شن الجيش السوداني ضربات جوية على معسكر لقوات الدعم السريع شبه العسكرية بالقرب من العاصمة اليوم الأحد في محاولة لاستعادة السيطرة على البلاد، وذلك بعدما تسبب صراع الطرفين على السلطة في نشوب اشتباكات أسفرت عن مقتل العشرات من العسكريين و56 مدنيا على الأقل. والاشتباكات التي اندلعت أمس السبت هي الأولي بين وحدات الجيش التي تدين بالولاء لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف أيضا باسم حميدتي منذ أن اشترك الطرفان في الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019. ودعت الولاياتالمتحدة والصين وروسيا ومصر والسعودية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية. وكثفت دول مجاورة ومنظمات إقليمية جهودها اليوم الأحد لإنهاء العنف. وشمل ذلك عرضا من مصر وجنوب السودان للوساطة بين طرفي الصراع وفقا لبيان صادر عن الرئاسة المصرية. وقال شهود في ساعة متأخرة من مساء أمس السبت إن الجيش قصف معسكرا تابعا لقوات الدعم السريع شبه العسكرية في مدينة أم درمان التي تقع على الضفة الأخرى لنيل العاصمة الخرطوم، وذلك في نهاية يوم من القتال العنيف. وأدعى كل طرف سيطرته على المطار ومنشآت حيوية أخرى في الخرطوم التي احتدم فيها القتال أثناء الليل. ويتنافس الجيش مع قوات الدعم السريع، التي يقدر محللون قوامها بنحو 100 ألف جندي، على السلطة بينما تتفاوض الفصائل السياسية على تشكيل حكومة انتقالية منذ انقلاب عسكري في 2021. وفي الساعات الأولى اليوم الأحد، قال سكان إنهم سمعوا دوي أعيرة نارية وانفجارات قذائف مدفعية ثقيلة خلال الليل. وبثت قناة العربية لقطات تظهر تصاعدا للدخان الكثيف من بعض الأحياء في الخرطوم. وقالت هدى وهي من سكان حي في جنوبالخرطوم "نحن خائفون ولم نذق طعم النوم منذ 24 ساعة بسبب الأصوات المدوية واهتزاز المنازل. نحن قلقون من نفاد الماء والغذاء والأدوية من أجل أبي فهو مريض بالسكري". وأضافت "هناك الكثير من المعلومات المضللة والجميع يكذبون. لا نعلم متى ينتهي ذلك وكيف سينتهي". وقالت تغريد عابدين وهي مهندسة معمارية تعيش في الخرطوم إن التيار الكهربائي انقطع ويحاول الناس ترشيد استهلاك بطاريات الهواتف المحمولة. وأضافت "يمكننا سماع دوي ضربات جوية وقصف وأعيرة نارية". وقالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إن من الصعب على المسعفين والمرضى الوصول إلى المستشفيات ودعت الجيش وقوات الدعم السريع لتوفير ممرات آمنة. وقال مسؤول في شركة اتصالات (إم.تي.إن) في السودان لرويترز اليوم الأحد إن السلطات أبلغت الشركة بأن تعيد خدمات الإنترنت في البلاد وإنها نفذت ذلك. وقال مسؤولان من الشركة لرويترز في وقت سابق اليوم الأحد إن الشركة أوقفت خدمات الإنترنت في البلاد بناء علي توجيهات من هيئة الاتصالات الحكومية. وأكد مستخدمون في السودان عودة خدمات الإنترنت لديهم. وتأتي الاشتباكات في أعقاب تصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع بشأن دمج تلك القوات شبه العسكرية في الجيش. وأدى الخلاف إلى تأجيل توقيع اتفاق تدعمه أطراف دولية مع القوي السياسية بشأن الانتقال إلى الديمقراطية. ومن شأن حدوث مواجهة طويلة الأمد بين الجانبين أن تؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع واسع النطاق في وقت يعاني فيه بالفعل من انهيار الاقتصاد