صار من المألوف لدى المهتمين بالشأن التربوي في بلادنا وفي أوساط العديد من الأسر المغربية التي تدرس أبناءها في المدارس العمومية، أن تزدهر سوق الساعات الخصوصية المؤدى عنها، كلما لاح في الأفق هلال الامتحانات الإشهادية في السنة الثالثة من الثانوي الإعدادي والسنتين الأولى والثانية من سلك البكالوريا. حيث يلاحظ ارتفاع وتيرة الإقبال هذه البضاعة التي يتصاعد سعرها بشكل لافت خاصة في بيوت الراغبين في الاستفادة منها من غير تنقل، مما يعرض ميزانيات آباء وأولياء التلاميذ المستهدفين للابتزاز والاستنزاف من قبل بعض منعدمي الضمير، الذين تعمى أبصارهم وبصائرهم أمام بريق الدراهم، فيختفي عندهم الحس التربوي وروح المواطنة الخالصة. إذ تتحرك الآلة الإعلامية السرية والعلنية لاصطياد الضحايا أو الزبائن المفترضين سواء عبر الترويج لذلك من لدن التلاميذ أنفسهم أو على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنشر هواتف وأسماء الأشخاص الذين يعرضون خدماتهم مقابل الحصول على مبالغ مالية تتناسب مع أوقات العرض وطرقه. حيث تنتشر أحيانا الإعلانات عن دروس خاصة للدعم والتقوية ابتداء من مطلع شهر مارس من كل سنة قصد التحضير للامتحانات في مختلف المسالك التعليمية، سواء في مدارس خصوصية أو فضاءات يتم كراؤها لهذا الغرض المربح أو في البيوت، ومن ثم تنطلق التنافس بين الأساتذة والمدارس لاستقطاب أكبر عدد ممكن من التلاميذ، ولاسيما تلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا المقبلين على اجتياز الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا. صحيح أن هناك عوامل تربوية وضرورة ملحة تفرض على بعض التلاميذ المتعثرين الاستفادة من حصص الدعم لتدارك العجز الحاصل لديهم في التحصيل والرفع من مستواهم الدراسي، على أن يكون ذلك مرتبطا بمدى رغبة وقدرة أسرهم على أداء واجبات تلك الدروس الإضافية، ما دامت مؤسسات التعليم العمومي ولأسباب متعددة، لا تستطيع توفير حصص الدعم الواجبة بالمجان كما تنص على ذلك عدد من المذكرات الوزارية، لكن ما ليس صحيحا هو أن يتخذها بعض الأساتذة ذريعة، واستغلال ضعف بعض تلامذتهم لابتزاز الآباء والأمهات والأولياء، بهدف تنمية مداخيلهم الشهرية غير مبالين بما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات… وفي المقابل يرفض عدد من الأساتذة أن يشار إليهم بأصابع الاتهام فيما يحدث من تهافت على الساعات الخصوصية، إذ يؤكد البعض منهم أنهم يقومون بذلك مضطرين لتغطية تعدد مصاريفهم اليومية، أمام مسلسل غلاء أسعار المحروقات وما ترتب عنها من ارتفاع مهول في أسعار باقي المواد الأساسية من خضر وفواكه ولحوم وأسماك وغيرها، بينما يرى آخرون أنهم فضلا عما يتحقق لهم من ربح مادي إضافي، هناك كذلك ربح معنوي يتمثل في أدائهم "واجبا وطنيا" من خلال مساعدة عدد من التلاميذ في تدارك نقائصهم وإعداد آخرين لمواجهة الامتحانات واجتيازها بنجاح، إن لم يكن بمعدلات جيدة أحيانا. فالدعم التربوي يشغل مساحة واسعة في البرامج والمناهج الدراسية ينبغي أن يحتل مكانة بارزة في المؤسسات التعليمية، باعتباره أداة بيداغوجية فعالة تهدف إلى التشخيص وضبط التعلمات لأجل تقليص الفوارق بين المستوى الفعلي للتلاميذ والكفايات والأهداف المرجوة، وتجاوز التعثرات قبل تراكمها، وهو أيضا تدخل وقائي علاجي وتصحيحي يتم بعد التقويم التشخيصي والتكويني، بالوقوف عند مواطن الضعف والقوة لدى المتعلم بصياغة استراتيجية ملائمة، قد تكون فورية أو مرحلية أو مستمرة لمسايرة التعلم. وللدعم أنواع مختلفة منها الوقائي المرتبط بالتقويم التشخيصي والتقويم التتبعي الذي له ارتباط وثيق بالتقويم التكويني، والدعم التعويضي يحدث في نهاية التدريس انطلاقا من نتائج التقويم الإجمالي، وهناك أيضا الدعم النفسي والدعم المعرفي المنهجي وغيره، غير أنه من النادر جدا أن نجد أثرا لأنشطة الدعم في مدارسنا، ويظل حبرا على ورق… ويشار في هذا الصدد إلى أن وزارة التربية الوطنية لم تنفك تعمل منذ سنوات على إصدار المذكرات والدوريات، التي تمنع تنظيم ساعات إضافية مؤدى عنها داخل المؤسسات التعليمية الأصلية وخارجها، وتعتبرها أفعالا منهيا عنها وغير قانونية، لأنها تندرج حتما في إطار الإخلال بالواجب المهني، الذي قد يعرض لا محالة أصحابها للتوقيف الفوري وتحريك المسطرة التأديبية في حقهم. فالكثير من الأساتذة يأبون إلا أن يواصلوا تعنتهم والخضوع لسلطان الجشع، الذي يتملك مشاعرهم ويدفع بهم إلى إفراغ رسالتهم النبيلة من حمولتها التربوية، وتحويلها إلى مجرد سلعة، ما داموا يدركون جيدا ألا خوف عليهم من العقاب أو أي متابعات أخرى، في ظل غياب الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. إننا نستغرب لاستمرار هذا الصمت المريب حول هذه الظاهرة اللاتربوية، التي لم تعد منحصرة فقط في دائرة تلاميذ التعليم العمومي، بل لم تلبث أن امتدت إلى تلاميذ التعليم الخصوصي، الذين لم تنج أسرهم من عبء إضافي آخر في بعض المؤسسات التعليمية. فإلى متى ستظل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية وجمعيات الآباء وأولياء التلاميذ وغيرها من الفعاليات التربوية واقفة تتفرج؟