* التقويم المدرسي ونظام الامتحانات : إشكالات قائمة يعاني نظامنا التعليمي من اختلالات وإشكالات على مستويات مختلفة يمكن ملاحظة بعضها في ضعف ارتباط السياسات التربوية بمخططات التنمية، وفي الفجوة العميقة بين السياسات والاهداف المعلنة وبين الممارسات التطبيقية في ارض الواقع، وتبرز بحدة هذه الاشكالات في ضعف قدرة المناهج والكتب المدرسية عن ملاحقة المستجدات التربوية المعاصرة نتيجة التفجر المعرفي من ناحية وتوسعها من ناحية اخرى، وفي ضعف ارتباط المناهج بالواقع والحياة العملية، وتخلف طرق التدريس مع حصرها في التلقين والاستظهار، وتركيز قياس التقويم على جوانب محددة تتعلق بالمعطيات والمعلومات القابلة للنسيان لا بالبنيان الشخصي للمتعلم، كل هذا وغيره…دليل على غياب نضج ثقافي تربوي واجتماعي، وغياب رؤية وإرادة إصلاحية لمواجهة المشكلات المطروحة لاسيما حينما لا يسعى المجتمع السياسي والتربوي لأجل حل هذه المشكلات و الاختلالات عبر التقويم المستمر او التقويم الشامل لعملية التعليم وما يتطلبه ذلك من تطوير مستمر للممارسات التربوية وفق نتائج المتابعة والتقييم وسن بيداغوجيا متوجهة للتلميذ تأخذ في حسبانها بشكل واضح الحاجات التي تمكن المتعلم من فرص التعلم والنجاح. التقويم هو صناعة المستقبل عبر تأهيل وصناعة الأجيال، وهذه الصناعة هي جزء من صناعة الاستراتيجيات المنهاجية بغاياتها وأهدافها وبرامجها وكتبها المدرسية وأساليبها التقويمية، و تعد من الخطوات الأساسية في الإصلاح الكلي للنظام التربوي قصد تحقيق الانسجام بين النظام التعليمي ومختلف أساليب التقويم. ومن الأسس الاستراتيجية في أي إصلاح وجود رؤية مستقبلية تتضمن التغيرات المنتظرة في أساليب التقويم ونظمه، حيث (لا يمكن الحديث عن تقويم تربوي بدون التوفر على مشروع أو رؤية تربوية…كما لا يمكن الحديث عن تقويم للتحصيل أو البرامج… بعيدا عن هذا المشروع أو هذه الرؤية التي يجب أن يتولد عنها مشروع ديداكتيكي تستند إليه عملية التقويم ) لان (التقويم ليس عملية تقنوية أو تعريفا صوريا لمفهوم التقويم ..انه جزء من البحث الديداكتيكي والتربوي عموما وما يتطلبه ذلك من شروط وإجراءات ) محمد بوبكري – تأملات في نظام التعليم بالمغرب – ص : 5 التقويم اخطر من ان يحصر في عملية الامتحان، وهو ليس مجرد اختبار كلاسيكي يرتبط بتقويم المعارف والمعلومات فقط، كما انه ليس مجرد قوالب واجراءات ومساطر ادارية تنظيمية شكلية محضة، وانما هو يمتد الى تقويم قدرات التلميذ وتقييم الاهداف والمناهج والمحتويات والطرق البيداغوجية و الديداكتيكية، التقويم له خطورة على الحياة الخاصة للمتعلم، لأنه لا يقف عند حدود اصدار الحكم بالنجاح او الفشل على المتعلم، و ليس مجرد حكم قيمي على المتعلمين واعمالهم، كما انه ليس اخر حلقات الفعل التعليمي بل هو نشاط تكويني متفاعل مع جميع العناصر المكونة للسيرورة التعليمية. انه يحدد شخصية المتعلم المستقبلية من خلال نوعية المجتمع ومطالب التنمية فيه، والقيم وانماط السلوك اللازمة لتكوين مواطن المستقبل، لذا فانه اذا كان الهدف الرئيسي لعملية التقويم اصدار الاحكام على المتعلمين وتصنيفهم، واذا