واشتعال العنف القبلي ويمكن أيضا أن تعرقل الجهود المبذولة للمضي نحو إجراء انتخابات. عالقون ومحاصرون ووردت أنباء أن مجموعات من الأشخاص محاصرون قرب القصر الرئاسي ومقر الجيش. وقال معلم لرويترز إن نحو 250 طالبا و25 معلما محاصرون في مدرسة تبعد أقل من كيلومتر واحد عن القصر الرئاسي وظلوا على هذه الحال طوال يوم أمس السبت وخلال الليل دون طعام وأشار إلى أن نحو 50 طالبا لم تتمكن أسرهم من التواصل معهم لا يزالون هناك. وقال طبيب إن طفلا تلقى رصاصة في الصدر بعد أن دخل فناء المدرسة لكنه لم يلق حتفه. وأظهرت مقاطع مصورة نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي طائرات عسكرية تحلق على ارتفاع منخفض فوق المدينة، وبدا أن واحدة منها على الأقل تطلق صاروخا. وقال الجيش في بيان اليوم الأحد "اقتربت ساعة النصر". وأضاف البيان "نترحم على الأرواح البريئة التي أزهقتها هذه المغامرة المتهورة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع المتمردة ودعواتنا للمصابين، ونبشر شعبنا الصابر الأبي بأخبار سارة قريبا بإذن الله". وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن 56 على الأقل قتلوا وأصيب 595 بينهم جنود منذ اندلاع المواجهات أمس السبت وأشارت إلى أن نحو نصف المدنيين الذين قتلوا سقطوا في ولايات غير الخرطوم. وأضافت أن العشرات من العسكريين قتلوا أيضا، وذلك دون أن تذكر عددا محددا بسبب قلة المعلومات المباشرة من العديد من المستشفيات التي نقلوا إليها. وقال مندوب مصر لدى جامعة الدولة العربية اليوم الأحد في اجتماع لمناقشة التطورات في السودان إن القاهرة تدعو طرفي الصراع في السودان لضمان سلامة كافة المصالح المصرية هناك. وقال السفير محمد مصطفى عرفي "تؤكد جمهورية مصر العربية محورية الحفاظ على أمن وسلامة كافة المصالح المصرية في السودان… وتشدد على مسؤولية جمهورية السودان وأجهزتها المعنية في ضمان أمن وسلامة المصالح ذات الصلة". وقال السودان في خطاب أمام الجامعة العربية إنه يتعين السماح للسودانيين بالتوصل لتسوية داخلية دون تدخل من المجتمع الدولي. وقال مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على تويتر إنه دعا لعقد جلسة طارئة لمناقشة التطورات السياسية والأمنية في السودان اليوم الأحد. وقالت قوات الدعم السريع صباح أمس السبت إنها سيطرت على القصر الرئاسي ومقر إقامة قائد الجيش ومقر التلفزيون الرسمي ومطارات في الخرطوم ومدينة مروي في الشمال وفي الفاشر وولاية غرب دارفور. ونفى الجيش هذه التأكيدات. وأمرت الحكومة بإغلاق المدارس والبنوك والمكاتب الحكومية اليوم الأحد. وقالت القوات المسلحة على صفحتها على فيسبوك "لا تفاوض ولا حوار قبل حل وتفتيت ميليشيا حميدتي المتمردة" وطلب الجيش من الجنود المنتدبين لدى قوات الدعم السريع أن يحضروا لوحدات الجيش القريبة، مما قد يؤدي إلى استنزاف صفوف قوات الدعم السريع إذا امتثلوا للأمر. ووصف حميدتي البرهان بأنه "مجرم وكاذب". وناشد البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بإحلال السلام وقال في عظته الأسبوعية في ساحة القديس بطرس "أتابع بقلق الأحداث التي تجري في السودان. أنا قريب من الشعب السوداني المُمتحن، وأدعو للصلاة لكي يتم وضع الأسلحة جانبا ويسود الحوار، لكي نستأنف معا مسيرة السلام والوئام"