لا يزال استخدام سيارات الدولة في الأغراض الشخصية والحزبية مستمرا بالمغرب، دون أن تردعه لا دوريات وزارة الداخلية ولا الحملات الإلكترونية ولا غيرها، في ظل غياب محاسبة فعلية. وفي ظاهرة غير مسؤولة، تشهد مؤتمرات حزبية جهوية ووطنية، حضورا وازنا لسيارات الجماعات، حيث ينتقل مؤتمرون إلى محطات حزبية على حساب ميزانيات الجماعات التي تعيش في الغالب وضعيات هشة. والنموذج من المؤتمر الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة المنظم أمس السبت في مدينة فاس، حيث اجتمعت حوالي 20 سيارة تابعة للجماعات بمرآب وجنبات الفندق الذي شهد أشغال المؤتمر، إذ قطع منتخبون تابعون للحزب مئات الكيلومترات على حساب المال العام. وفي الوقت الذي يكتوي فيه المواطنون بنار غلاء المحروقات، وتأكيد الحكومة أنها لن تدعم الوقود المستخدم في التنقلات الخاصة للأشخاص، لم يجد منتخبو "البام" حرجا في الانتقال بوقود مجاني لاستقبال الوزير وأمينهم العام عبد اللطيف وهبي، وعقد مؤتمرهم الجهوي. ويأتي ذلك رغم دوريات وزارة الداخلية المتعددة عبر السنوات الماضية، والتي شددت على منع استعمال سيارات الدولة المُخصصة للخدمة خارج أوقات العمل، و طالبت رؤساء الجماعات بعدم استعمال السيارات المملوكة للدولة من دون إذن مسبق خارج أوقات العمل وفي نهاية الأسبوع، مع احترام مدار السير المحدد في "الأمر بالتنقل"، ونيل تصريحات بشأن كل ما يخالف ذلك. ورغم أمر الداخلية لعناصر الأمن والدرك بحجز كل سيارة للدولة أو الجماعات الترابية، تتحرك خارج نطاق الاختصاص من دون إذن، فإن هذا الحجز يبقى رهين الأوراق ولا يتعداه لأرض الواقع، رغم ما ترصده مفتشية وزارة الداخلية من ميزانيات طائلة تلتهمها هذه السيارات. كما يتزامن حضور 20 سيارة جماعية للمؤتمر الجهوي للبام في سياق وضعية صعبة أكدتها دورية أخيرة لوزارة الداخلية قبل شهر، نبهت إلى أن الجماعات الترابية "تنتظرها تحديات عميقة سيكون لها تأثير مباشر على وضعيتها المالية"، ودعت إلى اعتماد "النجاعة والعقلنة في تدبير مالية الجماعات". وشددت الدورية ذاتها على ضرورة التحكم في نفقات الوقود والزيوت، وذلك عن طريق إحكام التصرف في نفقات الآليات ووسائل النقل الإدارية، مع التأكيد على استعمال سيارات المصلحة للأغراض الإدارية دون سواها. جدل استخدام سيارات الدولة لأغراض خاصة، سبق أن وصل إلى البرلمان في أكثر من مناسبة، وآخرها عبر النائبة عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني، التي نبهت إلى أن استغلال سيارات المصلحة بالجماعات الترابية تؤطره نصوص وضوابط قانونية تقننه وتحدد كيفيته، لكن واقع الحال يكشف يوميا أن استغلال هاته السيارات يتم خارج الضوابط القانونية، وخارج فترات الدوام الرسمي، وأيام العطل، في تحد سافر للقانون وللمذكرات. وأكدت التامني على ضرورة اتخاذ ما يلزم لوقف هذه الظاهرة وما يستتبعها من تكاليف الوقود وقطع غيار وأتعاب الصيانة، والذي يعد إهدارا للمال العام. واعتبر محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام أن استغلال سيارات الدولة لقضاء مآرب شخصية، سلوكا مستفز، يعاكس كل النوايا المعبر عنها بضرورة نهج سياسة الترشيد والتقشف والتضامن، وتشكل امتدادا لسياسة الريع والفساد. وسجل الغلوسي في تدوينة سابقة له أن هذا السلوك يؤكد أن بعض المنتخبين والمسؤولين غير مكترثين بالظروف الصعبة التي تمر منها البلاد. وأبرز أن الأمر لا يتعلق مطلقا بمهام لها علاقة بالوظيفة بل بأمور مصلحية ذاتية، في حين أن إصلاح السيارة في حالة عطب والعناية بها وضخ الوقود ومصاريف أخرى كلها على حساب الأموال العمومية التي تؤدى من أموال دافعي الضرائب.