كان مجرد اختبار او تمرين موسمي عند نهاية كل دورة اوكل موسم دراسي، واذا كان التقويم يقيم الجانب المعرفي وليس كل جوانب شخصية الفرد.. فانه من الطبيعي ان يغش التلميذ في الامتحانات وان يركب كل المراكب والمغامرات الممكنة مهما كانت خطورتها مادامت الغاية تبرر الوسيلة وهو الحصول على شهادة الباكالوريا التي تفتح افاق المستقبل الجامعي والمهني، او ينظر اليها كمصفاة للتموقع في سوق الشغل. لذا لا يجب ان نستغرب من ازدياد مظاهر العنف ضد المدرس والمؤسسة والمجتمع، او لا نستغرب من استفحال مظاهر الغش لأننا اختزلنا كل العملية التقويمية في الاختبارات المعرفية، اومن استمرار دوامة الاحتجاجات والتحركات التي اضحت اليوم من الطقوس الاليفة لهذا النظام التربوي المعتل حتى غدا هاجس الامتحان مهيمنا على كافة مكونات العملية التربوية، بل انه اصبح السيد المطاع الذي تتهافت لخدمته كافة الاطراف من ادارة مركزية واكاديميات ومديريات ومفتشين واداريين وتلاميذ واجهزة اخرى معلومة.. علاوة على هدر الطاقات والاموال والموارد المادية بعيدا عن سياسة الترشيد. ان اختزال العملية التربوية الى تقويم مختزل في اوراق تحرير خاصة توزع يوم الامتحان، واختزال زمن التقييم في فترة محدودة بين ساعتين اقل او اكثر عن كل مادة، وخلال ايام معدودات بين يومين او ثلاث يعرض فيها الممتحن قدرته على الاستظهار او على اجترار اكوام المقرر الدراسي لسنة بكاملها انما يتم في ذلك اختزال كتلة بشرية كاملة وحياة مجتمع كله او حياة جيل بكامله بمادياتها ومعنوياتها في مجموعة من المعارف والمعلومات اغلبها لا يؤهل المتعلم للاندماج في محيطه وفي ثقافته اوفي سوق الشغل ولا يؤهله للانفتاح على الثقافات والمجتمعات الاخرى. هذا يبين المكانة الملتبسة لهذا المكون الأساسي للتعلم، فما بين المراقبة المستمرة والامتحانات وطرق التدريس، والمنهج الدراسي، والكتاب المدرسي والدعم التربوي.. لا يلمس التقويم في منظومتنا إلا في الامتحانات والاختبارات في صيغها المعهودة (وهذا يؤدي إلى تحويل التلميذ إلى أداة لأداء الامتحان وليس إلى إنسان حر يفكر، يبحث، ويستكشف، ويدرس ويستنبط ويكون لنفسه رأيا )- محمد بوبكري إن الشكل الذي ترد فيه الامتحانات الاشهادية – البكالوريا نموذجا – ساعد على ظهور واستفحال الكثير من الظواهر السلبية التي تمس بمبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف وتخلق تنافرا بين نظام التحصيل ونظام التقويم، ومنها : * الصراع مع المقرر مع اختزال التربية والتعليم في الكتاب المدرسي ومحتوياته المعرفية التي تسلب للأستاذ تأثيراته التربوية، كما لم يعد للتلميذ من علاقة مع الاستاذ الا من علاقة حسابية حاسوبية يؤدي كل واحد فيها دوره اليا.. التلميذ لم يعد يهمه من الاستاذ الا ما يمكن ان يكون موضوع الامتحان ولذلك يطالب الاستاذ بان يحشو دروسه بما يصلح ان يكون تحايلا على الامتحان الاكاديمي كالمقدمات المدبجة في مواد كاللغة العربية والفرنسية والانجليزية.. * الادارة التربوية لا يهمها من العملية الا ضمان دخول التلاميذ الى الاقسام ومراقبتهم دون الحرص على متابعة العمل التربوي من انشطة داعمة