكومة لم يتم تقديمه في محله، لأن الكساب المغربي كان أولى به، أو على الأقل كان ينبغي أن يستفيد بدوره، فقد كان على الحكومة تدعيم القطاع عموما، وربط هذا الدعم بتحديد سعر البيع، عبر الفرض على المستورد وعلى الكساب سعر بيع الكيلوغرام، فأي مادة مدعمة يجب تحديد سعرها. والأولى من كل ذلك لو أعطى دعم 500 درهم للطبقة الهشة، ونحن عشنا مرحلة "كوفيد"، حيث كان للدعم أثر مهم على الأسر، وتقديم دعم اليوم بشكل مباشر سيساعدها بالفعل على اقتناء الأضحية، خاصة وأن الحكومة تتوفر على لوائح الأسر المحتاجة للدعم. وبخصوص عملية الاستيراد، فقد كنا نتمنى أن تساهم في خفض الأسعار، لكن الخرفان المستوردة منحصرة في بعض المناطق، فمثلا منطقة ورديغة لا وجود للخروف المستورد من إسبانيا، وبالتالي المستهلك سيكون مضطرا لشراء الخروف المنتج في المغرب، الذي –للأسف- لا يبيعه الفلاح ولكن "الشناق" الذي سيرفع الثمن، فهو يربح على كل رأس ما بين 500 و1500 درهم، دون أن يهتم لا بالفلاح ولا بالمستهلك. في ظل اختلالات السوق والأسعار الموجودة اليوم، هل بمقدور المستهلك المغربي اقتناء الأضحية؟ أولا، لا بد من التأكيد على أن العيد ليس فرضا وإنما سنة، والمستهلك الذي لا قدرة له على اقتناء الأضحية لا حرج عليه، بل عليه ألا يكلف نفسه ما لا تطيق. والملاحظ في السوق –للأسف- أن ذوي الدخل البسيط هم الذين يتسابقون على اقتناء الأضاحي الكبيرة. وإضافة إلى تهافت المستهلك الذي يسبب الغلاء بالدرجة الأولى، فقد كانت هناك حملة مسبقة على مواقع التواصل الاجتماعي من طرف الوسطاء، بأن الخروف سيكون بأسعار جد مرتفعة هذه السنة، وهي ظاهرة بتنا نعيشها بشكل موسمي، فقبيل رمضان يتم إطلاق مثل هذه الدعايات لرفع الأسعار، وهو ما يتكرر في عيد الأضحى، وأصبح اليوم الجميع يتحدث عن الغلاء، وبات كأنه أمر مسلّم به. وهذا لا ينفي أن الأسعار مرتفعة، لكن مثل هذه الأمور تؤجج الغلاء، وهذه السنة ينبغي أن تعطينا درسا لإعادة النظر في عدة أشياء، وعلى رأسها الاقتناع بأن عملية العيد ينبغي أن تؤطر بشكل تام ليكون الخروف في متناول المستهلك وقطع الطريق على الوسطاء. ماذا تقصد بتأطير عيد الأضحى؟ العيد هو عملية تجارية، ولو أن له صبغة دينية، فعدد الخرفان التي ستذبح تبلغ تقريبا 5 ملايين أضحية، ورأس المال الذي يتم تداوله خلال فترة العيد بين الأضاحي واللوازم المرتبطة بها يبلغ حوالي 200 مليار، ولا توجد عملية تجارية تروج هذا الحجم من رأس المال في هذه المدة القصيرة بدون تأطير إلا العيد. مثلا، عملية "مرحبا" كانت فوضوية وكان الناس يعانون في الطريق، والآن تم الاهتمام بها وتأطيرها وتوفير المواكبة والتأطير للمهاجرين، وهو نفس الأمر مع الحج، واليوم ينبغي الاهتمام وتأطير عيد الأضحى، سواء بتوفير أسواق خاصة ببيع الأضاحي والاهتمام بجانب النقل، وقد شاهدنا كيف أن الخرفان القادمة من إسبانيا يتم نقلها بشكل جيد على عكس النقل بالمغرب. على الحكومة اليوم أن تأخذ عملية كعملية تجارية وكشعيرة دينية، ويجب تأطيرها بشكل أفضل، حتى يتم تجاوز الفوضى والتسيب الناتج عن عدم التأطير. بالنظر إلى وضعية القطيع الوطني ووتيرة الاستيراد، هل العرض بالسوق اليوم يلبي الطلب؟ من الواضح أن العرض الوطني لا يلبي الطلب، وهناك عمل من أجل أن يكمل الاستيراد النقص. لكن ينبغي التنبيه إلى أن النقص الموجود اليوم في القطيع الوطني هو نتيجة خلل في السياسة المتعلقة بتربية المواشي بالمغرب، وهي التي أدت للأزمة في اللحوم الحمراء وفي الحليب، ويجب إعادة النظر في سياسة وزارة الفلاحة بهذا الخصوص وتشجيع وتأطير الكسابة بشكل جيد. لأول مرة نستورد خروف العيد وهذا عار علينا كبلد فلاحي، مع الإشارة إلى أن الجفاف الذي يتم التحجج به ليس مبررا لما يقع في الماشية، فإسبانيا تعيش نفس مراحل الجفاف التي نعيشها، ولكن تتوفر لديها الأغنام بشكل وفير وبثمن جيد منخفض، في حين فشلنا نحن على هذا المستوى. إلى جانب موضوع الأسعار والوفرة، تبرز قبيل عيد الأضحى تخوفات من فساد و"اخضرار" لحوم الأضاحي، هل سيكون المشكل مطروحا هذه السنة؟ سبق للجامعة المغربية لحقوق المستهلك في سنوات ماضية أن دقت ناقوس الخطر حول هذا الموضوع، ووزارة الفلاحة وخاصة المكتب الوطني لسلامة المنتوجات الغذائية قام بتدخلات في هذا الإطار، وقد أنجز دراسة أثبت أن "اخضرار" اللحوم سببه فضلات الدجاج التي يتم استخدامها كأعلاف للماشية. واليوم الأمر مسيطر عليه بشكل كبير وإن ليس بشكل تام، فمؤخرا تم توقيف شاحنات تحمل هذه الفضلات، لكن عموما هذه السنة ستكون عادية، وإذا كانت هناك حالات فستكون ضئيلة، وفساد اللحوم سيكون مرتبطا أساسا بالظروف المناخية الحارة، لذلك على المواطنين الحرص على وضع اللحوم في أماكن باردة. أما فيما يتعلق بالأغنام المستوردة من إسبانيا، فهي لا تطرح هذا المشكل، بالنظر إلى التأطير الصحي والغذائي والتقني لها، إضافة إلى ظروف النقل الجيدة التي رأيناها، دون أن ننسى أن المغرب بالنسبة لإسبانيا هو سوق جديد وبالتالي سيحاول المنتجون تقديم الجودة. وإضافة إلى ذلك، فإن سلالة "المارينوس" التي يتم اليوم استيرادها من إسبانيا أصلها مغربي، وفي عهد المرينيين تم إهداء ملك فرنسا قطيعا من هذه السلالة التي استمرت في التكاثر، واليوم يتم إنتاجها ما بين فرنسا وإسبانيا.