وموازية او انصات للتلميذ في معاناته اليومية مادام مجمل غاياتها هو تأميم مرور الامتحان في ظروف امنية تجنب المؤسسة كل ما يعكر صفو الامتحان. * الاساتذة صار كل همهم ان يبرؤوا ساحتهم امام التلميذ والمراقبة التربوية من عدم اتمام المقرر بغض النظر عن الكيفية التي تم بها وعلى حساب ماذا ومن، وصارت الدروس "حنطة" تكدس في الاكياس الورقية وترمى الى التلميذ ليجترها تم يردها عند كل طلب. * الاباء اصبح شغلهم الشاغل تامين ان يحصل الابن على اكبر عدد ممكن من المعدلات المرتفعة التي يمكن ان تؤمن ولوج المدارس المهنية والتقنية المضمونة في سوق الشغل لذا تجدهم يلهثون خلف الاساتذة لتامين الدروس الخصوصية ولو كان ذلك على حساب راحة التلميذ وقدرته على الاستيعاب او على حساب قدرته على الاعتماد على النفس. * الاكاديميات اصبحت عملية التقويم بالنسبة اليها ارقاما تختزل في عدد الناجحين والمكررين وفي تصنيفاتهم بعد هاجس تنظيم الامتحانات منذ اختيار الموضوعات التي لا يجب ان تثير حفيظة الممتحنين والسلطات الى ضمان توزيعها في ظروف امنة وفي التصحيح الى التفريغ وإعلان النتائج. كل ذلك في ظروف امنية مشددة تذكرنا بحمى الانتخابات. (ذ. محمد بنضو- التقويم التربوي بين واقع النظام الاكاديمي وامال الميثاق الوطني.) 2- شهادة البكالوريا : شهادة على النجاح الاجتماعي والاسري ليس الا !!! تحظى شهادة البكالوريا في مجتمعنا بمكانة قصوى من الناحية الاجتماعية لأنها لا تعكس فقط نجاح الفرد وحصوله على البكالوريا وإنما تعكس ايضا نجاح الأسرة. وهذه الشهادة تخول لحاملها ولوج الجامعات والمعاهد والمدارس العليا وتفتح له افاق ولوج سوق الشغل، لذا تعتبر من الناحية الاقتصادية مصفاة للتموقع في سوق الشغل. هذه القيمة التي تحظى بها شهادة البكالوريا جعلتها مقياسا عالميا يقاس على أساسه أداء المنظومات التربوية مما ادى الى تزايد اهتمام الباحثين والخبراء وكذا المنظمات العالمية بهذا المعيار (الشهادة) حتى انه( تعتبر الشهادة والمدرسة رموزا أساسية في النظام التعليمي )- محمد بوبكري. يرى ايفان ايليتش Ivan Illich أن النظام المدرسي ليس سوى نظام سباق من اجل الحصول على الشهادات، انه نظام مغلوط يهدف إلى إنتاج تلاميذ طيعين مستعدين لاستهلاك مقررات مهيأة من لدن "السلطات" ومن اجل طاعة المؤسسات وبذلا منها يجب أن تحل محلها علاقات بين "أطراف متساوية " وتربية حقيقية تعد التلاميذ للعيش في الحياة. ( د احمد اوزي – علم النفس التربوي – ص:)1 ان شهادة الباكالوريا لها قيمة اجتماعية وقيمة اقتصادية وتربوية اكتسبتها من خلال قوانين وانظمة مؤسسات المجتمع و لا تعكس فقط نجاح التلميذ بل تظفي بالضرورة تألق وبروز الاسرة وهذا ما يزيد ويرفع من صبيب الارتباك والتحدي والامل والمغامرة من اجل الحصول على الشهادة باي وسيلة كان. و جراء ذلك يمكننا التساؤل او الكشف عن بعض العوامل المفسرة للنجاح والفشل في الباكالوريا ومنها: * عامل السن: فهل كلما ارتفع سن المترشح للباكالوريا زادت حظوظ فشله؟ * اختلاف الجنس: هل اختلاف الجنس (ذكر- انثى) وبحكم ان كل واحد منهما له خصوصياته يزيد من حظوظ جنس في النجاح على الجنس الاخر؟ الاناث اكثر تفوقا من الذكور !!! * ضغط الامتحان :هل لمعاناة التلميذ المقبل على امتحان الباكالوريا تأثير على تحضيره لهذه الشهادة وبالتالي على النجاح فيها؟ كثيرا ما يصاب عدد مهم من التلاميذ والتلميذات بانهيارات عصبية و فوبيا الامتحان فينهار ويفشل ويضيع مستقبله الدراسي !!! * عاملي الدراسة والمدرسة : هل نوع الدراسة التي يتبعها التلميذ ونوع المدرسة (عمومي–خصوصي – مدارس البعثات…)عامل حاسم في الحصول على الشهادة؟ معدلات النجاح في مدارس البعثات اكبر من غيرها في المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية !! فاين تساوي الحظوظ ؟؟؟ * عوامل: التوجيه المدرسي –الوضع المادي للأسر – الاستقرار الاجتماعي… وغيرها كلها عوامل مفسرة للنجاح والفشل في الباكالوريا؟ * الباكالوريا ومرض الادمان على الدروس الخصوصية يقول الأستاذ محمد بوبكري انه (منذ دخول الطفل إلى المدرسة يوجه إلى الامتحان أكثر من توجيهه إلى التعلم والعلم، فهو يهيأ للامتحان أكثر ما يهيأ للحياة، فليس المهم أن يستفيد التلميذ من الدرس ويتمتع به، وإنما المهم أن يستعد للامتحان ليتفوق على أقرانه ويرضى عنه أبواه وهذا ما يجعل المدرسة فضاء يهيئ التلاميذ للامتحان فقط …) – تأملات في نظام التعليم بالمغرب – ص 51 الهوس بالامتحان كان سببا رئيسيا في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ك"مشروع" منافس لأنماط الدعم التربوي المدرسي التي تتم في إطار الأنشطة الموازية داخل القسم أو أنشطة الدعم الخارجي، وتركز هذه الدروس الخصوصية أو الساعات الإضافية الخاصة على تهيئ التلاميذ لأداء الامتحان باقل كلفة زمنية واقل كتلة معرفية واقل جهد وابداع ومعاناة من خلال تعويد التلاميذ على "مهارات تكتيكية" في التعامل مع الاسئلة ومواضيع الامتحان، وهذا ما اضعف قيمة المدرس والمدرسة وقلل الاحترام لهما وبالتالي تمريغ المنظومة التربوية في تربة الوحل والقحط والاحتقار. ولا تزال قوافل التلاميذ المدمنين على الظاهرة يتزايد عددها سنة بعد اخرى مخلفة سلبيات قد تؤدي الى السكتة القلبية للمنظومة التربوية والتعليمية : * تزايد نسبة التلاميذ المستفيدين من هذه الدروس الخصوصية يؤثر بشكل سلبي على العمل داخل الفصل الدراسي، حين يتعود هؤلاء التلاميذ على استعادة عرض وتقديم هذه الدروس بالطريقة نفسها التي الفوها في مراكز الدعم الخصوصي والاجابات لديهم تشبه الطريقة التي تهيء بها الامتحانات في هذه المراكز. اما التلاميذ الاخرين الذين لا يعتادون على ولوج مثل هذه المراكز الخاصة – لوضعهم المادي والاجتماعي الهش- فانهم يضطرون الى الاكتفاء بما يحصلون عليه في الفصل الدراسي وهو ما يفرز لنا غياب تكافؤ للفرص بين الجميع (لان الدعم قد يغطي النقص الذي يحصل في الفصول الدراسية وقد يساعد على اكتساب مهارات خاصة). * لجوء بعض المدرسين إلى أتباع أساليب التدريس والتلقين المعتادة في مراكز الدعم الخصوصية مما يحول التلميذ إلى أداة لأداء الامتحان وليس إلى فرد أو إنسان حر قادر على ان يبحث ويستكشف ويستنبط ويتعلم ذاتيا. * تغليب الكم على الكيف مما جعل حجم المواد لا يلائم الغلاف الزمني المخصص لها وهو ما يفرض على المدرس السير مع المقررات الطويلة بوتيرة متسارعة حتى يستطيع إكمال أجزاء المقرر في الوقت المحدد وبالتالي حدوث شقوق وثغرات بين درس وأخر وهذا ما يدفع التلميذ والأسر إلى البحث عن الدروس او الساعات الإضافية لتعويض " الضرر" الحاصل في انجاز واكمال المقررات. * وجود كتاب مدرسي غير مثير وغير مشهي يدفع التلميذ والمدرس للجوء إلى وثائق ونصوص ورقية او رقمية بديلة، مع هيمنة ثقافة الكراسات التي تحتوي على نماذج للأسئلة التي يمكن أن تطرح في الامتحان…فتلهي التلميذ على حساب المهارات والكفايات المطلوب تنميتها وتعزيزها(لجوء بعض مراكز الدعم الخصوصية الى ببيعها ونشرها " فيسبوكيا" لتحل محل النصوص والدروس الرسمية المقررة أو الكتب المدرسية) * عدم الاهتمام بكل المواد الدراسية والاقتصار او الاكتفاء بالمواد الممتحن فيها وهو ما يسبب اضطرابا في المواظبة او الحضور الى الاقسام في الحصص الرسمية – حيث الحضور يكون تاما في المواد الرئيسة والغياب يكون حادا في المواد الثانوية- مع استغلال هذا الغياب "الاضطراري" وعن قصد "للاعتكاف " في مراكز الدعم الخصوصية والتي تفتح ابوابها من بعد طلوع الشمس الى وقت متأخر من الليل حتى ان حركة التلاميذ الى هذه المراكز تبدو اكبر واضخم من حركتهم الى مؤسساتهم الاصلية. * التعب النفسي والبدني والحرمان من الحصول على أوقات للراحة والأنشطة المجتمعية، وغالبا ما يؤدي التلميذ الذي يصارع المقرر والامتحان في المؤسسة وفي مراكز الدعم الخصوصية ثمنا باهظا حين يتعرض لانهيار نفسي وبدني وهو ما نلاحظه عند قرب الامتحان حين يدلي الاباء واولياء الامور بشواهد طبية عن ابنائهم وبناتهم او تعرضهم لنوبات مرضية نفسية طارئة… وتشير الكثير من التقارير العلمية إلى عدم جدوى الدروس الإضافية للتلاميذ الذين يدرسون بالتعليم الابتدائي… لكن يمكن الاستفادة من دروس الدعم في التعليم الثانوي شريطة أن يتم اختيار المحتوى والتركيز على حل المشكلات. * لجوء اغلب التلاميذ خلال هذه الفترة الحاسمة من حياتهم الدراسية إلى الاتكالية على الغير وخصوصا حين يتم استغلال الدروس الخصوصية في انجاز الواجبات و الفروض المنزلية. * فتح بعض المراكز الخاصة بالدروس الخصوصية مهمة التدريس لكل من هب ودب ليلج المجال من مهندسين بطاليين أو دكاترة أو محامين أو من طلبة جامعيين…صاروا كلهم أو غيرهم يمارسون هذه المهنة الممنوعة في ظاهرها والمباحة من طرف الجميع، إذ التربية والتعليم لا يمكن أن يقوم بها إلا المدرس والمربي لأنه هو إمام البيداغوجيا ومبدع الديداكتيك وصانع الطرق والوسائل وهو القادر على أن يطور البيداغوجيا وينميها ليساعد التلاميذ في تكوينهم . للقضاء على هذه الظاهرة عجزت الوزارة الوصية على هيكلة وتنظيم هذا المجال التربوي العشوائي، كما فشلت في جعله أن يكون سندا تربويا للدروس النظامية، بل إن هذه المراكز الخاصة تحولت إلى شبه مدارس موازية قائمة الذات تتحكم في مصير التلميذ في كل الأطوار وكل المستويات الدراسية. و لقد اصدرت الوزارة الوصية في هذا الشأن مذكرات عديدة للحد من الظاهرة اومن سلبياتها، ومن جملة هذه المذكرات (المذكرة الوزارية رقم 237 بتاريخ 13 جمادى الثانية 1412 الموافق ل 19 دجنبر1991 والمذكرة الوزارية رقم 9 الصادرة بتاريخ 5 ربيع الاول 1401 الموافق ل 12يناير 1981) لكن الظاهرة مستمرة في الانتشار بل تتزايد استفحالا حتى في اقصى البوادي والمناطق النائية. لكن وللاعتراف بصعوبة الحد من الظاهرة، فان كل ما أنجز من دراسات وتقارير لا يمكنها أن تحيط بالظاهرة لأن هذه الأخيرة حديثة الوجود في محيطنا التربوي والتعليمي، و هي ما تزال في حاجة إلى دراسات وبحوث علمية واجتماعية وتربوية، لذا يجب على الوزارة الوصية النبش والحفر في أعماق هذا المحيط التربوي بجرأة سياسية وعلمية وتربوية. * متى نؤسس للتقويم التربوي المستقبلي؟ في الشهور الاخيرة اوحت بعض الاشارات الى ان وزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة مقبلة على اتخاذ قرارات قد تحدث تحولات كبرى في مسار التربية والتعليم في بلادنا من قبيل التغييرات المنتظرة على راس المديريات المركزية والاكاديميات و المديريات الاقليمية مما يفتح تنبؤات عن مستقبل جديد قد يحمل التغيير والتطوير والتجديد فلسفة وتنظيما وبشرا وادوات وتقنيات- هذا ما يتمناه كل افراد المجتمع المدرسي- كما ان بعض هذه الاشارات توحي بنوع من الاصرار بان القرارات المزمع اتخادها تستمد شرعيتها وصلاحيتها من بعض الدراسات " التشخيصية" التي انجزها باحثون وخبراء" تقنيون" يراد لهم ان يكونوا بعيدين عن تهمة الانتماء السياسي والنقابي وهو يدفعنا الى التساؤلات التالية : * هل يضفي عنصر الكفاءة التقنية للخبراء طابع الشرعية والصلاحية على قرارات تتعلق بالسياسة التعليمية التي يفترض ان تكون نابعة من البرنامج السياسي الحكومي؟ * هل يمكن لقرارات سياسية ان تتحول الى قرارات تربوية بدون التورط النظري لصالح هذا التصور البيداغوجي او ذاك ؟ هل الاصلاحات التربوية لتطوير النظام التعليمي غير مبنية على اسس نظرية فلسفية نابعة من التصور السياسي والايديولوجي للبرنامج الحكومي؟ وهل هذه الاصلاحات ذات طابع ثقافي شمولي ام ذات طابع تقني- شكلي؟؟ لا اصلاح تربوي بدون وجود مشروع سياسي . * هل يمكن ان تتحول القرارات التربوية الى قرارات تعليمية بدون تحقيق ارادة ايجابية لذى الهيئات المنفذة وعلى راسها هيئتي الادارة التربوية والتدريس الذين لا يؤخذ برايهم في مشاريع ووثائق الاصلاح ولا يستجاب لمطالبهم وحقوقهم المادية والاجتماعية؟ فكيف سينجح الاصلاح ؟ هي اسئلة توحي بان المدرسة لا يمكنها ان تبقى محايدة او رهن "اعتقال تقني " لما عرفه ويعرفه العالم من تغيرات وتحولات كبيرة حتى تستطيع ان تلعب دورها الاساسي في خلق(العملية المجتمعية الواعية الموجهة)لإحداث التنمية بمؤشراتها ومعاييرها المادية والمعنوية. ان هذه التغيرات والتحولات السريعة هي التي تجعل التربية والتعليم عمليتان اكثر تعقيدا واكثر اتصالا بالنظم الاجتماعية ككل لذا اصبح النجاح في الدراسة مطلبا ضروريا باعتباره حلقة الوصل بين حاجيات العمل والقوى البشرية المطلوبة لإنجازه (فكلنا نطالب اليوم المدرسة بان تضمن تكوينا عاما في فضاء تربوي دائم التغيير.. ودمج كل الاطفال في المجتمع رغم اختلاف خصوصياتهم ) شاني – ديباير وارتباطا بالتغيرات والتحولات المجتمعية والثقافية تعددت اعمال المهتمين بالمجال التربوي من تطوير المناهج وتحديث الوسائل وتغيير المقررات والمعارف.. الى مجال لا يقل حيوية وخصوبة الا وهو مجال التقويم. ان واقع التقويم التربوي عندنا ما يزال هدفه الرئيسي هو اصدار الاحكام على المتعلمين وتصنيفهم بدلا من تحسين عملية التعليم، كما يعاني من سلبيات عديدة منها : النظر الى التقويم كغاية بدلا من ان يكون وسيلة لتطوير العملية التربوية والتعليمية – الافتقار الى الاستمرارية، حيث كثيرا ما يكون التقويم عملية موسمية منقطعة – البعد عن الشمولية و الاقتصار على الجانب المعرفي فقط – التركيز على التلميذ والممتحن من دون سائر العناصر الاخرى للعملية التعليمية التعلمية – الاعتماد بشكل رئيسي على اداة واحدة تقريبا وهي الفروض والامتحانات مع تجاهل الادوات الاخرى كالاستبيانات والملاحظة والمشاركة والمناقشة والمقابلة والابحاث وكتابة التقارير ومقاييس الاتجاهات والميول والقيم..(Burden – Byrd-1994) إن الامتحانات في منظومتنا التعليمية التي تقوم مكتسبات التلاميذ تبقى هي المدخل الضعيف في كل الاصلاحات السابقة والحالية ، وبالتالي فلابد من تطوير أساليب التقويم والامتحانات وتجاوز المشكلات التي أفرزتها الأنظمة السابقة والحالية للامتحانات، من قبيل النظر العميق في صيغ الاختبارات المختلفة وربطها مع سيرورة التعلم، واعتبارها جزء لا يتجزأ من التكوين لمواجهة التجاء التلاميذ إلى اعتماد أساليب الغش مع تفعيل دعم متوازن ومدروس للتلاميذ المتعثرين في دراستهم، وكل ذلك من خلال النظر إلى التطوير المستمر للمناهج. اننا نسجل ان هناك بعض التحسينات التي عرفتها امتحانات البكالوريا في إطار نظام الاكاديميات على المستوى التدبيري وحتى الامني إلا أن البحث عن صيغ أخرى للتقويم تكون ناجعة ومنصفة من الصيغ الحالية ما تزال ضعيفة، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في(الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 )قدم القليل من المقترحات العملية – وان كانت ذات صبغة عمومية – يراها المجلس الاعلى كفيلة بتحسين أدوات تقييم التحصيل الدراسي والتكويني على نحو يكفل تكافؤ الفرص بين المتعلمين من قبيل : * تطوير دلائل مرجعية دقيقة حسب المستويات والأسلاك للأنشطة التقييمية سواء التشخيصية منها أو التكوينية أو الاشهادية أو المندرجة في إطار المراقبة المستمرة. * تخصيص المناهج والبرامج لحيز يتناسب ومكانة التقييم وأهميته من حيث التوجيهات التربوية والزمن والأنشطة والوظائف. * تبسيط و معيرة آليات التقييم والدعم التربوي ضمانا لتوفر المتعلمين على حد مقبول للنجاح ومتابعة الدراسة فيما بين المستويات والأسلاك التعليمية. * إعادة الاعتبار والمصداقية للامتحانات الاشهادية وخاصة البكالوريا والرفع من جودتها من خلال إعطاء الأولوية في السنوات الاشهادية للامتحانات الموحدة جهويا ووطنيا تحقيقا لمبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص .ص39/40 فهل سنشهد في المستقبل القريب كفاءة نظامنا التعليمي بتغيير مبناه ومناهجه وتقويمه ؟؟؟